في فن الخطابة .. أغراضه وأساليبه

حين أصبحت خطبة الجمعة، برسومها الشرعية، نسكا أسبوعيا، من نسك صلاة الجمعة، عند المسلمين، طغى شكلها وأسلوبها وأنماطها؛ على المفهوم العام لفن الخطابة عندهم.

فنحن لا نكاد نذكر الخطبة والخطيب، إلا في إطار تصورنا لخطبة الجمعة، أو أحيانا قليلة لخطبة الزواج. أو خطبة النكاح.

كلمات أريد أن أهمس بها عجلى في هذا المقام لمسيس الحاجة إليها في عصر أصبح الناس كلهم خطباء:

خطبة الجمعة هي أحد أشكال الخطابة..الدينية، يتداخل فيها التعليم بالوعظ، والترغيب بالترهيب.

أما فن الخطابة العام فقد كان مشهورا ومنتشرا بين الأمم من قبل عند الصينيين والهنود وبين اليونان، وعند الرومان، قبل ٥٠٠ سنة قبل الميلاد. ثم عند العرب قبل الإسلام.

ولفن الخطابة أساليب، وميادين، وتدور عموما حول فن الاقناع، ولا يبالي الخطيب في سبيل إدراك بغيته من إقناع أو تهيبج، أو فخر أو قمع بحق أو بباطل..

يدخل في فن الخطابة عند الأمم الثلاثة موضوع المنافرات.. أن يقنع كل خطيب من حوله أن قومه هم الأعلى وأن الآخرين ليسوا كذلك

ومن تلك الميادين ميدان الجدل العقلي لإثبات الحقائق، أو ما يريد الخطيب أن يؤكد أنه حقيقة، وهنا يتداخل فن الخطابة مع فن الجدل، الذي من شأنه أن يفحم المخاطب، ويقطعه ولو بمنطق أعوج عن الجواب.

والميدان الثالث للخطابة هو ميدان الجدل في الخصومات، مهنة المحاماة، ومنه ما ذكره القرآن في حق النساء (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) ولا يزال كثير من النساء مع مظلوميتهن يمنعهن القصور أو الحياء او غيرهما، أن يدافعن عن أنفسهن..

فهذه الندوات، والمحاضرات، والمنافرات، وكل منبر يعلوه قوال، يظل محكوما بقوانين فن الخطابة، وهو فن متطور متغير بما يناسب حاجة الناس…

كان سيدنا ثابت بن قيس خطيب رسول الله صلى عليه وسلم، وهو أنصاري

وكان سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعره.

وعندما زار وفد تميم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب الحجرات..

قام ثابت بن قيس فرد على خطيب تميم

وقام حسان رضي الله عنه فرد على شاعرهم

فقال الأقرع بن حابس لشاعره أمضى من شاعرنا وخطيبه أبلغ من خطيبنا.

ومن مقامات الخطباء، خطبة الإمارة…

وكلنا يحفظ خطبة سيدنا أبي بكر يوم تولى أمر المسلمين:

وليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنتُ فأعينوني وإن أسأت فقوموني… وكانت دستورا بحق. القوي ضعيف عندي، والضعيف قوي عندي

وخطبة سيدنا عمر رضي الله عنه: إن العرب كالجمل الأنف- السهل المنقاد- فلينظر قائدُه أنى يقوده…

وساعة بايع سيدنا عبد الرحمن بن عوف سيدنا عثمان بالخلافة، وبايعه من حضر من كبار الصحابة، قالوا: فأرتج عليه: فقال: "إن من قبلي كانوا يُعدون لهذا المقام مقالا، وما أعددت، وأنتم إلى إمام فعال أحوجُ منكم إلى إمام قوال، وستأتيكم الخطب من بعد" ثم نزل فكانت من أبلغ الخطب.

ولكثرة كذب الشيعة ووضعهم ما وجدت خطبة حقيقية لسيدنا علي يطمئن إليها قلب.

ويجب أن لا تنسوا أن الإمام الذهبي قال في صاحب نهج البلاغة إنه رافضي جلد. حشا النهج بما شاء من الكذب، وإن كان أسلوبه لا يخلو من فخامة خطاب.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1061