إعدام رئيس وزراء تركيا الأسبق عدنان مندريس درس للشعوب العربية!
أعزائي القراء..
أول مرة تطأ قدماي أرض تركيا كان ذلك في يوم ٢٨ تشرين الاول / أكتوبر عام ١٩٦١ أي بعد شهر واحد من انفصال سوريا عن مصر ، وكان سفري بالقطار متوجها إلى إيطاليا بعد أن تسجلت في جامعة بادوفا لدراسة الهندسة.
يومها لم يكن قد مضى على إعدام الرئيس عدنان مندريس سوى 41 يوماً وكان صدى إعدامه مازال متردداً في انحاء العالم .
فمن هو عدنان مندريس ؟
. عدنان مندريس هو رئيس الوزراء التركي ولد عام (1899م وأعدم في 17 ايلول / سبتمبر من عام 1961م) بانقلاب عسكري. لم يكن الرجل من أصحاب الفكر الإسلامي بل كان مؤسساً لحزب الديموقراطية، ولكنه قرر أن يعطي شعب تركيا بعض ما افتقده من تراثه وعقيدته منذ استيلاء كمال اتاتورك وخليفته عصمت اينونو على حكم تركيا، فقرر الرجل إعادة الأذان باللغة العربية، واستعادة المساجد التي تم تحويلها إلى مخازن وعنابر للبضائع ، وأنشأ مساجد جديدة ومدارس للأئمة والخطباء، وتقارب مع العرب ووضع قيوداً للتقارب مع الكيان الصهيوني،
كان الجيش التركي بمعظم جنرالاته أداة طيعة بيد أمريكا وكان الرئيس لا يبت بأمر الا بموافقة المجلس العسكري المرهون إرادته لامريكا ، فاعطيت الأوامر للجيش بالتحرك ضد حكومة عدنان مندريس فقام بانقلابه بقيادة الجنرال جمال جورسيل على الديموقراطية الوليدة بقيادة أول رئيس وزراء ياتي بانتخابات نزيهة ويحوز على أصوات الأكثرية، فماحصل يشابه تماماً انقلاب السيسي على ديموقراطية مصر بأوامر أمريكية ودعم إماراتي .
الوضعان متشابهان، والتشابه يتلخص برفض أمريكا الديموقراطية لتسليم الشعوب مصير أوطانها ، لأنها تعلم أن تقدم هذه البلدان سيكون عن طريق نيل الشعوب لحريتهم ، فاغرقت أمريكا والغرب عموماً الشرق الاوسط بالديكتاتوريات ، وكان نصيب عدنان مندريس الاعتقال ثم المحاكمة ثم الإعدام شنقًا في جزيرة امرالي في بحر مرمرة دون مراعاة لمرضه لحظة إعدامه.
ظلت تفاصيل ما جرى يوم إعدامه طي الكتمان، ولم يعرف بها أحد طوال 59 عاما مضت لكن “مظفر إركان” الضابط المسؤول عن عملية الإعدام، قرر أخيرا كسر حاجز الصمت وكشف ما رأى بعينه عند اعمدة المشانق لمندريس ووزيري خارجيته وماليته” زورلو” و”بولاطكان”
فقررالتحدث مؤخرا لوسائل إعلام تركية .
الخص ماوصفه “إركان” جانبا من محاكمة مندريس قائلا: كان الدفتر والقلم لا يفارقان يده، وعندما كان يريد أن يفصح للمحكمة عن أمر ما ، كان يرفع يده مستأذنا للحديث، وكان المدّعي العام يصرخ في وجهه بكل فظاظة ويأمره بالجلوس وعدم التحدّث بطريقة ذكرتني بمحاكمة الرئيس المرحوم صدام حسين اثناء محاكمته .
يتابع إركان قائلا: “تم اختياري من بين 120 عسكريا لأكون شاهدًا على عملية الإعدام، ومازلت أتذكر تلك اللحظات المؤسفة… لم يمر علي يوم إلا وتذكرت ما جري في ذلك التاريخ، كل لحظة من حياتي تذكرني بأجسادهم المعلقة على حبل المشنقة، أراهم في أحلامي وكوابيسي وكأنهم لا يرغبون بأن يتركوني.
أمرني المدير المسؤول عن المحكومين بالإعدام بالذهاب مباشرة إلى غرفة احتجاز مندريس… كان مندريس لا يزال مرتديًا ملابس نومه… وعندما خرج مندريس من غرفته أخبره أحد الضباط بأنه سيتم نقله لفحصه طبيًا في إسطنبول ليتم بعد ذلك نقله إلى أنقرة ليرى عائلته وأولاده، لكن ذلك كله كان كذباً… يومها لم يسمح الطبيب بإعدامه لمرضه فلم يوقّع اللواء العسكري على أمر إعدامه قائلا : لا يمكنهم إعدام رجل مريض،…ولكن ما حصل كان عكس ذلك. قبل تنفيذ الحكم كان العسكري المسؤول عن تلبية احتياجات مندريس قد احضّر ملابس مندريس كاملة وألبسه تلك البدلة السوداء ذات الخطوط البيضاء وحذاءه الجلدي وربط له ربطة عنقه فظن مندريس أنّه ذاهب إلى إسطنبول. لكن في هذه الأثناء أمر قائد الجزيرة العسكري بنقل مندريس مع طلوع الشمس إلى جزيرة “إمرالي” على السفينة العسكرية.. كنّا ثلاثة ضباط وأربعة عساكر في قمرة السفينة، وكان “الباشوات” في قمرة قبطان وكان عدنان مندريس يظن أنه سيذهب إلى إسطنبول ليتم الكشف الطبي عليه هناك. وعند وصول السفينة إلى الجزيرة كانت الطائرات والمروحيات تحلّق فوقها، وكان الجنود ممسكين بأسلحتهم على أهبة الاستعداد، وعند خروج مندريس انصعق من المشهد فقد وجد نفسه واقفًا أمام الملازم ثاني كمال واليوزباشي إسماعيل سيدّال، وكان لا يزال لم يخط خطوة واحدة خارج السفينة، وإذ به يرى الملازم الثاني طغرل أيضًا. وقبل أن تطأ قدمه الأرض كبّل إسماعيل سيدّال يدي مندريس، وأُرسله بمرافقة العسكر إلى غرفة الضيوف.
