لا لليأس والإحباط
اليأس هو الحالة التي تفقد فيها الأمة الثقة بإيجابية الأحداث الراهنة والمستقبلية فترى أنها مقيدة وأن الخيارات المُتاحة منعدمة أو محدودة جدا أو غير مشتملة على بدائل إلى درجة العجز عن شحن الطاقة الذاتية، أما الإحباط فهو مجموعة من مشاعر مؤلمة تنتج عن وجود عائق يحول دون إشباع حاجة من الحاجات أو معالجة مشكلة من المشكلات لدى الأمة فيورثها الحسرة وخيبة الأمل، وكلاهما حالة نفسية تبدأ بالفرد فتصبغ حياته بالعجز وتبلغ أخطر الدرجات إذا اعترت الأمة وغلبتها، فتسقط أو تكاد تحت توالي الضربات من داخلها وخارجها، وأول ما ينبغي فعله لمواجهة هذه الحالة النفسية الجماعية هو العمل على تحسين الواقع لا الاستسلام له، وبين يدي الأمة سلاح فعال ودواء أثبت جدارته هو الأمل في رحمة الله وعدم القنوط، وهذا لا شيء يتناسى أو يتجاهل واقعا بئيسا اجتمعت فيه عليها كل عوامل اليأس وأسباب الإحباط، على رأسها أنظمة سياسية وظيفية اختار أكثرها التصهين والتطبيع للبقاء في السلطة مهما كان الثمن، حكامُها يحاربون المجاهدون والدعاة ويقربون المرتزقة، وعلماءُ سوء اصطفوا مع الأنظمة في خيانتها وظلمها وطغيانها يبررون لها أفعالها الشنيعة فيزيدون الأمة رهقا، ونخبةٌ مثقفة أكثرها مع العلمانية والتغريب، هي مع المتغلب لا يعنيها شأن الجماهير والحق والعدل، وشعوبٌ يغلب عليها الغفلة وحب الدنيا والاستقالة من ابتغاء معالي الأمور...وهذه لعمري عوامل لا يُبقي فيها الإيمان والأمل في القلوب إلا الذي رفع السماوات بلا عمد، والإبادة المستمرة في غزة قد أفاضت الكأس وقصمت الظهور، فأيها المسلم إن سألوك عن قهر الرجال فغزة، إن سألوك عن البطولة الخارقة فغزة، إن سألوك عن الخذلان فمن المحيط إلى الخليج...حكام لا يخافون الله، حدود سايكس بيكو أصبحت مقدسة، شيوخ ضلال، جماهير مغيبة الوعي، أفذاذ ثابتون هنا وهناك لا يضرهم من خذلهم...لكننا لا نفقد الأمل في وعد الله، وهذا معتمدنا ونقطة القوة عندنا، يجعلنا نقول بكل ثقة "سننتصر"، نقولها تحقيقا لا تعليقا، كيف لا وقد تحررت القدس بعد احتلال صليبي دام تسعين عاما، وتحررت الجزائر بعد احتلال استيطاني دام 132 عاما كان يستهدف تغيير العقيدة واللغة والهوية إضافة إلى الاستيلاء على الأرض وربطها بفرنسا عضويا كأنها جزء أصيل منها، حدث هذا ويحدث مثله هنا وهناك لأننا أمة تحب التحديات، لا يتحدانا أحد إلا وجدَنا وغلبناه ولو بعد حين، نكسره ونذله ولو كان ترمب أو ناتنياهو أو ديغول لأننا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ربنا الله الذي لا يقهر وديننا الإسلام الذي لا يهزم، لا يهزم لأنه يجدد أجيال النصر وعمادُها الشباب المؤمن الحي الذي يحب الشهادة كما يحب الدنياويون الحياة، قدوتُه تلك النماذج الرفيعة التي صنعها الإسلام عبر العصور من أمثال مصعب بن عمير رضي الله عنه، ذلك الشاب المنعّم الذي ترك حياة الدعة ورضي بالفاقة في سبيل الله فلم يخب سعيه، عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأول سفير في الإسلام فذهب إلى يثرب فاجتهد هناك ودعا إلى دين الله وحببه للناس ودخل الأوس والخزرج في الإسلام أفواجا حتى ما بقي بيت إلا وفيه مسلمون، مات رضي الله عنه شهيدا في أحد فبكاه الرسول صلى الله عليه وسلم ورثاه وذكر مناقبه بحيث يكون قدوة للسائرين والثائرين، وكذلك سعد بن معاذ رضي الله عنه – وهو من ثمرات عمل مصعب – عاش في الإسلام ست سنوات عامرة بالإنجازات الكبرى فلما توفي متأثرا بجروح معركة الأحزاب اهتز لموته عرش الرحمن وغسلته الملائكة وشيّعته...ونحسب أن قادة حماس والقسام من هذا النوع الرفيع والمعدن الثمين، فاقرؤوا سير الصحابة والصالحين وعلموها أبناءكم وربوا عليها الجيل الذي أفسده الفنانون واللاعبون و"المؤثرون".
وبدل اليأس والإحباط علينا أن نجدد النية ونشحذ الهمم ونتعلم من دروس غزة الباهرة، وتتمثل الخطوة العملية الأولى في الانتباه إلى شعارات ساذجة أو خداعة تنتشر على وسائل التواصل ويروجها "مثقفون" من نوع "ساندوا غزة بالإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله...ابعثها لأصدقائك" وكذلك "جاهدوا بالدعاء لغزة"...يا للسذاجة، شعارات من نوع "جاهد بالسنن" تماما فالسفينة تسير بالبُخار (أي الوقود) لا بالبخاري (أي لا تسير بتلاوة صحيح البخاري عليها)، وغزة في حاجة إلى الدعم المالي والإعلامي وتفعيل المقاطعة، فدعوا عنكم ثقافة الخرافة، ارفعوا المستوى وادخلوا الميدان بقوة وساهموا في صناعة النصر... وإذا سألوك يا مسلم عن أغلى حذاء يمكن شراؤه قل هو حذاء غزاوي ملطخ بالتراب والدماء داس على كل الأعداء والخونة وشيوخ الضلال العملاء وبقي شامخا...ومن كان الله معه فمن عليه؟
وسوم: العدد 1126