فضيحة التضليل الإعلام الغربي الكائل بمكيالين تأييدا للجلاد وإدانة للضحية

إن الغرب الذي يتحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية عن مأساة الشعب الفلسطيني حين سلم وطنه لليهود على طبق من ذهب بعدما احتله ، ومهد باحتلاله له لتسليمه ، لم يقف يوما مع الشعب المسلوبة أرضه، وهو يناضل من أجل استرجاع حق مشروع كما تقضي بذلك الأعراف الدولية التي تلزم كل دول العالم التي تحترم مصداقيتها بالوقوف مع كل شعب يسعى إلى استرداد  حريته وأرضه المسلوبة . ولقد كان الغرب بكل أطيافه  شمال المتوسط ، وشرق الأطلسي على الدوام مؤيدا للمحتل الصهيوني بلا حدود ولا شروط ، بينما كان على الدوام مُدينا ومُجرما لجهاد الشعب الفلسطيني من أجل استرجاع ما ضاع منه بعد احتلال بريطاني بغيض ،انتهى باحتلال صهيوني عنصري لم يعرف التاريخ أعنف ولا اشرس  منه، حيث دام تقتيله ، و أسره ، وتهجيره ، لأصحاب الأرض مع تدنيس مقدساتهم الإسلامية والمسيحية على حد سواء ما يناهز سبعة عقود ، دون أن يحرك الغرب الذي ينصب نفسه وصيا على حقوق الإنسان وعلى الديمقراطية  ،  ساكنا  أو  يتحرك له ضمير ، وأني يكون لمن احتل أرض الفلسطينيين وسلمها للصهاينة ضمير ؟

ومع تمادي المحتل الصهيوني في إهانة الشعب الفلسطيني، لم يبق لهذا الأخير  من خيار لاسترجاع حريته وأرضه  سوى حمل السلاح ، ولا يمكن أن يسترجع  ما أخذ بالقوة إلا بها، خصوصا وأن الدول العربية  المجاورة لأرض فلسطين وبعد هزائمها المتكررة في حروبها مع الصهابنة مدعومين بالغرب الأطلسي ،وقد ضاع من بعضها أطراف من أراضيها ، استسلمت لواقع الهزائم ، ووقعت مضطرة  على ما سمي تمويها باتفاقيات سلام ، والأجدر أن تسمى اتفاقيات استسلام ، وهو واقع الحال دون مبالغة  ، وبذلك ضاع حق الفلسطينيين بين اتفاقيات سلام وهمية مع الكيان الصهيوني، توقع هنا وهناك من كامب ديفيد، إلى واي ريفر، إلى مدريد، إلى أسلو، إلى شرم الشيخ ، وقد ذهبت كلها أدراج الرياح ، والمحتل الصهيوني يرسخ احتلاله ، ويمضي قدما في توسيع احتلاله من أجل وطن مزعوم له، يمتد من فرات العراق إلى نيل مصر ، وتزداد مع ذلك وتيرة عنفه الوحشي ضد الشعب الفلسطيني .

ومع مرور الوقت ، وبعدما أيس الفلسطينيون من مسلسلات السلام الهزلية ، لم يجدوا بدا من انتزاع ما انتزع منهم بالقوة بما يقابلها  ، ولهذا عمد الغرب إلى التفريق بين القيادات الفلسطينية، فجعل بعضها مع خيار مسلسلات السلام ، بينما اعتبر  من اختار منها الكفاح المسلح  جماعات إرهابية  مسايرة لمنطق المحتل الصهيوني، ودعما له ليزداد  تعنتا ، وطغيانا ،وإجراما  في شعب أعزل، ومحاصر حصارا لم يشهد له التاريخ مثيلا .

ولقد أطلق ااستعمال الغرب للفيتو المتكرر ضد كل إدانة للكيان الصهيوني يده الطولى  في أرض فلسطين المحتلة ، وصار بسبب ذلك فوق كل القوانين الدولية ، لا يبالي بها  بل يدوس عليها بغطرسة ، وكان الشعب الفلسطيني يرد  من خلال فصائله المسلحة على غطرسته ، وهو ما جعله ينتقم من المدنيين العزل  بوحشية وشراسة لا مثيل لهما حين يعجز عن الوصول إلى من يحملون منهم السلاح ضده.

ومع  استمرار سياسة  الغرب الداعمة للجلاد  فوق كل الحدود ، والمتجاهلة لحقوق  الضحية ، بلغ عدوان الجلاد أقصى درجات العنف غير المسبوق  ضدها تنكيلا بها حيث صار المتطرفون منه  يدنسون المقدسات إمعانا في إذلال الشعب الفلسطيني ، وهذا ما نتج عنه  مؤخرا طوفان الأقصى الذي جعل عناصر حماس من كتائب القسام تنتفض بقوة وشدة  لتلقن العدو الصهيوني درسا قاسيا على غطرسته وتماديه في تدنيس المقدسات وإهانة أصحابها .

