عندما يدخل الإسلام البيوت

dsfgdgdf1067.jpg

( مقدمة )

تمر المجتمعات في عصرنا هذا بهجمة عمياء على القيم التربوية والأخلاقية ومزايا السمات الإنسانية التي جاء بهـا الإسلام ، كما ابتليت بالوجه القبيح من حضارة هذا العصر المادية المفسدة لفطرة الناس التي فطر الله عليها عباده ، حيث تم تسخير معطياتها الإعلامية إلى التفكك الاجتماعي، والانحلال الخلقي ، وإلى ارتكاب أبشع الموبقات التي وضعت الحضارة المعاصرة في أسوأ حالاتها ، ولقد ابتلي المسلمون بهذه الانتكاسات فوجدوا أبناءهم وبناتِهم قريبين جدا من مستنقعات الفساد ، ومن مهاوي الانحرافات التي تقاسي منها الأسر ــ بشكل خاص ــ وتخشى على أبنائها من الضياع الذي يجلب لهم التعاسة بل والشقاء ، كون هؤلاء الأبناء غُـرِّروا بزينة العصر المتمثلة في السفور والفجور ، وتعاطي المخدرات ، والركض خلف دواعي المفاسد الأخلاقية . ولقد أوجدت زينة العصر الجارفة حاجزا بعيد الأثر في نفوس أبناء الجيل وبين تعاليم دينهم الذي أنقذ البشرية من الظلمات إلى النور ، ناهيك عن كثرة حالات المشاكل التي تولدها معطيات هذه الحضارة . أضف إلى عواقب هذا الانحدار المستجدات الفكرية والثقافية المستوردة ، وآثارها المقيتة على تربية الأبناء وتعديل السلوك في مطاف التنشئة الصَّالحة التي آمنا بمَن أنزل كتابه المبين على نبيِّ أمتنا صلى الله عليه وسلم . فالبيت المسلم مهدد بالخطر ، ودواعي الأذى والشر ... عليه خاصة وعلى المجتمع الإسلامي عامة ، فالأعداء يسعون ومنذ أمد بعيد إلى هدم أركان الأسرة المسلمة ، والنيل من مكانتها الاجتماعية التي شهدت لها الأجيال المتعاقبة بإحـراز أرقى أنواع السجايا والمزايا التي أفردها الإسلام للأسرة وللمجتمع المحلي ولسائر البرية .

إن إرادة التغيير في النفس لا تكون إلا بالتصميم الموثق بالاعتماد على الله ، ولا تأخذ دورها الحق في السلوك علم العمالي إلا إذا صاحبها الشوق إلى مرضاة الله ، والطمع في نيل رحمته والسعي عندئذ يكون مؤيدا من الله ، مبشراً لصاحبه في الدنيا، وهذا ما يشعر به الحفيُّ بدين ربِّه سبحانه وتعالى .والصادق في مسعاه من فرح روحي وسرور نفسي حلَّقا به فوق حطام الدنيا مهما زهت أردانها الزاهية بالإغراءات، المترعة بالملذات الزائلة، والموبقات المهلكة . فالدنيا جذابة بمعطياتها والمؤمن بالله هو الحصيف العارف الذي لا يغرق في يم زخرفها، ولكنه ينال منها ما أحل الله منها في كل شيء ، وهو يشعر بانعتاق سام في آفاق سماوية غير غائمة، ولأنه يعبد الله على بصيرة، ويحيا على نور . ومن هنا نعلم معنى دخول الإسلام البيوت ، بما يحمل من الهدى والخير والأخلاق، وما يحمل من نور يدفع عن أهلها ظلمات الضلال والشقاء وسوء الفعال ، فإن دخول الإسلام البيوت يعني حماية أهل البيت من أعدائه ، وما أكثر الأعداء لبيوت المسلمين في عصرنا هذا ، وللأسرة المسلمة ، بل ما أعتى عداوتهم وتمرسهم بالمكر والخديعة وما أقسى الشقاء الذي يجلبونه معهم : فليحفظ ربُّ الأسرة أسرته من الماكرين ، ومن عداوة الشيطان التي حذَّرنا منها ربُّا عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم . فللنفوس ميل إلى الشهوات والملذات ، ولا يقطع دابر هذه المحذورات إلا الاعتصام بهُدى ديننا القويم .

