هل ما يحدث بين إيران وأمريكا جعجعة أم قعقعة؟

حرارة التصعيد العسكري للأطراف الأمريكية والإيرانية قد تفوق حرارة صيف البادية السورية، فهل ينفجر الشرق السوري في وقتٍ يُنكر فيه الجميع استعداده للحرب، بينما تؤكّده تحرّكاته وتعزيزاته وبقوة، لنجد أن ما يحدث ليس جعجعة بل هي قعقعة سلاح؟

فقد أعلنت القيادة الأمريكية في بيان لها: إن "أكثر من 3000 بحار وعنصر من مشاة البحرية الأمريكية من مجموعة باتان البرمائية (ARG) والوحدة الاستكشافية البحرية السادسة والعشرون، وصلوا إلى الشرق الأوسط في 6 أغسطس/آب، كجزء من خطة أعلنت عنها وزارة الدفاع مسبقا".

وأضاف البيان: "دخلت السفينة الهجومية البرمائية USS Bataan (LHD 50) وسفينة الإنزال USS Carter Hall (LSD 50) البحر الأحمر بعد عبورها البحر الأبيض المتوسط ​​عبر قناة السويس"، مشيراً إلى أن "هذه السفن تجلب معها إلى المنطقة أصولا جوية وبحرية إضافية، بالإضافة إلى المزيد من مشاة البحرية والبحارة الأمريكيين، مما يوفر قدرا أكبر من المرونة والقدرات البحرية للأسطول الخامس الأمريكي".

وأوضح البيان أنه "يمكن للسفينة الهجومية البرمائية أن تحمل أكثر من عشرين طائرة ذات أجنحة دوارة وثابتة، بما في ذلك طائرات إم في -22 أوسبري وطائرات هارير الهجومية من طراز AV-8B بالإضافة إلى العديد من سفن الإنزال البرمائية".

وذكر البيان أن "منطقة عمليات الأسطول الأمريكي الخامس تشمل ما يقرب من 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية وتشمل الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي وثلاث نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب".

وكانت التحرّكات الأمريكية الأخيرة عبر التحالف الدولي في شرقي الفرات وفي قاعدة التنف، سواء عبر مناورات مشتركة جرت مع قوات سورية الديمقراطية (قسد الإرهابية) أو تدريبات بالأسلحة الحية جرت مع جيش سورية الحرّة في محيط منطقة الـ55 والتنف، أو عبر تعزيزات أمريكية وأسلحة ثقيلة قدّمتها واشنطن لقوات قسد، ومنها منظومة صواريخ "هيمارس" أو عربات "برادلي" القتالية، أو من خلال نقل وزارة الدفاع الأمريكية وزجّها سربي طائرات "A- 10" و"رابتور F - 22" إلى القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، أو عبر نقل الغواصة النووية الأمريكية "يو إس إس فرجينيا" كإحدى أحدث أربع غواصات في العالم إلى منطقة الخليج العربي، وعلى متنها 154 صاروخ توماهوك، كلها تعزيزات توحي بأجواء حرب أمريكية مقبلة تكلف الخزينة الأمريكية الملايين من الدولارات، خصوصا إذا ما ترافقت تلك التعزيزات مع حركة عسكرية أمريكية دؤوبة للتوفيق بين حلفائها في قاعدة التنف ومناطق شرق الفرات، وكانت باكورة تلك الحركة إيجاد توافق عسكري بين جيش سورية الحرّة وقوات الصناديد التابعة لعشيرة شمّر، ونفي جيش سورية الحرّة أي استعدادات حرب بعد مناوراته أخيرا قد يأتي في إطار إجراءات التمويه العسكري، أما نفي "قسد الإرهابية" تلك الحرب فيأتي من ضمن أدبيات القتال لقواتها التي ترفض دائماً القتال ضد مليشيات إيران أو نظام الأسد، لذلك اتجهت الولايات المتحدة، أخيرا، إلى نسج علاقات مع العشائر العربية، وتشكيل جيش جديد من شبابها أو ما بات يٌعرف بـ"الحزام العشائري".