كنت واقفا أمام مندريس الذي لم يقل كلمة واحدة. ثم جاء المدّعي العام إلى الغرفة ليقرأ عليه حكم الإعدام قائلا: “انظر يا مندريس إلى أي حال وصلت الآن ،وها هو الآن يُقرأ على مسامعك حكم إعدامك”، لم يكن عليه أن يقول له هذه الكلمات احترامًا لمنصبه كرئيس وزراء سابق على الأقل. ومع ذلك بقي مندريس منتظراً وصول قادة الجزيرة العسكريين، لمدة 45 دقيقة بهدوء وصمت… على الرغم من جميع المحاولات لإذلال مندريس قبل الإعدام من تحضير الملازمين كمال وطغرل لكفنه أمامه مباشرة، وسخرية طارق جورياي القائد العسكري للجزيرة حين قال له: “مع السلامة يامندريس”. وهل يُقال “مع السلامة” لشخص ذاهب للموت؟! وأضاف جورياي ساخرا منه: “سامحني، خرجت منّي بالخطأ!”.
لكن عدنان مندريس حافظ على كرامته إلى آخر نفس من حياته.
كانت آخر كلمات مندريس هي: “كنت رئيسًا للوزراء لمدة عشر سنوات، وسيكتب التاريخ إنجازات ثمان منها، وسنتين منها قضيتها في المجاملات الرسمية. لقد حلمت دائما أن أعلم ابني في مدارس الدولة، ليصبح قلمه يقطر ذهبا، لأجل ألا يكون أولادنا مثلنا ويعيشوا ما عشناه”.
قبل تنفيذ الحكم كان مندريس نصف ميّت بسبب مرضه، وعند صعوده لمنصة الإعدام كان جسده يرتجف من الألم بسبب مرضه الشديد. حاول منفّذ الحكم مساعدته للصعود، لكنّهم أرادوا إذلاله فجرّوه إلى المنصّة جرّا من كتفيه. حتى أن حبة الدراق التي أكلها قبل الإعدام تقيّأها وملأت كفنه عند إعدامه.
كان الجلاد الذي نفذ الحكم في الثلاثينيات من عمره. اقترب من مندريس واضعًا حبل المشنقة حول رقبته ثم قال وهو ينظر إلى حذاء مندريس: “إن هذا الحذاء سيكون لي بعد انتهاء الإعدام!”. واستمرت عملية الإعدام خمسا وأربعين دقيقة،.
يضيف إركان:
حزنت كثيرا للحال الذي آل إليه عدنان مندريس، فلم أستطع وضع لقمة واحدة في فمي بعد إعدامه. ولم أستطع أن أنسى ولو للحظة واحدة ما رأيته بعيني فأصبحت أحداث ذلك اليوم وتلك المحاكمات والإعدامات تلاحقني في أحلامي وكوابيسي.ولم أحتمل ذلك المشهد وبدأت بالبكاء”.
اعزائي القراء
في عام 1990 وبموجب قانون صدر في ذلك العام أعاد البرلمان التركي الاعتبار لعدنان مندريس مع الذين أعدموا معه وهو واحد من ثلاثة سياسيين أتراك يقام له ضريح تكريماً لذكراه.
ذهب الجنرال جمال جورسيل قائد الانقلاب العسكري الى مذبلة التاريخ وبقيت ذكرى عدنان مندريس عطرة حتى في افواه العلمانيين الاتراك .
درس تعلمه من بعده حكام تركيا اليوم واول هذه الدروس ان لا يثقوا بالاجنبي الذي يحاول تدمير بلدهم وان لا يثقوا بديكتاتور يأتي على ظهر دبابة.
هذا هو عدنان مندريس الرجل الذي خرجت يوم كنت طالبًا في ثانوية المأمون بمظاهرة شارك فيها طلاب حلب اعتراضا على مرور طائرته فوق الاجواء السورية متجهة الى السعودية لان دولته كانت عضواً في حلف بغداد ولكن لم نكن ندرك يومها حقيقة الرجل ومعدنه الاصيل. رحمة الله عليه
.فمتى ياتي دور العرب لتستلم الشعوب مصيرها
اليوم سوريا على طريق التحرر والثورة مستمرة
حتى النصر.
الاوسمة التي حصل عليها عدنان مندريس :
- وسام الصليب الأكبر لرهبانية إيزابيلا الكاثوليكية
- وسام الصليب الأعظم المُطوَّق من رتبة استحقاق للجمهورية الإيطالية
- وسام الصليب الأعظم من الفئة الأولى للخدمات الجليلة لجمهورية ألمانيا الاتحادية
وسوم: العدد 1010