وزير خارجية الكيان

جدعون ساعر يتحدث بكل صفاقة في عاصمة الضباب، متهماً قادة أوربا الذين ازدردوا عشيقتهم، وتمردوا عليها، بأن حديثهم الطويل الدائب عن جرائم اسرائيل "المزعومة" ضد الانسانية، وقتلها للأطفال في غزة، هو الذي قاد البارحة لمقتل موظفي السفارة في العاصمة الأمريكية واشنطن، ولم يطرق وزير خارجية الكيان النتن برأسه طويلاً، ليعالج هواجس نفسه ونوازعها، فأردف قائلاً:  أن الحادث جاء نتيجة مباشرة للتحريض ضد السامية". وقال ساعر:"إن هناك خطأ مباشراً بين من ينتقدون أفعال اسرائيل في غزة، والتي يصفها "بالتشهير بالدماء" وبين عمليات القتل في واشنطن العاصمة".

وقبل أن نتحدث عن أوربا التي لم تحنث عن يمينها الذي أقسمته لاسرائيل، أو تخيس بما عاهدته عليه، نقول أن هذه البروباغندا لا تنطلي علينا، فليس لأوروبا نفس عطوفة، وضمير نقي، وقلب شريف، حتى تقف هذا الموقف النبيل،    موقف الضراعة أمام اسرائيل، حتى تخمد حربها الهوجاء هذه، هي بلا أدنى شك ضراعة وهمية كاذبة، لا تسيغها عقولنا ولا فطنتنا، نحن نعي تماماً أن جوف النخب الأوربية لا يجتمع فيها شيئاً سوى مطامع الحياة ومآربها، فأوربا يؤنسها منظر غزة الدامي، وينفذ إلى أعماق قلبها واقعها الملتهب، نحن نعلم أن أوربا لا تمتثل لارادة غير إرادة اسرائيل، ولم تخضع لسلطان غير سلطانها، وأن المتصدية العنون، والجامحة الحرون، والمائنة الخؤون اسرائيل، والولايات المتحدة وأوربا، الذين عرفوا بنهب خيرات الأقطار وحيازتها عن أهلها، لا يعنيهم في شيء أن تموت غزة جوعاً، أو تهلك ظمأً، يعنيهم فقط أن يرثوا التركات من دون وارثيها، وأن يصل "غاز غزة ونفطها" إلى ملاعب قمارهم، ومجالس شرابهم.

أما بعد، أود بعد هذه التوطئة أن أخذ نفسي بشيء من الجهد، وأرصد حركات وسكنات هذا الرجل، وأقف على اشارات عقله والتفاتاتها، جدعون ساعر الذي انفرجت شفاه بعد ابتسامات ثقيلة باردة أمام أجهزة الاعلام في لندن، لتدلي بحديث رنت نغمة "بجاحته" في أرجاء القاعة، جُمل أطلقها صاحبها معاتباً أوروبا التي تهدلت أجفانها من كثرة الاطراق والاغضاء لاسرائيل،  أدهشني فيها أن تلك الجُمل الهادرة التي تفوه بها، وهو ممتعضاً أشد الامتعاض، لم يجد من يعنفه ويلومه على حمقه ورعونته، وينعى عليه خشنوته وفظاظته، إن سماجة هذا الحديث ووقاحته يمكن أن يعد قانوناً يرجع إليه كل من يريد أن يعرف ويقيس أقاصي الجرأة، وقلة الحياء، والكذب والافتراء، في دوائر السياسة، ولكنه على كل حال ليس مجرد حديثاً سخيفاً، تافهاً، عقيماً من الأفكار، تم طرحه في أسواق الجهل، ولكنها سياسة توضح مآرب العدو ومقاصده، أحاديث الزيف الذي تطلقها أبواقه لتنساب انسياب الأفاعي الرقطاء في وسائل التواصل، وأجهزة الإعلام، فتفجعنا في أروحنا وأنفسنا وإن كانت باطلة، تحشد رأياً يتغلل بين جميع طبقات الأمم، يدفعها ألا تقيم المناحات السوداء على غزة وما آل إليها حالها.

وسوم: العدد 1126