لقد اتجهت الولايات المتحدة، أخيرا، إلى نسج علاقات مع العشائر العربية، وتشكيل جيش جديد من شبابها أو ما بات يٌعرف بـ"الحزام العشائري"، ودفعت التعزيزات الأمريكية إيران، ووفق مصادر ميدانية في الشرق السوري، لتعزيز قواتها في كامل مناطق دير الزور والميادين والبوكمال، عبر ميليشيات جديدة استقدمتها من العراق، وبدعم من الجانب الروسي الذي دأب خلال الأشهر الأخيرة على إيجاد ساحة اشتباك واستنزاف للولايات المتحدة في شرق سورية عبر أدوات إيرانية نوعا من الانتقام لما يحصل على جبهات أوكرانيا، وبرز هذا الأمر عبر تطوير مشترك "روسي - إيراني" لعبوات ناسفة مضادّة للدروع، تم التدريب عليها وتسليمها لميليشيات إيران في مناطق الميادين والبوكمال، كما أوقف الجانب الروسي التنسيق الجوي الأمريكي الروسي في السماء السورية، وأعقب ذلك اختراق الطيران الروسي ومرّات عديدة أجواء منطقة الـ55 المحمية أمريكياً، ولتتوّج التحرّشات الروسية خلال الأسبوعين الأخيرين بشبه اصطدام جوي ولثلاث مرّات بين الطائرات الحربية الروسية والمسيّرات الأمريكية في سماء سورية.

كان مسار نهر الفرات في الأراضي السورية يمثّل الحد الفاصل بين مناطق النفوذ لكل من أمريكا وروسيا باستثناء جيوب صغيرة، لكن هناك رغبة روسية بتكرار ما حصل في عام 2018 في محيط دير الزور عبر مغامرة قامت بها شركة مرتزقة فاغنر التي دفعت ثمنها أرواح مئات من عناصرها، بعد إبادة الطائرات الأمريكية وحوّامات الأباتشي قوات فاغنر الروسية التي كانت تتحضّر لمعركة تهدف إلى السيطرة على آبار نفط في شرقي الفرات تخضع للنفوذ الأمريكي.

وقالت مصادر إن التحرّكات الأمريكية ليست تحرّكات حرب، بل تحرّكات غايتها إيجاد ضغوط عسكرية على إيران يٌقبض ثمنها سياسياً عبر اتفاق مؤقت "أمريكي - إيراني" يجري العمل عليه عبر وساطات، منها عُمانية، ومنها أوروبية، ينتهي بتعهّد إيران بوقف تخصيب اليورانيوم على مستوى 60%، مع إفراج إيران عن رهائن أمريكيين وغربيين في سجونها يحتاجهم الرئيس بايدن قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتقبض إيران ثمن هذا الاتفاق عشرات مليارات الدولارات من أموالها المحتجزة، خصوصا في كوريا الجنوبية، إضافة إلى تخفيف بعض العقوبات الأمريكية على الخزانة الإيرانية، وعلى الحرس الثوري الإيراني.

قد تكون لفرضية الضغط الأمريكي مبرراتها، لكن الاستعدادات العسكرية الأمريكية، وتعزيزات الأسلحة المنقولة إلى مناطق شرقي الفرات وقاعدة التنف وأسراب الطائرات التي تم زجّها في القواعد الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، مع طبيعة المناورات والتدريبات بالأسلحة الحية، وعبر منظوماتٍ صاروخية "هيمارس" التي جرت في شرق سورية، هي أكبر من أهداف أمريكا بمحاربة الإرهاب "الداعشي"، وتٌقرأ بمنظور الخبرات العسكرية على أنها مؤشرات حرب، وليس بضغط سياسي فقط، خصوصا مع تسريبات عن خطط أمريكية صهيونية لتقليص الوجود الإيراني في سورية وإبعادها عن حدود الجولان السوري والحدود الأردنية، لضبط تهريب المخدرات القادمة من سورية بتخطيط وحماية النظام السوري المجرم، وقد تترافق تلك الخطط مع عمل عسكري آخر وبأدوات عشائرية سورية عبر ما يسمّى "الحزام العشائري" لإغلاق الممر الإيراني، الممتد ما بين التنف والبوكمال على الحدود العراقية – السورية، وبالتالي قطع الهلال الشيعي وتجفيف أحلامها التوسعية، والذي عملت عليه إيران لسنين طويلة، تكلفت خزينتها المليارات من الدولارات، ومقتل العديد من قياداتها العسكرية، والذي كان سيسهل وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط عبر بغداد ودمشق وبيروت.

المصدر

*العربي الجديد-16/7/2023

*آر تي-7/8/2023

وسوم: العدد 1045