إعلام عبري: حماس بعيدة عن الانكسار ولا انتصار في الحرب

الناصرة ـ «القدس العربي»: يتصاعد الاحتجاج الداخلي في إسرائيل على عدم استكمال عملية تبادل الأسرى، فيما يتحدث مراقبون عن أن أهداف الحرب التي وضعتها حكومة بنيامين نتنياهو عالية، وحماس بعيدة عن الانكسار.

ويعبّر المعلق اليساري جدعون ليفي، عن احتمال ارتفاع صوت النداء باستعادة كل الرهائن. ويقول في مقال نشرته “هآرتس” أمس إن إسرائيل تنازلت عن المخطوفين، معتبرا تجديد القتال الخطأ الأكبر الذي ارتكبته منذ السابع من أكتوبر، تشرين الأول. ويعلل قوله هذا بالإشارة، إلى أن الحرب تحولت إلى طويلة ودامية أكثر، وأهدافها تبتعد، وجرائمها تتراكم”.

كذلك من العوامل الموثّرة هو الخوف من اشتعال الجبهة الشمالية، وانفجار الأوضاع في الضفة الغربية، والخسائر الاقتصادية والخسائر البشرية، خاصة أن المقاومة الفلسطينية قادرة على المواجهة وجبي الثمن، علاوة على الضغوط الخارجية المحتملة خاصة من جهة الولايات المتحدة التي ما زالت تناصر إسرائيل لكنها بدأت تبدي تحفظاتها.

في هذا المضمار يطالب مستشار الأمن القومي السابق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، بمواصلة الحرب حتى تحقق أهدافها.

وإزاء مطالب البيت الأبيض بتقييد العملية العسكرية في جنوب قطاع غزة دعا للتحدث مع الأمريكيين باللغة الأمريكية.

في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” يقول إن إسرائيل وقفت أمام خيارين، أولهما انتزاع القدرات العسكرية من حماس حتى تنهار، والثاني الحصار والحرمان من الماء والغذاء والدواء وقطع الانترنت حتى خنقها، معربا عن أسفه أنها اختارت الخيار الأول.

وآيلاند سبق ودعا لعدم التمييز بين الجنود وبين المدنيين الفلسطينيين داخل القطاع وعدم التردّد في المساس بالنساء والأطفال كونهم نساء وأخوات وأبناء “المخربيّن” ويشكلّون حاضنة شعبية مؤيدة لمبادئ “حماس”، مؤكدا أنه من دون ذلك لن تنتصر إسرائيل في الحرب.

وحيال الضغط الأمريكي، يقول آيلاند، إن واشنطن توافق للوهلة الأولى على هدف إسرائيل بتدمير حماس، لكنها تضع أربعة شروط، وهي تحاشي قتل المدنيين، منع تهجير الكثيرين، مواصلة إدخال المساعدات الإنسانية، وتحديد زمن القتال.

ويعتبر المطالب الأمريكية، غير أخلاقية لأن العمل بها يعني زيادة عدد الجنود الإسرائيليين القتلى، ولأن إدخال الغذاء والوقود يخفّف عن حماس.

كما يقول إن الموصل تختلف عن غزة، وإن هذه أكبر قلعة محصنة في العالم مع كمية كبيرة من السلاح والذخائر ومع حاضنة شعبية داعمة بقوة، ليحيى السنوار.

وضمن الدعوة للتحدث بالأمريكية مع الجانب الأمريكي يدعو أيضا لتذكير واشنطن بما فعلت عندما حاربت اليابانيين في جزيرة أوكيانية عام 1945 حيث سقط 100 ألف قتيل مدني وأصيب 50 ألف جندي أمريكي، مما دفع الرئيس الأمريكي هنري ترومان، للقول “كفى”، والانتقال للقنبلة النووية، وحسم الحرب.

ويعتبر أن تحفظات وقيود الولايات المتحدة تنبع من القلق من غضب جهات عربية وجهات أمريكية تقدمية لمنحها ترخيصا لإسرائيل بقتل فلسطينيين كثر.

كما يقول إن موقف واشنطن ينبع من كونها لا تفهم واقع الحال العسكري والسياسي داخل القطاع والغضب على استمرار ممارسات المستوطنين داخل الضفة الغربية، وكذلك ينبع من الرفض المستغرب لدى نتنياهو لطرح أي فكرة أو خطة لليوم التالي للحرب.

ويقترح اللجوء للخديعة هنا، بالقول: “الحديث عن اليوم التالي هو بيضة لم تضعها الدجاجة بعد، فما المشكلة في أن تقول إسرائيل إنها مستعدة للتعاون مع أي جهة معتدلة حتى لو كانت فلسطينية من أجل إنتاج واقع آمن لإسرائيل؟”.

