الحرب على الإسلام

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يخطئ من يتصور أن الانقلاب العسكري الدموي الفاشي بعيد عن الحرب المستعرة على الإسلام ، فضلا عن الحرية والديمقراطية والنظام الدستوري ، فمنذ الاستفتاء على إعلان مارس 2011م الدستوري ، وقوى الشر المعادية للإسلام وخاصة من جانب التمرد الطائفي ، تعمل لشطب الإسلام من المجتمع والدستور والمستقبل. لقد خرجت الكنيسة لتحرك رعاياها بالتصويت بلا ضد الإعلان لأنه ضد دينهم كما زعموا .

ومع تحرك المجتمع لبناء مؤسساته التشريعية والديمقراطية اشتدت الحملات المجرمة ضد الإسلام والإسلاميين بصورة غير مسبوقة في الصحف والإعلام والمنتديات والمؤسسات الموالية للنظام الاستبدادي ،ومع ذلك حقق الإسلاميون نجاحا شعبيا غير مسبوق في الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاء على الدستور ، وهو ما أصاب خصوم الإسلام بهلع شديد ، فراحوا يعدون العدة لإنهاء الإسلام من الحياة العامة ومن نفوس الجماهير ، وكانت الدعوات المحمومة بعد فوز الرئيس محمد مرسي إلى الانقلاب عليه بوساطة الجيش حتى تم ذلك في موقف مذل مهين يشبه ماحدث عند سقوط غرناطة آخر قلاع الإسلام في الأندلس ، والتسليم لقادة الصليبيين المنتصرين.

إن قادة الانقلاب العسكري قد امتثلوا لإرادة خصوم الإسلام عندما قاموا بانقلابهم الدموي المشين . لقد اعتمدوا على قوى معادية للإسلام بالضرورة ؛ قالوا إنها تمثل الشارع المصري الذي أمرها بالانقلاب على الدستور ونظام الدولة واختطاف رئيس الجمهورية المنتخب ، وكانت هذه القوى تضم نحو نصف مليون نصراني خرجوا في مظاهرات بأنحاء الجمهورية بعد حجزهم في الكنائس عقب صلوات الأحد 30يونية الماضي ، انضمت إليها أحزاب ساويرس والأقليات الشيوعية والناصرية والليبرالية، فضلا عن آلاف من جنود الأمن الذين ارتدوا ثيابا مدنية ،وقالوا إن هذا هو الشعب المصري الذي تجب الاستجابة له للانقلاب على الشرعية ، وكانت الجريمة !

تاريخ البيادة العسكرية مع الإسلام لا يشرف ، فقد حاربت البيادة الإسلام على مدى ستين عاما ، وطاردت علماءه ودعاته ، وأدخلتهم المعتقلات والسجون ، وأعدمت عظماءهم ، وقتلت بالتعذيب الوحشي كثيرا منهم ، وحاربت تعليم الإسلام في المدارس والجامعات والإعلام والثقافة والمساجد والمجتمع ، وجعلت الإسلام في وسائط الدعاية والاتصال مرادفا للدم والعنف والإرهاب والتطرف والتخلف والجمود والظلام ،وروجت لقيم غريبة على الأمة فانتشر الفساد الخلقي والسلوكي ، وعمت الجرائم التي لم يعرفها مجتمعنا المسلم طوال ثلاثة عشر قرنا إلا نادرا ، وأصبحت السرقة والقتل والاختلاس والغش والنصب والخيانة والربا ونحوها أمورا عادية ومألوفة تمتلئ بأخبارها الصحف يوميا ، وأصبح المسلم الذي يؤمن بإسلامه عقيدة وشريعة ودينا ودنيا ، وفكرا ودولة محروما من شغل الوظائف ، أو تقلد المناصب أو غشيان المنتديات الرياضية والاجتماعية ، بل أصبحت المعتقلات والسجون ومقرات أمن الدولة الإرهابي هي الأماكن التي يغشاها بقهر البيادة !

