آن الأوان لسحب المغرب جنسيته ممن تبين ولاؤه لأعدائه

إن موضوع التجنيس وما يرافقه من حصول الفرد على أكثر من جنسية، مسألة معقدة تتداخل فيها عوامل متعددة، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي، بحيث يمثِّل عدم الإلمام بها عائقا أمام دراسة الموضوع دراسة علمية رصينة؛ ومع ذلك فإني أعتقد بإمكانية النظر إلى الموضوع من إحدى زاوياه، والاكتفاء بتسليط الضوء على عنصر من عناصره لأهميته التي تتجلى في انعكاساته الخطيرة على الواقع.

من هذا المنطلق أود تناول الموضوع من زاوية الغاية المتوخاة منه، ذلك لأني أُقَدِّر أنه من الغباء تصور لجوء شخص ما للحصول على جنسية بلد معين، بشكل عفوي وبدون هدف، سواء بالنسبة للشخص نفسه أو بالنسبة للبلد المانح للجنسية، علما أن طبيعة الهدف المتوخى تختلف باختلاف طبيعة الأشخاص، من حيث وضعهم الاجتماعي والثقافي ومن حيث خلفيتهم العقدية، في نفس الوقت الذي تختلف فيه أهداف البلدان المعنية بهذا الإجراء باختلاف أنظمتها السياسية، والاجتماعية والاقتصادية... وحتى لا أسقط في التعميم، أريد إلقاء الضوء على الموضوع من الزاوية المشار إليها بالنسبة لحالتين تكتسيان أهمية بالغة، في التأثير على واقع المغرب والمغاربة: الأولى تتمثل في التجنيس بين المغرب وفر نسا، والثاني بين المغرب و"إسرائيل".

ففيما يتعلق بالحالة الأولى، فيبدو أن من بين أهم أهداف المغاربة الذين يرغبون في الحصول على الجنسية الفرنسية، نقص الثقة أو ربما فقدانها في بلدهم الأصلي، مع بعض الاستثناءات التي تتستر بخصوصيات يصعب الإلمام بها، أما أهداف فرنسا فلا شك أنها كثيرة، لكن أخطرها في تقديري هو "أكل الشوك بأفواه المجنسين" كما يقال، من خلال دفاعهم عن مصالحها، كما هو الشأن بالنسبة للفرنكوفونية و"القيم" العلمانية، وذلك على حساب التنكر لقيم ومصالح بلدهم الأصلي. ولا شك في أن اعتماد شرط الاستيعاب (Assimilation) للحصول على الجنسية الفرنسية دليل قاطع على ما أقول، ولعل مثال الطاهر بنجلون الذي وضع المقاومة الفلسطينية في خانة الإرهاب ضاربا بذلك عرض الحائط ثوابت المغاربة الذين أجمعوا منذ القدم على أن فلسطين تمثل قضية وطنية، مثلها مثل قضية الصحراء المغربية، والذي وصف منفذي طوفان الأقصى بالحيوانات، مستهترا بالقيم الإسلامية التي يتشدق بالانتماء إليها والتي تؤكد على تكريم الله للإنسان.

أما فيما يتعلق بالحالة الثانية، فلست أعلم على وجه التدقيق كم هو عدد المغاربة الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولا عدد الإسرائيليين الذين مُنحت لهم الجنسية المغربية، ولكن المرجح عندي هو وجود الفئتين معا مع الغلبة لفئة المغارية الحاملين للجنسية الإسرائيلية. وإذا كانت الإجابة على سؤال ولاء هذه الفئة قبل طوفان الأقصى يكتنفها بعض الغموض، بسبب تلك الادعاءات القائلة بتوفر المغرب على جالية مهمة في إسرائيل إلى الحد الذي توهم فيه أحدهم بأن المغرب يحكم إسرائيل، فإن الواقع العملي بعد الطوفان، لم يترك أي مجال للشك بأن ولاءهم لإسرائيل لا غير، وذلك بمساندتهم الكاملة لنتنياهو في إبادته للشعب الفلسطيني، إما بانخراطهم المباشر في الجيش، وإما بانخراطهم في العمل السياسي والإعلامي، الذي بلغ مبلغا من الوقاحة وصل إلى حد التجاسر على ملك البلاد، من خلال الرسالة التي وجهها رئيس ما سمي ب"منظمة الإسرائيليين من أصل مغربي" التي يطلب فيها منه مساندة إسرائيل ضد حماس، وهو على علم بالموقف الرسمي والشعبي من القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى رئاسة جلالة الملك للجنة القدس. وتجدر الإشارة بالمناسبة إلى استهجان هذا العمل من قبل اليهودي المغربي سيون أسيدون، الذي انخرط في المظاهرات المنددة بالعدوان الصهيوني والذي تبرأ من مضمون الرسالة.

في الختام أتوجه إلى مزدوجي الجنسية لأسألهم عن هدفهم من اكتسابهم لجنسية أخرى غير جنسيتهم الأصلية، وأقول لهم: إذا كنتم غير راضين ببلدكم الأصلي، فيجدر بكم أن تتخلوا عن انتماءكم له، ومن ثم يحق لكم أن تجهروا بولائكم للبلد الذي أخترتم جنسيته مع تحمل تبعات ذلك الولاء، أما إذا كنتم من الذين يصرحون بالجنسية التي تخدم مصلحة أو موقفا معينا، ويضمرون الجنسية التي لا تتلاءم مع تلك المصلحة أو ذلك الموقف، فلن تكونوا سوى عينة من المنافقين الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في الآية 143 من سورة النساء ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾. هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى الأنظمة فلست على علم بمضامين قوانين التجنيس المعمول بها في الدول العربية والإسلامية، التي تخص مزدوجي الجنسية بصفة عامة ولا بالتي تتعلق بالفئة التي تجنست بالجنسية الإسرائيلية خاصة وأبدت ولاءها لإسرائيل وعمدت إلى أكل لحم الفلسطينيين بأفواه بلدانهم "الاصلية" في هذه الظروف الحاسمة، لكني أعلم بوجود ظهير شريف رقم 08..86.1 بسن قانون الجنسية المغربية، في موضوع حالات فقدان الجنسية، بحيث من بين الذين تسقط بكيفية تلقائية على المعنيين بالفقرة الخامسة من الفصل 19 التي تنص على ما يلي: "المغربي الذي يؤدي مهمة أو يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي إذا كان شغل هذه المهمة أو الوظيفة يتعارض مع المصلحة الوطنية، ويحتفظ بها أكثر من ستة أشهر بعد ما تنذره الحكومة المغربية للتنازل عنها." من هذا المنطلق أرجو أن تعمل السلطات المعنية على تطبيق القانون في حق هؤلاء، وتجريدهم من الجنسية المغربية، مع ضرورة نشر لوائح بصورهم وأسماءهم حتى يتم فضحهم أمام المغاربة وأمام العالم، كما أتمنى أن تحذو باقي الدول العربية والإسلامية حذوها في إيقاف هؤلاء الخونة عند حدهم وإظهارهم على حقيقتهم التي لا يُقارَن ضررها وفسادها بنفعها إذا كان لها نفع أصلا.

وسوم: العدد 1058