كما يشير إلى سبب إضافي للتحفظات الأمريكية على الحرب على غزة في مرحلتها الثانية وهو الإشمئزاز العميق لدى بايدن تجاه نتنياهو فـ “كل شيء شخصي”، وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يضاف للاشمئزاز الاحتقار، ومن الصعب جدا إدارة أزمة دولية بهذا العمق عندما تكون ثقة القيادة الأمريكية بالقيادة الإسرائيلية كما هي الآن”.

اقتطاع شريط جغرافي

في حديث للقناة “12 العبرية”، قال آيلاند المقرّب حتى اليوم من دوائر صنع القرار، قبل تجدّد الحرب على جنوب القطاع بعدة أيام، إن هناك مخرجا للحرب على شاكلة اقتطاع شريط جغرافي من القطاع ليكون حزاما أمنيا، وتبادل الأسرى على مبدأ الكل مقابل الكل ودون الالتزام بعدم استئناف الحرب بحيث يكون بمقدور إسرائيل العودة للحرب.

يشار إلى أن أوساطا إسرائيلية تشكك بجدوى الاحتلال الدائم، منها محرر الشؤون العربية في صحيفة”هآرتس” تسفي بارإيل الذي نبّه في مقاله أمس إلى أن “الحزام الأمني في شمال القطاع لن يمنح إسرائيل الأمن المفقود”.

الحقيقة مختلفة

ويتقاطع مع آيلاند المحاضر في جامعة تل أبيب الخبير في الشؤون الفلسطينية الدكتور ميخائيل ميليشتاين من ناحية التحذير من أن حماس أقوى مما يتم تصويره في إسرائيل، ولكنه يعلل رؤيته بتفسير مختلف.

في حديث للإذاعة العبرية الرسمية يوضح ميليشتاين وهو جنرال في الاحتياط، أن حركة حماس أثبتت أنها واثقة من نفسها وجاهزة وبعيدة عن نقطة الانكسار بعكس الثرثرة الإسرائيلية الجارية، كما تبين في مبادرتها لاستئناف القتال في صباح يوم الجمعة الأخير.

ويضيف في هذا المضمار: “لم نتعلم بعد من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، رغم الحاجة للحفاظ على المعنويات علينا القول بصراحة إنه ينبغي الفهم أن عودة حماس للقتال تنبع من عقيدة الجهاد رغم الأوجاع. التوقعات بخروج السنوار رافعا يديه مستسلما هو تفكير منفصل عن الواقع وجهل به فهو عندما خرج لحملة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كان دافعه أيديولوجي- تفكيك إسرائيل – لا إحباط التطبيع مع السعودية”.

كما يحذّر ميليشتاين من أن إسرائيل لا تستطيع القيام في جنوب القطاع بما فعلته في الشمال، وهذا ما أكده القيادي في الحركة صالح العاروري، ليلة أمس الأول مع “الجزيرة” حيث قال إن حماس تستطيع التصدي للقوات الإسرائيلية والدخول في التفاوض على تبادل الأسرى فقط بعد انتهاء الحرب، وهذا يعني أن حماس مؤمنة بأن تنتهي الحرب وهي قائمة وموجودة.

ميليشتاين، الذي يحذّر منذ سنوات من خطورة فقدان إسرائيل رؤية استراتيجية تشمل حلا سياسيا للقضية الفلسطينية، يؤكد أيضا أن الزعم الإسرائيلي بأن حماس قبلت بتحرير مخطوفين بسبب الضغط العسكري فقط، ليس دقيقا.

ويواصل: “لو كان هذا صحيحا، لما بادرت حماس لفتح النار صباح الجمعة الأخير. وإذا كنت محتاجا لهذا الحد للهدنة فلماذا توقفها إذن؟ السنوار لا يظهر أي شيئ يشي بضعف وتراجع. هناك بداية تيقّظ وفهم في إسرائيل بأن حماس بعيدة عن الانهيار، وأنها ما زالت تسيطر وتتحكم وتطلق النار لتل أبيب من شمال القطاع ومن مدينة غزة. لسنا قريبين من نقطة الانكسار وفي بيت حانون التي سيطرنا عليها قبل أسابيع لا تزال المعارك دائرة ورغم أن حالتنا هناك أفضل، لكن القتال لم ينته بعد”.

استعجلنا العودة للحرب

ضمن الانتقادات الموجهة للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة تساءل المعلق السياسي في القناة العبرية 13 رافيف دروكر على سبيل المثال عن مدى صواب القرار بوقف إسرائيل للمفاوضات بسبب خلاف حول عدد قليل من المفرج عنهم في الدفعة الثامنة، وبالتالي، ترك نحو 20 من النساء والأطفال الإسرائيليين في غزة، علاوة على المخطوفين من المسنين والمرضى.

كما تساءل عن الحكمة في تهديدات إسرائيل المفرطة في استئناف الحرب في ذروة المفاوضات، فقال، لماذا تقبل حماس بالإفراج عن دفعات أخرى من المدنيين وهي تسمع تهديدات إسرائيل بتجديد فوري للحرب؟ واكتفى بالتلميح إلى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها.

