ثلاث سنوات على انفجار بيروت المستمر!

مرّت 3 سنوات على انفجار مرفأ بيروت. يمكن وصف الحدث بالأرقام: انفجار في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت تلاه بعد دقائق من الساعة السادسة مساء من يوم 4 آب/تموز انفجار هائل. دمّر الانفجار المرفأ والأحياء القريبة منه حاصدا 220 قتيلا و6500 جريح. قالت السلطات إن سبب الانفجار هو 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم غامضة كانت مخزنة في العنبر المذكور.

لكن الأرقام تبدو عاجزة عن التعبير عن حقيقة التداعيات المتلاحقة للحدث الرهيب.

خرج المتظاهرون اللبنانيون بالآلاف محمّلين المسؤولين السياسيين مسؤولية ما حصل فواجهتهم السلطات الأمنية بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، لكن عددا من الوزراء خجلوا واستقالوا فاضطر رئيس الحكومة حينها، حسان دياب، لإعلان استقالة حكومته بعد 6 أيام من الواقعة.

ما حصل بعد ذلك أعاد وكرّر مسؤولية «النظام» السياسي اللبناني عن هذا الزلزال الإجرامي الكبير، وهو النظام الذي حاول، المرة بعد المرة، منع التحقيق، وشلّ يد القضاة المكلفين.

كان الأول هو المحقق العدلي فادي صوان، الذي ادعى على رئيس الحكومة وثلاثة وزراء سابقين بتهمة «الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة» وجرح مئات الأشخاص، لكن المنظومة قامت بتنحيته في 18 شباط/فبراير.

هذا «الدرس» لم يمنع المحقق العدلي الجديد، طارق بيطار، من إعلان عزمه، هو أيضا، على استجواب رئيس الحكومة المستقيل، بل إنه قام بالادعاء على مسؤولين أمنيين عسكريين إضافة إلى الوزراء الذين اتهمهم سلفه.

هنا لجأ «النظام» إلى إظهار رفضه السير في مسار العدالة القانونية عبر استخدام البرلمان، الذي منع رفع الحصانة عن النواب الذين شغلوا مناصب وزارية؛ واستخدام الوزارات، حيث رفضت وزارة الداخلية منح إذن باستجواب القادة الأمنيين؛ واستخدام أجهزة الأمن، التي رفضت تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها المحقق، ثم استخدام القضاء نفسه عبر رفع 4 دعاوى من المدعى عليهم لكف يد المحقق العدلي.

كشفت انتخابات أيار/مايو 2022 عمق الانقسام اللبناني وجذور أزمة المنظومة السياسية ـ الطائفية كلها، فرغم خسارة «حزب الله» وحلفائه أكثريتهم في البرلمان، وهي من أهم الأطراف التي لعبت دورا في عرقلة التحقيق، فإن المجلس ظل عاجزا عن اتخاذ قرارات فاعلة، بما فيها انتخاب رئيس بعد انتهاء ولاية ميشال عون.

ضاقت المنظومة اللبنانية بقاضي التحقيق فأعلن النائب العام التمييزي، الذي تجرّأ قاضي التحقيق على الادعاء عليه، رفض قرارات بيطار كلها بل والادعاء بتهمة «التمرد على القضاء واغتصاب السلطة» وأصدر منع سفر بحقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين في القضية، وبذلك صار أهالي الضحايا، الباحثين عن العدالة، وحدهم في مهبّ عسف النظام وقمعه ورفضه الوصول إلى الحقيقة التي صار الجميع يعرفها:

الواقعة التي دمّرت نصف العاصمة اللبنانية كانت انفجارا هائلا اعتبر الثالث في قوته في العالم، كما كانت العلامة الناريّة على فساد هائل وعطالة فظيعة وخيانة كبرى للشعب اللبناني مارسته نخبة تتخفّى بثياب طوائفها لكنّها تضع نفسها فوق الشعب اللبناني، وتمارس، خلال تكالبها على السلطة والمناصب والمال والتبعيّة للخارج، خيانة كبرى للبنانيين.

أضاف الانفجار ضوءا ساطعا على الإجرام السياسي الذي أدى لانهيار اقتصادي، سرقت فيه مدخرات الناس، وهبط سعر العملة بنسبة 90٪، ودفع البلاد إلى هاوية سوداء ليس لها قرار.

انفجار بيروت، بهذا المعنى، ما زال مستمرا، ويحصد مزيدا من الضحايا.

وسوم: العدد 1044