التفكير فريضة و ضرورة إنسانية

إن أجواء  الكراهية التي يعيشها العالم  اليوم بين مكوناته البشرية ،  سواء بين     مكونات المجتمع الإنساني  فيما بينهم ،  او الشعوب  و الأنظمة  ، و مرد ذلك الانفصام    لغياب  قبول الآخر  ؛  كون  الجميع سلم أنه  فوق النقد ،  وفوق التمحيص أو المراجعة  ،  مع ان الطبيعة البشرية   ترفض مبدأ الإكراه  ، فالكمال المطلق مستحيل في الطبع البشري   ،  والكرامة الإنسانية  ترفض  أن يكون   الكائن  البشري الغير معصوم   فوق النقد  ؛  لأن مدارك العقول متباينة  ،  فإن رؤيتك    الحقائق من خلال الزاوية المحددة  ، وغيرنا  يراها من  الزاوية الأخرى ، لهذا تكون النتائج التفكير متفاوتة مستوى القرب أو البعد عن الرؤى الصحيحة  .

  لهذا كله ينشأ عن  تفكير الأحادي  ديكتاتورية  و فاشية  غير مقبولة  ، و عليه   فكم نحن  بحاجة إلى الإيجابية  لقبول الآخر،  و تلمّس العدر، فتقبل   مناقشة أفكاري ، و أن أقبل مناقشة  أفكارك ، و الأمر  لا يجب أن تفرض أفكارك على الغير ، فتجبر الآخر أن يكون على نسق تفكيرك ، تحاول حمل الآخر بالجبر ، حتى  يسلم لك زمام عقله ، فيلغي بذلك خصوصيته.

 و فكونك  إنسان حر عليك أن تفكر و تقدر و توازن  و تقارب    ، و حق الآخر أن يتساءل و يحاجج ، و يرد بالدليل ، و يقارع بالحجة و البرهان ،  فالرضا بالإماعية و  التسليم الأعمى نقيصة تحط من قدر الإنسان المكرم  ، الذي يرفض الإكراه و التبعية العمياء كما في الأمثال الشعبية عندنا  ( اغمض عينيك و اتبعني ).

إن بسط السيادة على عقول الناس و تفكيرهم أمر مناف لكرامة الإنسان العاقل ، المالك لزام تفكيره، فالإنسان مسؤول عن اختياره،  مسؤول عن قناعاته ،  اعتمادا على القاعدة الأصولية التي تقول : ( أن العقل مناطق التكليف ) لدى وجب رفع الإكراه على المكلف  حتى يكون مسؤولا عن نتائج أفعاله .

 إذا سلمنا  أن  التفكير في الإسلام فريضة  أو حتى  في المواثيق البشرية التي أقرت مبدأ  حرية الإنسان  . 

  

على الإنسان المكرم ألا يظل  كالأسير المقيد بأغلاله  ، حين نغلق على عقولنا  الأبواب التفكير و   التفكر و التدبر و التأمل  ،  فبحجب عقولنا  ضباب كثيف يمنعه التبصر   ، حين  فنخمل و نتبلد  عقولنا     .

  و اختم بهذه اللطيفة للأستاذ الأديب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه التفكير فريضة  

( شر الناس في الإسلام من يحرم على خلق الله أن يفكروا ويتدبروا بعد أن أمرهم الله بالتفكير والتدبر وأنبأهم بعاقبة الذين لا يفكرون ولا يتدبرون ) .

وسوم: العدد 1045