فاحـمِ أهليك من عداوةِ قومٍ ... حـرَّضتْهُـم وساوسُ الشيطانِ

فيه ماتشتهي النفـــــوسُ ولكنْ ... نغَّصتْهـــــــــــــــــا تقلبـــــــــــاتُ الزمـــــــــانِ

زائـــــــــلٌ شـــرُّهــــــــــا ويشقى أثيــــــــــمٌ ... ولــجَ العيشَ طائشَ الوجـدانِ

زائل ما به ويشقى كفور . ولج العيش طائش الوجدان وما من فرد ولا أسرة أو جماعة ، بل حا من أمة في بعقيدة إلا لها سجايا طور انجام سلوك أفرادها خلال مبادئ يرسمون ون على على أفيائها درون معينة من أمر وجال خطاهم في الحياة، في كل أ. ، سواء كان المبدأ ربانيا مشرقاً أم أم ش شيطانيا مظلماً ، فالإنسان يمو بعقيدته وسلوكه إلى مراتب الآفاق العليا ويهبط إذا انخطب عقيدته إلى الدرك الأسفل من البهيمية ، وفي هذه الحالة لا قيمة لتقدم الأمة في ناحية ، وانحدار مقومات أخلاق أبنائها في ناحية وهنا نقف عند عظمة دين الله الذي ارتضاه لعباده . يقول تعالى في كتابه الكريم : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) . وننظر إلى الجيل الذي رباه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم على نور شريعة الله، وأحكام دينه ، فكان ولا يزال وسيبقى - بلا ريب – مميزًا بين الأمم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فلقد نقل الإسلامُ العرب من الأهواء الرخيصة والهوان الذي أفرزته الجاهليه في تلك الحقب إلى عظمة الإسلام إذ جعل منهم أكرم أمة وأعز أمة وأرقى أمة في كل شأن وحال . فماذا يفعل الإسلام إذا دخل البيوت. وما تأثيره في نفوس أبناء الأمة، وقلوب العباد ! وما نتائج العمل به في حياة المجتمع الذي يدين بالإسلام .

إذن فلند خل مع نور الإسلام إلى البيوت حتى نشاهد عن كثب ، ونعلم علم اليقين أن الإسلام يهذب النفوس ويرعــى البيوت، ويجعل في كل دار أسرةً تعيش قيم الإسلام السامية ، ليكون البيت منزلا ربانيا تنشؤُه الرحمة ، وتكلؤه العناية ، ويكون لبنةً صالحة في بناء المجتمع الكبير ، ولا صلاح له إلا بصلاحها ولا فلاح ولا طمأنينة إلا باعتناق أبنائه روح الإسلام العالية ، والنأي عن سفاسف الأمور ، وشهوات النفوس، ورفع حالة الوهن عن القلوب ، فقد أناخ بكلكله الثقيل على عامة المسلمين في هذا العصر . روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء"؛ ذلك لأن الإنسان ذكر الله. وذِكر الله تعالى عند دخول البيت أن يقول: "بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكلنا، اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج"، كما جاء في حديث في إسناده انقطاع، وأما الذكر عند العشاء فأنه يقول: بسم الله . فإذا ذكر الله عند دخوله البيت، وذكر الله عند أكله عند العشاء، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء ، لأن هذا البيت وهذا العشاء حُمِيَ بذكر الله عز وجل ، حماه الله تعالى من الشياطين. وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت ، وإذا قُدِّم إليه الطعام فلم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء ، أي: أن الشيطان يشاركه المبيت والطعام؛ لعدم التحصُّن بذكر الله. وفي هذا حث على أن الإنسان ينبغي له إذا دخل بيته أن يذكر اسم الله، وكذلك عند طعامه. إنه صورة الحماية التي تكتنف حياة الأسرة المسلمة في كل شؤونها .وإنها صورة حية رائعة يراها من كان له قلب يعي وروح تشف ، ويتيقن ابن آدم أن الشيطان عدوه الأول يتربص به في كل مكان وفي كل حين . يتبع الإنسان حيث سار ، ويلحق به موسوساً أنى ولج ليجره إلى الموبقات ويرديه في المهلكات ... حتى إذا وصل الإنسان داره يقف الشيطان وأعوانه ينظرون ويسمعون من حيث لا يرى ابن آدم . وقد ورد عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام

تغشى الشيطان أنه على المسلم أن يلقي السلام إذا دخل الدار ، فإذا هو فعل ذلك وذكر الله ، التفت الشيطان إلى أعوانه ليخبرهم بأنه لا حبيت ولا طعام لهم في هذه الدار ، والشيطان يدبر إذا ألقى ذكر الله بمنزل على شفاه ساكنيه ، وتأخذ القصة مداها مع الشيطان الذي يلاحق الإنسان في كل درب وفي كل حال . فإذا مدت أطباق الطعام قليلا كان الطعام أو كثيرا ، شهياً أو غير شهي ولو تمرات قليلة .. وقال المسلم الآكل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فإن الخيبة تدرك الشيطان ، ويعتريه اليأس فيقول لأجناده لا مبيت لكم ولا طعام ، فتخرج الشياطين من البيت ليبقى البيتُ آمنا بذكر الله مطمئنا برحمة الله ، تحرسه عين الله الله تبارك وتعالى . أما إذا دخل الإنسان داره ، ولم يذكر الله ، فرح الشيطان وقال لأصحابه : أدركتم المبيت والمرتع الخصب فيلجون البيت حتى إذا وضع الطعام ولم يذكر اسم الله عليه تقدم الشيطان وأعوانه يأكلون ، وهنا ترتفع البركة عن البيت ، وكم نسمع من بعض الناس قولهم في عجبهم لكثرة ما يدخل البيت من طعام وشراب ولكنه لا يكفي ، وقد جهل الإنسان السر في ذلك .. إنه ذكر الله، ففيه البركة ومنه الخير وفيه النماء. وإنها لصور زاخرة كثيرة مع عدو الشيطان عدو الإنسان ، فإبليس هو الذي أخرج أبويه من الجنة ، والإنسان في حرب مستمرة مع الشيطان في الليل والنهار وفي كل أمر وحال، وهذه الحرب لا تنطفئ نارها إلا بمو ت الإ نسان ، فإن انتصر على الشيطان بإيمانه وسلوكه دخل الجنة بفضل لله ، وإن انتصر عليه الشيطان ومات على غير دين الله أدخله الله النار بأعماله وفساد عقيدته.

