كيف تحافظ على شبابِك وتؤثّر في الاحتلال؟! (خاب المطبعون وخسروا وخسئوا)

كيف تحافظ على شبابٍ دائم، نصيحة يقدِّمها رجلٌ في عقده الرابع، ولكنّه يبدو في الستينيات من عمره! كيف تحافظين على بطن مستوية ومن غير ترهُّلات!

نصائح تقدّمها سيّدة مترهّلة بعيدة عن التناسق الجسدي. كيف تجذب إليك الآخرين! يقدّمها رجل ليس له أصدقاء أو صديقات في حياته الشخصية، ولكنّه يجد عشرات آلاف المتابعين يستمعون إلى نصائحه الافتراضية. كيف تجعلينه يتعلّق بك ولا يستطيع التنفّس دونك، تقدِّمُها سيِّدةٌ، كلُّ من يعرفها يحمّلها مسؤولية الانفصال عن زوجها بعنادها. يشعرك بعضُهم بأنَّ حلول المشاكل الصِّحية والجمالية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية كلَّها بمتناول يدك، وما عليك سوى تطبيق إرشاداتهم وتوجيهاتهم ومواعظهم.

هؤلاء الذين يُطلق عليهم صانعو المحتوى (المؤثّرون)، أي الذين يتّخذون من المنصات الاجتماعية مصدر معيشة، أو يضعون نُصبَ أعينهم لتكون مصدر معيشة سهلاً، وينجح بعضهم في جذب الانتباه لفترة معيّنة، ولكنّ الاهتمام به يتراجع بعد فترة وجيزة، لأنّه يحتاج دائماً إلى ما هو جديد، ولأنَّ ما يقدّمه أكثرهم ليس حقيقياً، ولهذا يتلاشى كفقاعات لم تكن. لقد وصل الشَّطط في بعضهم بأن يصف السَّرطان بأنَّه عارض ليس أخطر من نزلةِ بردٍ خفيفة، أو فِطر كالّذي ينمو تحت الأظافر، وأنّ شركات الأدوية لا تريدك أن تستمع إلى نصيحة هذا اليوتيوبر الذي يملك الطريقة البسيطة للوقاية من السَّرطان، بل الشفاء منه خلال خمسة عشر يوماً، فما عليك سوى الاستماع إلى نصائحه قبل أن يحجبوا شريطه عن المشاهدين، والتفضّل بنقله إلى الآخرين كي يستفيد منه الملايين.

يذكّر هؤلاء بالقادة العرب المطبِّعين مع نظام الاحتلال الفاشي، الذين يزعمون بأنّهم يسعون إلى التأثير من خلال التطبيع في توجّهات وسياسة أصحاب القرار في دولة الاحتلال، إلا أنَّ الاحتلال يرفض منحهم حتى متعة الوهم ويهينهم باستعلاء، ويشترط عليهم أولا وقبل أيّ شيء أن يُظهروا حُسن نوايا، والبدء بمسيرة التطبيع المجانية، هكذا مثلا يطلب ممثلو الاحتلال بدء رحلات طيران مباشرة بين الرياض وتل أبيب، حتى قبل التّطبيع الرَّسمي. يحاول بعضهم الظهور بمظهر الوسيط الموضوعي بين الاحتلال وضحايا الاحتلال، مثل نظام اللواء عبد الفتاح السيسي، كي يظهر أمام شعبه بأنَّه ما زال يتابع القضايا الإقليمية والدولية، وأنه ليس منشغلاً فقط في تمديد حالات الطوارئ والاعتقالات الإدارية ومحاربة المعارضين، وبأنه يفعل أمراً ما، بصفته زعيماً عربياً ومسلماً في مواجهة الإعلان الصريح للاحتلال عن نيّته في ضمِّ الضفة الغربية من خلال الاستيطان المتسارع والمكثّف، لتحقيق الهدف الصريح بعدم السماح بقيام كيان فلسطيني مستقل ولو نسبياً، والنِيّة الواضحة المعلنة في احتلال المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أرضه، وهذا يهدِّد بتداعيات لا أحد يمكن له أن يتنبأ أين ممكن أن تصل. التأثير من خلال التّطبيع، كذبة أسخف من خمس نصائح للتخلّص من السَّرطان، يقدمّها صانع محتوى يبحث عن كذبة جديدة قبل انتهاء صلاحية كذبته الحالية. الحقيقة أن المطبّعين العرب يعرفون جيّداً أن قوّة تأثيرهم مثل ريحٍ على بلاط، ولكنّهم يكذبون بقصد بثّ حالة ضبابية من حولِهم للإيهام بأنهم ما زالوا في العير والنفير بما يتعلق بقضية فلسطين، إلا أن الوقائع التي تجري أسبوعياً في تل أبيب والقدس وغيرها، تفضح كذبة تأثير المطبّعين العرب، وتعرّيها تماماً.

هذه الحكومة الفاشية لم يثنها عن قراراتها بالنسبة لما تسمِّيه «الإصلاح القضائي» تظاهرات مئات آلاف المواطنين الإسرائيليين أسبوعياً، وإضراب مئات الطيارين الحربيين، وامتناع آلاف الضباط والجنود من الوصول إلى مراكز ومعسكرات التدريب، ولا إغلاق مطار بن غوريون الدّولي، ولا إغلاق طرق في المدن الرئيسية في طول البلاد وعرضها، ولم تعبأ بتحذيرات من خطر تراجع الاقتصاد الإسرائيلي وتدريجه من قبل هيئات اقتصادية دولية، وتراجع الاستثمار الأجنبي فيه وهروبه، ولا تهديد النقابات بالإضرابات في مختلف القطاعات المهنيّة، ولا نصائح الدول الصديقة وعلى رأسها أمريكا! ثم يأتي المطبّعون ليتحدّثوا عن التأثير من خلال خنوعٍ مجانيٍ وغير مشروط.

يعرف المطبّعون علناً وخِفْية والمقبلون على التّطبيع، أن الاحتلال ماض في مخططاته على أرض فلسطين، وأنّ مواقفهم تدعمه وتقوّيه إقليمياً ودولياً، وهذا يأتي على حساب تآكل حقوق الفلسطينيين ومواصلة قمعهم واضطهادهم وسلب وطنهم، ولكنهم يحاولون تجميل مواقفهم المتواطئة بكذبة التأثير التي لا يصدُّقها أحدٌ حتى هم أنفسُهم.

وسوم: العدد 1044