ولما ذاق الجلاد وبال أمره ، وما جناه مستوطنوه المتطرفون هب الغرب لنجدته ودعمه كالعادة عسكريا  من خلال تحريك السفن الحربية وحاملات الطائرات ، وإمدادات بالأسلحة المتطورة والفتاكة والمحرمة دوليا ، وبالقباب الفولاذية المتصدية للصواريخ ، فضلا عن دعم  ومادي من خلال تعويضه عما مني به من خسائر اقتصادية  ، وفضلا عن دعم إعلامي  يسوق من الأخبار والأراجيف  ما يوهم به الرأي العام العالمي بأن الصهاينة ضحايا  والفلسطينيون جلادون .

ومن فضائح  هذا الإعلام الغربي أنه روج لأكاذيب وافتراءات زاعما أن من اقتحموا فضاء قطاع غزة من المقاومين قد ذبّحوا صبية  يهود صغار، واغتصبوا نساء ... وسارع زعماء الغرب إلى تصديق هذه الافتراءات، وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، ووزير خارجيته ، والرئيس الفرنسي ، ورئيس الوزراء البريطاني ، وغير هؤلاء . ولم يمر أكثر من  يوم  حتى فضحت  وسائل إعلام غربية  أخرى كذب ما ادعته غيرها ، بل اعتذرت هذه الأخيرة على ذلك  بعدما جعلت  بمصداقيتها الإعلامية  في مهب الريح ، وبذلك  تبين بأن تلك الأخبار كانت محض افتراءات مصدرها الكيان الصهيوني الذي لم يستطع تقديم دليل واحد على ما ادعاه كذبا وزورا . وأمام حجم هذه الفضيحة  المدوية التي تم فضحها ما صرحت به  شاهدة  إسرائيلية كانت قد احتجزت ثم أفرج عنها هي وصغيريها ،  كما قدمت حركة حماس فيديو لعناصرها وهم يحملون صبية صغار في أحضانهم ، ويداعبونهم . وبسقوط قناع الإعلام الغربي الفاقد للمصداقية ، والمنحرف عن قواعد الأخلاق  الإعلامية ، وعن الموضوعية  والحياد ، بسبب تسويقه  لافتراءات  كاذبة عن حركة حماس .

 وبعدما تعريض قادة الغرب مصداقيتهم للطعن بسبب تصديق الافتراءات الصهيونية  ، لجئوا إلى افتراءات أخرى مفادها أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني أطلعهم على مشاهد عنف قاسية  ضد عناصر الجيش الصهيوني  حتى أن أحد المسؤولين الغربيين أذرف الدمع وهو يتحدث عن ذلك ، دون أن تعرض  تلك المشاهد على أنظار الرأي العام الدولي  وعبر وسائل الإعلام الغربية التي تجندت للتهويل من عنف حماس ، مع التجاهل  الكلي لعنف الصهاينة  الموثق إعلاميا والناقل لصور العنف الفظيع ضد الأطفال الفلسطينيين ، ولتنكيل المستوطنين بجثت عارية لقتلى فلسطينيين بالرفس والركل والتبول فوقها، وهي مشاهد تجاهلها الإعلام الغربي ، مركزا على عمليات أسر أو قتل جنود صهاينة.

ومقابل الدمع الغربي على الجلاد  الصهيوني ، لم يحرك قادة الغرب ساكنا ، وأطفال قطاع غزة تمزع أشلاؤهم بفعل دك الطائرات للبيوت فوق رؤوسهم ، ولم يتحرك لهم ضمير والحصار مضروب على القطاع به أكثر من مليوني نسمة، وقد قطع عنهم الماء، والطعام، و الدواء ، الوقود، والكهرباء ، وقصفت مساجدهم ومستشفياتهم،  ومنع وهدد كل من يريد إيصال  معونة إليهم بالقصف الجوي  .

ولقد أصبح المحتل الصهيوني اليوم  يهدد سكان غزة العزل بالموت ،وهو يريد الزج بهم في صحراء سناء من أجل تنفيذ ما كان قد خطط له منذ مدة كي يبسط سيطرته على هذا القطاع الذي بات شوكة في خاصرته ، وينهي القضية الفلسطينية وفق هواه  بتأييد ودعم  من الأنظمة الغربية التي تخوض الحرب إلى جانبه وقد صرح قادتها ووزراء دفاعها بذلك  أمام الرأي العالم العالمي تحت ذريعة دفاع إسرائيل عن نفسها ، مع إدانة وتجريم الفلسطينيين دفاعهم عن أنفسهم.

وأخيرا نقول إن التاريخ قد سجل وقد شهد ، والله عز وجل خير الشاهدين على مأساة الشعب الفلسطيني الذي اغتصبت أرضه ، وأهدرت كرامته ، وسيم الخسف بسبب دعم وتشجيع الغرب للكيان المتغطرس الذي له وحده حق ممارسة العنف الوحشي دون أن ينال جزاءه على ذلك .

ومن المؤسف جدا أن يتحرك المدعي العام لمحكمة العدل الدولية إلى أوكرانيا  لمعاينة العنف الروسي ضد أهلها ، دون أن يتحرك لمعاينة الدمار الشامل بقطاع غزة ، هذا هو عالم اليوم، إنه عالم الغاب الذي تدان فيه الضحية ويبرأ  ساحة الجلاد التي تلاحق كل من ينتقده تهمة معاداة السامية ، وكفى بها تهمة تجر على من ألصقت به  ولو افتراء الويل والثبور، وعواقب الأمور .

وسوم: العدد 1054