ثقافة النعاج في النحر والقتل والسحل

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

مشكلة الكُتّاب المنصفين هذه الأيام, انهم إذا انتقدوا الأفعال الشنيعة التي ترتكبها المجاميع المتجلببة بجلباب الدين, أو إذا استنكروا الجرائم والأساليب الهمجية التي قامت بها مجاميع من الرعاع محسوبة على هذه الفئة الدينية أو تلك, أو إذا فضحوا أي جريمة من الجرائم الطائفية المروعة, تنهال عليهم الردود المتشنجة من الذين انحازوا إلى هذا المجرم أو ذاك بغض النظر عن شكل ولون العقيدة المتطرفة التي ينتمي إليها هذا المجرم أو ذاك.

أقرأ للكاتبة (إيمان شمس الدين) من الكويت, وأقرأ للكاتب (ماهر أبو طير) من الأردن, والكاتب عبد الكريم نبيل سليمان من مصر, والكاتب (رشيد الخيون) من العراق فينشرح صدري لما يقومون به من جهود استثنائية في محاربة الجهل والتطرف, لكنني أصاب بالغثيان عندما تستوقفني الردود الموجهة ضدهم, والمنحازة لهذه الفئة أو تلك.

أحيانا نتحدث ويتحدثون عن تفاصيل آخر مسارح الجرائم الطائفية, فنستنكر ما قام به أبطالها الذين اعترفوا بسفك دماء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء, فتأتينا الردود المدافعة عنهم لتبرر ما ارتكبوه من جرائم, ولتضفي على أفعالهم الخسيسة الصفات الشرعية, التي تسمح لهم بارتكاب المزيد من الجرائم الطائفية بذرائع وحجج واهية لا تمت للدين بصلة. .

شباب يُقتلون على الهوية من دون أن يقترفوا ذنبا أو يرتكبوا إثما, وجماجم تُثقب بالمزارف الكهربائية, ورقاب تُقطع بالسكاكين وسط صيحات التكبير والتكفير, أطفال يُقتلون ويُذبحون كما تُذبح النعاج, وشيوخ يعترفون بذبحهم, ويتباهون بنحرهم في احتفالات علنية تتصاعد فيها صيحات التكبير والتكفير. ثم تأتينا التبريرات المنحازة وتتوعدنا بارتكاب المزيد من مجازر النحر والسحل والذبح باسم الدين الذي جاء رحمة للعالمين, وباسم الرسالة السماوية, التي انزلها الله نعمة للشعوب والأمم على اختلاف ألوانهم ولهجاتهم, وعلى اختلاف توجهاتهم. .

المشكلة الأخرى التي نعيشها هذه الأيام, ان معظم الذين انحازوا إلى هذه الفئة أو تلك غالبا ما يكونون من غير المتدينين, أو يكونوا من الأميين والجهلة, أو من أرباب السوابق, أو من المتهتكين والداعرين الذين لا صلة لهم بالدين, لا من بعيد ولا من قريب, حتى جاء اليوم الذي انضمت فيه المطربة أصالة نصري, والفنانة الخليعة هيفاء وهبي, والراقصة فيفي عبدة إلى قائمة المتشددين, فالتحقن بركب المتطرفين المتعصبين, وتحول المطرب فضل شاكر في ليلة وضحاها من مواخير السكر والعربدة إلى خنادق الجهاد المسلح, فانتقل بلمح البصر من شارع الحمرا إلى التشريع الأحمر, وخرج على الناس متباهيا بذبحه جنديين أثنين من جنود الجيش اللبناني (تقرباً إلى الله). .

">

بمعنى أن درجات التقوى والإيمان صارت تقاس هذه الأيام عند أصحاب القلوب المتحجرة بعدد الضحايا, وتقاس بمدى وحشيتهم وميولهم الدموية الشاذة لذبح الناس وإزهاق أرواحهم وسط صيحات التكبير والتكفير, وصارت الشجاعة تقاس بشق بطون الموتى وانتزاع أحشائهم وقضم أكبادهم وسط صيحات التكبير والتكفير, وصار الإرهاب عنواناً ومنهجاً دينياً عند الميليشيات المؤمنة بثقافة النعاج في النحر والقتل والسحل. .

مما لا اختلاف عليه ان الدفاع عن السنة النبوية المطهرة والحفاظ على ديننا الحنيف من الخصال, التي ينبغي أن تكون راسخة في عقيدتنا وسلوكنا, لكن الأخطر هو الدخول في حروب الفتن والصراعات الطائفية, بين الكيانات المدججة بالأحزمة الناسفة والحراب والسيوف والخناجر والسكاكين المجهزة للذبح والنحر.

أن توبة فضل شاكر, ونورا, وفيفي, وسوزان عطية, وسهير البابلي, ومحمد العربي, ومحمد المازم, وحنان الترك, وحبهم لتعاليم الدين الإسلامي, والتزامهم بقواعده هو أمر ينال التقدير والاحترام, لكنه إذا تحول إلى صراع بمنطق الغاب, فهو أمر يثير الدهشة خصوصاً من فنان كانوا يسمونه في الملاهي الليلية حتى وقت قريب (أمير الرومانسية). .

عندما ترتفع أشرعة الجهل والتخلف فوق سواري الدين تتعطل بوصلة الأسطول كله, فيصبح النهج الديني سحلا ونحرا وذبحا وقتلا وتشريدا, بيد أن من يذبح الناس بخناجر الدين, سيتعرض للذبح بخناجر الجهل. .

ختاما ألا يحق لنا أن نتساءل: هل النحر والذبح باسم الدين هو من ثقافة الإسلام ؟. أم هي بدعة ابتدعتها الفئات الضالة, التي لا تفهم من الإسلام غير النهج الذي سارت عليه الحكومات الظلامية بسجلاتها الملوثة بدماء الأبرياء.

وليعلم هؤلاء ومن سار على نهجهم الإجرامي: ان جوهر الإسلام قائم على إرساء قواعد العدل والإنسانية, وقائم على الارتقاء بالقيم العليا للنفس البشرية بقوله تعالى: أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً, وهذا ما أكده الخطاب القرآني, وأقرته الشريعة الإسلامية, كقانون طبيعي للحياة, يرسم الطريق الصحيح الذي اختاره الله لبني البشر, بغض النظر عن جنسهم ولونهم ودينهم وطائفتهم, فالناس صنفان, أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. . .

إلا أننا وللأسف الشديد صرنا نرى هذه الأيام اصطفافا طائفياً خطيراً لبعض الزعامات الدينية, قائم على الأسس المذهبية والقبلية والعنصرية, تتعامل فيه تلك الزعامات الدينية بازدواجية فاضحة, وتمارس فيه الإرهاب الفقهي من خلال دعم عناصر القوى المتطرفة, فتسمح لهم بارتكاب حمامات الدم باسم الدين. . .  

والله يستر من الجايات