ليكن الرجاء : وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة

أقلل من كتاباتي السياسة، لا لأنني أجبلتُ، ولا أكديتُ ولا لأنني ضعفتُ، ولا لأنني مشغول برمضان، والشغل به حق، ولكنني أعتبر أن الشغل على الأمور العامة من صميم الشغل به عليه؛ أقلل من طروحاتي السياسة لأنني أعتقد أن الموقف السياسي لمن زعم انه يمثل قوى الثورة والمعارضة، في كل تجلياته الهيأوية؛ قد بلغ القرارة، وأنهم أصبحوا بما قدمت أيديهم، وأصبحنا بذلك معهم، أضيعَ من الأيتام.. وبقية المثل محفوظ ولا أريد أن أعكر به صومي.

ويجيبني بعض الأحباب بكلام فيه حمية وأريحية وإعلان عزم وتصميم ومضاء، فأحييه حبا وإعجابا وإشفاقا وأهمس في أذنه، والله يا أخي لو نفع كلام القرايا في السرايا، ما توافق جدي وجدك على القول: كلام القرايا لا يصل الى السرايا. وأحاديث العتمة في أوضة المختار، أو في ديوان الحي، أو على منابر القهر، على اختلاف أنواع خشبها؛ كل أولئك لا يغير من حقيقة أمرنا الذي نواجهه شيئا..

أحكي لكم هذه الطرفة السياسية في شهرنا الفضيل من مرحلة آخر الستينات في سورية، أيام دولة صلاح جديد والدكاترة الثلاثة، والسعار الماركسي الذي عصف ببلدنا حتى كنا نحتفل -على مستوى الحاكمين طبعا- بذكرى الثورة البلشفية، أكثر من احتفالنا بذكرى غزوة بدر، وبميلاد لينين أكثر من احتفالنا بمولد سيدنا محمد رسول الله صلى الله وسلم عليه… او ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام؛ وكان عندنا في حلب "مفتٍ" وخطيب يخطب في الأموي، وصليت وراءه جمعة، والناس قد بلغت قلوبها حناجرها من تلك الريح الخبيث؛ فدعا على المنبر ذات جمعة دعوة قال فيها: اللهم أهلك أمريكا وبريطانيا وروسية القيصرية..!!

وخرج الناس فرحين أن خطيبهم دعا على الروس!!

لا أريد اليوم الدعاء على روسية القيصرية، أريد أن أدعو إلى وعي واقعنا، بواقعية، وأن ندرك ماذا بقي لنا من قرارنا الثوري أو الوطني، بطريقة رياضية، وليس كما قلت وتحدثت، وأنا لا يعجبني ان أكون الناعي الذي ينعى للناس أمرهم.

أعجبتني عبارة لأحدهم قرأتها منذ خمسة أيام: أن السوريين المطوقين منهم أو المتوجين او المقلدين، لن يتاح لهم ان يكونوا شهودا على عقد تسليم رقابهم، لا ولا أن يكونوا حتى متفرجين..

وإنما سيساقون الى مصيرهم المقرر سوقا كما…

رددنا طويلا من قبل قول الأول :

"مغيبون ويقضي الناس أمرَهمُ.."

أريد أن أعيد قراءة هذا الشطر من البيت، بطريقة أكثر واقعية:

الشاعر الذي قال ويقضي الناس أمرهم، أراد ان يعود الضمير في أمرهم على الناس. يعني، أنهم مغيبون عن الأمر العام، حين يشتغل الناس عليه. بينما في حالنا فإن الضمير في أمرهم يعود على المغيبين، أنفسهم، أي أن هؤلاء الذين تولوا أمرنا خلال اثنتي عشرة سنة، ففرطوا فيه وضيعوه، جعلونا أشبه بالجارية الصغيرة؛ يجتمع وليها المجبِر مع غيره فيقضي أمرها نكاحا او طلاقا، وربما هي مشغولة، بتمشيط شعر دميتها، أو أنها تحاول إطعامها، أو لعلها تغني له أغنية قبل النوم.

نحن المغيبون ونحن الذين سيقضي الناسُ أمرّنا؛ ويغضبك مني قول هذا ، ويعجبني انك ترد عليّ بالصوت العالي، وأتمنى أن يغير هذا من حقيقة أمري وأمرك شيئا!!

يتحدثون عن لقاء قمة قريب في السعودية، يقولون في أيار المقبل، لا اريد ان أكون النعي..

أريد ان أقول ربما من المفيد أن نرفع صوت رجاء مخنوق بأنين المنتهكات والمعذبين والمشردين، ونختار خمسة ممن نقدر فيه بقية من الخير من الذين سيوقعون على قرار ذبحنا، فنوصيهم بوصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته..

وشكرا لكل القادة النجبا الذين قادوا هذه الثورة المباركة على مدى هذه الأعوام، حتى أوردوها هذه الموراد…

نصيحتي ان نختار خمس دول إقليمية منها من نتوافق عليهم، ونوصيهم ولو عن بعد، بقرار ذبحنا خيرا..

وألف تحية لكل من سيرد عليّ

وقديما قالوا: حالَ النشيجُ دون القريض…

ما زالت السقاية تخر منذ اثني عشر عاما، ويقسم أنها حافل كضرع ناقة ولود..

غفرانك يا رب..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1025