لم يكن غريبا أن يكون في مقدمة الحضور رئيس الكنيسة الإرثوذكسية ، ولأول مرة في التاريخ الإسلامي لمصر ، ومنذ الفتح يظهر مع الحاكم الانقلابي ليدشن إنهاء الإسلام، ويلغي الدستور الذي تواضعت عليه الأمة ويبارك اختطاف الرئيس المختطف ، ولا يكتفي بذلك بل يرفض ماورد في المادة الأولى من الإعلان الدستوري الذي أصدره من جعلوه رئيسا مؤقتا ، خاصا بالدين الإسلامي واللغة العربية ، ويطلب حذفه من هذا الإعلان الذي يرفضه الشعب المسلم ، بل يدعو الكنائس التي تمثل الطوائف الأخرى لإلغاء كل ما يتعلق بالإسلام في الدستور المتوقع أن يفرضه الانقلابيون العسكريون الدمويون قريبا .!

ومن المفارقات المريعة أن يستجيب شيخ الأزهر وحزب إسلامي لهذه الجريمة البشعة التي يقودها رئيس الكنيسة الإرثوذكسية لشطب الإسلام من دستور مصر ومن حياة أهلها ، فقد كانا حاضرين مع قائد الانقلاب الدموي ، وهو يعلن انقلابه الباطل شرعا وقانونا ، ولا يتفوهان بكلمة شجاعة ورئيس الكنيسة المذكور يعلن في وقاحة غير مسبوقه عن رفضه لوجود أي أثر للإسلام بدستور مصر ومجتمعها .. كأن تسعين مليون مسلم في مصر صاروا أقلية هامشية لا وجود لها .

إن قصور الفهم لدي بعض الجهات الإسلامية ، وتصورها أن معركتها مع هذه الجماعة أو تلك ، أو إن تصفية الحسابات والانتقام من هذا الطرف أو ذاك  ، دون أن تدرك أن المعركة الحقيقية في ميدان آخر لهو خطأ جسيم . إن معركة الخونة ضد بقاء الإسلام ووجوده وحركته في المجتمع ؛ يقودها التمرد الطائفي الخائن ومن قاموا بالانقلاب العسكري الآثم ، والقوى الموالية للغرب من الشيوعيين والناصريين والليبراليين والانتهازيين .

أضف إلى ذلك تلك الحملة الشريرة التي تقودها صحافة الدبابة ضد الإسلام والمسلمين ، والدعوات المتصاعدة من جانب الأبواق المعادية للإسلام الخاضعة للبيادة من أنصار ساويرس والشيوعيين والناصريين والليبراليين والانتهازيين لإنهاء الإسلام ، والقضاء على الأحزاب الإسلامية والنص في  دستورهم الذي يريدون فرضه على الشعب بجنازير الدبابات على عدم السماح بقيام الأحزاب على أساس إسلامي، وحل جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية ومحاكمة الاسلاميين  وإغلاق الصحف والقنوات التي تعبر عنهم .

إن البيادة لن تتعايش مع الإسلام ولن تقبل به ، ولن تتسامح مع المسلمين لأنها تأتمر بأمر الكنيسة وقادتها المتمردين وتنفذ إرادة أمريكا والغرب الصليبي المعادي للإسلام والمسلمين ، وستكون الحرب على الإسلام التي بدأها جمال عبد الناصر منذ بدأ تفجيراته الستة في أنحاءالقاهرة ، وحبسه أول رئيس جمهورية ؛ حربا مستمرة إلى حين إشعار آخر.. !

لقد قال السفاح النازي اليهودي شيمون بيريز إن فشل الانقلاب العسكري سيكون خسارة كبيرة لكيانه الغاصب ، فقد ذهب الانقلابيون قبل الانقلاب وبعده إلى الكيان الغاصب ، وتفاوضوا مع الغزاة القتلة طويلا ، ثم تابعوا تنفيذ جريمتهم البشعة في حق الإسلام وحق الشعب المصري المسلم ، وهو ما يعني أن دولة الغزو اليهودي ستبذل كل ما تستطيع لاستمرار الحرب على الإسلام عن طريق وكلائها في مصر . ولعل ماجرى بعد تصريحات السفاح بيريز مباشرة من دعوة إلى الاحتراب الأهلي وحشد مؤيدي الانقلاب في مواجهة مؤيدي الشرعية هو أول بشائر الحرب الدموية المنتظرة التي يخوضها من عميت بصائرهم ، وهيمن على أرواحهم الشريرة شيطان الأثرة والخيانة والتعصب.