لكن زميله المحلل السياسي البارز ناحوم بارنياع استبدل التلميح بالتصريح في تحذيراته.

في مقال نشرته صحيفته “يديعوت أحرونوت” أمس يقول بارنياع إنه يتمنى أن يكون قرار إسرائيل برفض طلب حماس بالانتقال للدائرة الثانية من المفاوضات حول المخطوفين والأسرى قرارا ينم عن عقل لا عن أنا متضّخم.

وتحت عنوان “معضلة خان يونس” يبين أن المعضلة مزدوجة، فالمخطوفون الآن في جنوب القطاع في خطر أكبر مثلما أن الخطر على الجنود سيتضاعف مع بدء التوغّل البرّي، وعندها سيكون وقف الحرب والعودة للمفاوضات مهمة أصعب.

شهوة الانتقام

ويؤكد أن مواصلة الحرب دون خطة لليوم التالي أمر جيد لشهوة الانتقام لكنها ليست خطوة لخدمة أي رؤية استراتيجية، محذرا من حالة الازدحام السكاني ومن احتمالات كوارث إنسانية.

وعلى غرار ميليشتاين يؤكد بارنياع أيضا أن “عبرة القتال في شمال القطاع تعني أن عملية “التطهير” ليست سهلة، فبعد 57 يوما ما زالت حماس تقاتل فيما الساعة الرملية تتسارع: ضغط دولي متزايد وسوء بالأحوال الإنسانية في جنوب القطاع يعنيان أن إسرائيل تملك أسبوعين فقط للقتال، ومن المشكوك به أن تنجح إسرائيل بتحقيق هدف الحرب في أسبوعين”.

يذكر أن بارنياع كان قد نقل يوم الجمعة الماضي عن وزير يميني في الحكومة الإسرائيلية قوله إنه حتى لو خرج السنوار من استحكامه رافعا راية الاستسلام ومن خلفه طابور الأسرى الإسرائيليين، فإنه لا يوجد انتصار في هذه الحرب. وأمس الأحد عاد بارنياع لتبني هذه المقولة، ففي مقاله يؤكد أنه لا يوجد انتصار هنا، موصيا بخفض سقف التوقعّات والانتقال بسرعة قدر الإمكان لمسيرة إشفاء وترميم، وقبل ذلك استعادة المخطوفين.

قبر لك وقبر لعدوك

وتبعه زميله المحلل السياسي شيمعون شيفر في ذلك باعتبار ما يجري استمرارا لـ “حرب الاستقلال” ليس في غزة فحسب بل في الضفة الغربية.

ويتابع محذرّا: “هذه حرب طويلة وسننتصر فيها لكن تلميحات واشنطن واضحة بما يتعلق بقيودها للحرب. علينا ترتيب العلاقات مع ملايين الفلسطينيين عبر حل سياسي تتهرب منه القيادة الإسرائيلية”.

ويقول شيفر في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت”أمس إن زميله توماس فريدمان اقتبس في مقاله الفيلسوف كونفيشيوس الذي قال :”عندما تخرج لحملة انتقام أحفر لك قبرين، واحد لعدوك وواحد لك. بكلمات أخرى كيف نمتنع عن التورط بوحل غزة؟. حماس لن تنهار والرهان على الحل العسكري يعني أننا سنحتاج للعيش بين جولة مفاوضات ووقف للنار وبين جولة عسكرية”.

عقبات

وبخلاف التصريحات والخطابات الإسرائيلية الرسمية المتغطرسة يؤكد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، أيضا على وجود عقبات من شأنها الحيلولة دون تحقيق أهداف الحرب.

ويقول في مقاله أمس بعنوان “رأس في الحائط” إنه فيما يعّد الجيش الإسرائيلي خططا لحرب طويلة في غزة فإن إدارة بايدن تحذّر من أن الشرعية الدولية توشك على النفاد.

كما يحذّر مما تخشاه أوساط إسرائيلية بقوله إن “أمريكا تتوقع تقييد الجيش لنفسه في جنوب القطاع وهذا من شأنه تشكيل خطر على جنوده”، قاصدا بذلك منع القصف العشوائي العنيف الذي جاء لاستبدال مواجهة بريّة مع المقاومة الفلسطينية، وهي مواجهة نعتها آيلاند بالخاسرة، داعيا الى عدم التمييز بين عساكر ومدنيين.

ويخلص للقول إن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل دخلا حقل ألغام، إذ لا أحد يعرف متى ينفذ صبر بايدن نتيجة كارثة إنسانية، مشيرا الى وجود رافعات ضغط أمريكية على إسرائيل منها وقف التسليح ورفع الغطاء الدبلوماسي.

وسوم: العدد 1061