ومن هنا نعلم أن البيت المسلم له حصون لا يخترقها الهوى ، فيبقى المسلم بعيدًا عن مراتع المغريات الباطلة ، والمويقات التي تقود أصحابَها إلى الشقاء في الدنيا والعقوبة في الآخرة . وأحكام الشرع تصد كل قذائف الباطل . فالحلال بيِّنٌ والحرام بين ، والشبهات يدرؤها صفاء القلب ، ويدحضها سمو الروح ، ويظل المسلم كالجبل الراسي أمام تحديات الفساد والضلال مهما كان الإغراء والباطل زاهق لا محالة . لا مكان للشيطان وجنوده في البيت المسلم ، فللطعام والشراب آداب و أحكام ربانية ، واللباس أحكام ، وللثقافة حدود وموازين ، فلا مكان لمجلة أو جريدة تنشران الفساد ، ويتباهى المحررون فيهما بصور الخلاعة والمجون ، ولا مكان لكل وسائل الانحراف التي تمتلئ بها دنيا الناس اليوم ، وتعج بها وسائل التواصل الاجتماعي وتتغنى بها أبواق الإعلام المنحرفة ، بل هي التي تصوغها أيدي أعوان ابليس من بني آدم ، ولا مكان للعقائد الفاسدة أو المنحرفة والضالة . فللبيت المسلم آدابه وسلوكه المميز في الجلوس والنوم والاستئذان ، وله تعليماته في أهون الأمور وفي أجلها وأعظمها . المسلم لا يدخل الحمام أو الخلاء - لقضاء حاجته - إلا برجله اليسرى، بعد أن يستعيذ بالله من الشيطان ومن الخبائث . وهذا الأمر على الرغم من بساطة شأنه إلا أنه دلیل قاطع على أهمية السلوك الإسلامي في حياة الفرد المسلم والأسرة المسلمة . والمسلم في بيته وهو يقف في جوف الليل يعبد الله إنما يسمو بذاته ، ويرتقي بروحه على معارج الملأ الأعلى، ليكون قدوة لأولاده في الطهر والسمو وحب الآخرة والزهد في الدنيا يقول ربنا سبحانه : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) .

ولا بد من أن يتبين المسلم رجلاً كان أو امرأة شاباً أو شابة ماله وما عليه داخل البيت وخارجه ، وتبقى المسؤولية الأولى والأساسية على عاتق الرجل فهو راعي الدار وحامي الذمار ورب الأسرة ، فعليه أن يحمي حدود بيته ويرشد بنيه من خلال حديثه معهم وسلوكه بينهم ، ليكون مستجيباً لنداء ربه جل جلاله حيث يقول : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) . التحريم - الآية /١٦ . فمن ذا الذي يفرط بفلذات كبده وهو يسهر لراحتهم ، ويتعب لسعادتهم ، ثم يغفل عنهم ليفعلوا ما يشاؤون، ولا يمنعهم وهم يركضون وراء كلِّ فاسد وضال ومنحرف ... وكأنهم الهملُ التائه وراء كل ناعق ومضلل، فيجرفهم التيار الفاسد ، وهو يرى ويسمع كيف يسيرون على طريق الهاوية والخسران يوم الحساب :

وأهلُ بيتِك أولى أنْ تؤدبَهــــــــم ... وكان ذلك في إصلاحهم رشدَا

فلا تبيتنَّ إلا في سعادتهم ... وغيرُ دينِك في الخيرات لن تجدَا

فالأسرة لايصعب عليها تعلم أحكام دينها ، ولا يستطيع أحدٌ أن يقف في طريق صلاحها وفلاحها . فأفرادها ملكٌ وليِّ أمرهم ، وهو المسؤول أمام الله عنهم . ومعرفة آداب الدين وأحكامه في كل شأن قريبة من كل إنسان ، فالمساجد والمدارس ووسائل الإعلام التي تعنى بأمور الدين كثيرة ومتنوعة ، وقريبة ممَّن يسعى إليها بصدق . ومكانة البيت المسلم حريةٌ بهذا السعي الذي يُثيب اللهُ عليه فاعلَه من أب أو أم أو أخ كبير ... أو غيرهم ممَّن لهم الحق شرعًا أن يعينوا أفراد الأسرة على نيل مايصلح شأنهم ويحفظ تصرفاتهم لِما يرضي الله تبارك وتعالى . ليبقى هذا البيت تملؤه البركة، وتحفه الرحمة ، وليكون لبنة طيبة صالحة في بناء الأمة، ومن خلال ذلك نعلم أثر الدين الإسلامي الحنيف في حياة الناس إذا دخل نورُه بيوتهم .

* من كتاب معد للطباعة بعنوان : ( إذا دخل الإسلام البيوت ) .وقد نشرت بعض مقالاته في مجلة البلاغ الكويتية وفي مجلات أخـرى ... منذ أكثر من ثلاثين عاما .

وسوم: العدد 1067