مِنْحبّك ؟؟!!

لست ممن يؤمنون بالحب من أول نظرة ؟! ولا من أول همسة ؟ ومع ذلك فقد فرض علي وعلى أمثالي أن نحبه ونهتف له ونجدد البيعة كلما أراد ، ولكن على مبدأ ! إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تمقتهم .

عندما دخلت إلى إحدى سفاراتنا العتيدة فوجئت بصورته وتحتها كلمة (منحبك) ، كان إلى جواري أحد الإخوة العرب وقد حضر للحصول على فيزا مرور . فوجدته يتهجى الكلمة ويقرؤها (مَنْحُـبُك) ثم يزم شفتيه متعجبا ، فأدركت الإشكال الذي يدور في ذهنه . فقلت : إنه رئيس الدولة (مَنْحُـبُك ) الثاني ، فقال مستغربا : ما سمعت بهذا اللقب !

قلت : أبوه الراحل كان مَنْحُبـُك الأول ، وابنه الصغير الذي يلعب بالدراجة في ساحة القصر الجمهوري يُخٓطط له أن يكون مَنْحُبـُك الثالث ؟!

ازداد تعجب الرجل ، وبالغت في مضاعفة استغرابه فقلت : مَنْحُـبُك لقب مثل فرعون وكسرى وشاهنشاه ولهؤلاء جميعا أسماء غير هذه ؟!

أدار وجهه وكأن هذا التفسير لم يلق لديه قبولا

قلت : ولكنني قرأتها مُنْحَبَك وقد تقرأ مُنْحَبِك : اسم مفعول واسم فاعل من انحبك ينحبك ، والحبك كما في القاموس إجادة نسج الثوب

فإن كانت بفتح الباء فإن الذي حبكه أبو الراحل بعد مقتل شقيقه وآخر حبكة له كانت عندما جيء بأعضاء مجلس الشعب يسوقهم زوج أخته وأستاذه الذي علمه الحكم  ، ليغيروا القانون ، ويخفضوا من عمر رئيس الجمهورية إلى 34 عاما ، في أكبر موسم للتخفيضات في العالم الثالث بإدارة خبير التخفيض العالمي .

ثم حُبك حبكة أخرى حين طلبوا من نائب رئيس الجمهورية أن يصدر قرارا بترقيته إلى رتبة أبيه العسكرية (فريق أول ) وقرارا آخر يرفعه إلى مكانة أبيه الحزبية ( الأمين العام لحزب البؤس ) أحسست أن هذه التفريعات لم ترق لصاحبي فهي لا تهمه في قليل أو كثير فحسبه أن يحصل على تأشيرة المرور ومع ذلك قلت في نفسي : لا بد أن يعرف كيف أحببناه ولماذا ؟ وإلى متى ؟ فأوضحت له أن الكلمة هي (مِنْحِبَّك )أي أننا نحبك ؟؟؟؟!

انفرجت أساريره وقال : أ لهذه الدرجة ؟ قلت : وأشد فأنت عندما تزور قطرنا الممانع الصامد المتصدي ستجد شعبنا يتغدى ويتعشى على حبه , وينام ويستيقظ وهو يحلم به !!

أما كيف حصل هذا فإن والده الراحل الكبير بعد أن رقق مشاعر الشعب ، ونقله إلى حالة من الرومانسية نتيجة الجوع والخوف ، على اعتبار أن الجائع يصل إلى حد الهلوسة والخائف يصل إلى حد التسليم ، هذا الراحل أراد أن لا يحرم العباد والبلاد من نسله المبارك ؟؟ فأخذ عهدا على كل الذين رافقوه في سنوات نضاله الثلاثين بأن يلتزموا مصحاتهم ومساكنهم ويتركوا المجال للأمل الواعد ( ابنه ) بعد أن أكدت له دوائر المخابرات بأنواعها بان الناس  يحتاجون إلى الحب وليس للمواد التموينية ورفع الرواتب والحريات السياسية والفكرية وأنه باختيار ابنه لخلافته يكون قد حقق أمل الشعب مستشهدين بقول المطرب الشعبي : لا باكُلْ ولا بَشْرَبْ بس بطَّلَّع بعيوني ؟!

ولما كانت العيون هي أداة المعرفة الوحيدة بعد تعطيل السمع والفكر فإن شعبنا يحتاج إلى صور تعلق لنجله المُسْتَخْلَف في كل مكان من البلاد ؟ وقطعا لدابر الدعايات الخارجية المغرضة وزعت الصور على السفارات والقنصليات وتحتها كلمة (منحبك) دون تشكيل ليقرأها كل واحد كما يريد !؟

وسوم: العدد 933