أوريان الفرنسية21: غزة ـ فلسطين.. “طوفان الأقصى” أو حق المقاومة؟

لندن-

نشر موقع “أوريان 21” الفرنسي، افتتاحية بتوقيع مديره الكاتب الصحافي الفرنسي ألان غريش، بعنوان: “غزة- فلسطين.. “طوفان الأقصى” أو حق المقاومة”، عاد فيه بداية للتاريخ.

وكتب غريش: “لقد حصل ذلك أيضاً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، منذ خمسين سنة تحديداً، عام 1973. كانت الجيوش المصرية والسورية قد عبرت خطوط وقف إطلاق النار لتُلحق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، فارتجّت تل أبيب لهول ما وقع. فرغم حصول أجهزة استخباراتها على معلومات تفيد بهجوم وشيك، التحفت القيادة السياسية بغطرستها: كيف للعرب الذين هُزموا في عام 1967 أن يكونوا قادرين على القتال؟ فبالنسبة للإسرائيليين، كان من الممكن أن يستمر احتلال الأراضي العربية دون ردّة فعل، وإلى أجل غير مسمى”.

لقد وحّدت هذه العمليّة كل الفلسطينيين، وأثارت دعماً واسع النطاق في العالم العربي، رُغم سعي قادته إلى التطبيع مع إسرائيل والتضحية بفلسطين

“هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟”

وتساءل الكاتب: “هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟”، مشيرا إلى أن العديد من المعلّقين في أوروبا والولايات المتحدة أدانوا في ذلك الوقت “العدوان” المصري السوري غير المبرّر وغير الأخلاقي و“الذي لا سبب له”. وكم يحبّ زعماء إسرائيل هذه العبارة التي تسمح لهم بالتعتيم على جذور الصراع، أي الاحتلال.

ولفت أنه قد بدا من ميشيل جوبير، وزير الخارجية الفرنسي في ذلك الوقت، وعي مشرّف لبلاده بقوله: “هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟”، وأشار الكاتب: “صحيح أن صوت باريس في ذلك الوقت كان يحلّق عاليا فوق الهرج الغربي، وكان يؤكّد أن الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين وإجلاء الأراضي العربية المحتلة عام 1967 هما مفتاحا السلام”.

وأكد الكاتب أنه إذا كانت الرغبة في إنهاء احتلال سيناء والجولان شرعية عام 1973، فكيف تكون رغبة الفلسطينيين في تحرير أنفسهم من الاحتلال الإسرائيلي غير شرعية اليوم، بعد مرور خمسين عاماً؟ كما في حرب أكتوبر، فوجئت تل أبيب بالمبادرة الفلسطينية ومُنيت بهزيمة عسكرية ذات حجم استثنائي. وكما في حرب أكتوبر أيضاً، ساهمت غطرسة المحتل، واحتقاره للفلسطينيين، وقناعة هذه الحكومة اليهودية المتعصبة بأن “الله إلى جانبها”، في عماها.

وشدد غريش على أن الهجوم الذي شنته القيادة العسكرية المشتركة لأغلب التنظيمات الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لم يكن مفاجئا فقط بسبب التوقيت الذي تم اختياره، بل أيضا بحجمه وتنظيمه، وبقدراته العسكرية المنتشرة، والتي مكنت، من بين أمور أخرى، من اجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية.

وأضاف: “لقد وحّدت هذه العمليّة كل الفلسطينيين، وأثارت دعماً واسع النطاق في العالم العربي، رُغم سعي قادته إلى التطبيع مع إسرائيل والتضحية بفلسطين. وأنه حتى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية التي يعود وجودها بالأساس إلى تعاونها الأمني مع الجيش الإسرائيلي، شعر بنفسه مضطرّاً إلى الإعلان عن حق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال”، وعن “ضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا”.

جميعهم إرهابيون!

يشير الكاتب إلى أنه في كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون، يستحضر الغرب -ذلك الغرب الذي لا يتوانى عن تمجيد مقاومة الأوكرانيين- الإرهاب. وهكذا أدان الرئيس إيمانويل ماكرون “بشدة الهجمات الإرهابية التي تضرب إسرائيل حاليا”، دون أن ينبس ببنت شفة عن استمرار الاحتلال الذي هو مصدر العنف.

في كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون، يستحضر الغرب تهمة الإرهاب. ولا يزال صمود الفلسطينيين عنيداً لا يُقهر، يُذهل المحتلين، ويبدو أنه يصدم العديد من الغربيين

ويقول الكاتب: “لا يزال صمود الفلسطينيين عنيداً لا يُقهر، يُذهل المحتلين، ويبدو أنه يصدم العديد من الغربيين. كما حدث خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 أو الانتفاضة الثانية عام 2000، وكما حدث أثناء عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية أو التعبئة لصالح القدس، وكما حدث أثناء المواجهات في محيط غزة المحاصرة منذ عام 2007 والتي عانت من ستة حروب خلال 17 عاما (وقد أسفرت هذه الحروب عن 400 قتيل في عام 2006، و1300 في عام 2008-2009، و160 في عام 2012، و2100 في عام 2014، وما يقارب 300 في عام 2021، والعشرات خلال ربيع عام 2023)، يدين المسؤولون الإسرائيليون “همجية” خصومهم، وقلة اكتراثهم بالحياة البشرية، أو بكلمة أخرى “إرهابهم”.

ويضيف الكاتب: “تسمح هذه التهمة بالالتحاف بلباس القانون والضمير البشري، وتناسي نظام الفصل العنصري الوحشي والذي يضطهد الفلسطينيين بشكل يومي. فلنذكّر، مرّة أخرى، بأن عدداً لا بأس به من المنظمات الإرهابية تحوّل عبر التاريخ من موقع المنبوذ إلى موقع المحاور الشرعي. إذ تم وصف الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والمؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) وغيرهم بالـ“إرهابيين”، بهدف إسقاط البعد السياسي لقتالهم، وتقديمه على أنه صراع بين الخير والشر. لكن في الأخير، وجب التفاوض معهم. وقد تكهّن الجنرال ديغول بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران/ يونيو 1967 قائلاً: “الآن تُنظّم إسرائيل على الأراضي التي احتلتها احتلالاً لا يمكن أن يوجد دون ظلم وقمع وترحيل. وعلى تلك الأراضي تظهر مقاومة ضدها تصفها بالإرهاب”.

ليس هجوماً “غير مبرّر”

ويلفت غريش إلى أنه كما يشير الصحافي الإسرائيلي حجي مطر، فإنه “خلافاً لما يقوله العديد من الإسرائيليين، فإن هذا ليس هجوماً أحادي الجانب أو “غير مبرّر”. إن الخوف الذي يشعر به الإسرائيليون الآن -وأنا منهم- ليس سوى جزء صغير مما يشعر به الفلسطينيون كل يوم في ظل عقود من الحكم العسكري بالضفة الغربية، فضلاً عن الحصار والاعتداءات المتكررة ضد غزة. الردود التي نسمعها من العديد من الإسرائيليين الذين يدعون إلى “تدمير غزة”، والذين يقولون “إنهم متوحشون، وليسوا أشخاصا يمكن التفاوض معهم”، “إنهم يقتلون عائلات بأكملها”، “ليس هناك مجال للحديث مع هؤلاء الناس”، يقول هذا بالضبط ما سمعته مرات لا تحصى من الفلسطينيين عن الإسرائيليين”.

سيكون لهذه العملية تداعيات على الوضع السياسي والجيوسياسي الإقليمي بطريقة يصعب تقييمها في الوقت الحالي

ويؤكد غريش أنه “يمكننا أن نأسف بحق، كما في أي حرب، لمقتل المدنيين، ولكن هل هناك “مدنيون طيّبون” يستحقون أن نذرف الدموع من أجلهم، وآخرون “سيئون” مثل الفلسطينيين الذين يُقتلون يوميا في الضفة الغربية دون أن يثير موتهم سوى القليل من الاستنكار؟ وقد بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 700 قتيلا (وأكثر من 400 من الجانب الفلسطيني)، وهو أكثر من عدد الإسرائيليين الذين سقطوا خلال حرب 1967 ضد مصر والأردن وسوريا.

ويختم الكاتب بالقول إنه “سيكون لهذه العملية تداعيات على الوضع السياسي والجيوسياسي الإقليمي بطريقة يصعب تقييمها في الوقت الحالي. لكن ما تؤكده الأحداث الجارية، مرة أخرى، هو أن الاحتلال يطلق العنان دائما لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها. وكما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/آب 1789، فإن “مقاومة القمع” هي حق أساسي، وللفلسطينيين حق المطالبة به”.

وسوم: العدد 1053