إشراقة أخلاق القادة

د. فوّاز القاسم / سوريا

عاجل ... عاجل ... عاجل ...

بسم الله ، وعلى بركة الله ، سأبدأ من اليوم ، وحتى آخر رمضان المبارك بنشر إشراقات رمضانية ( دسمة ) وأسأل الله أن ينفع بها ، فتابعوني ، ولا تذهبوا بعيداً ..

إشراقة رمضانية ( 1 ) : أخلاق القادة 

قال تعالى مخاطباً نبيّه الكريم : (( وإنك لعلى خلق عظيم )).

يطول بنا المقام لو رحنا نستقصي كامل أخلاقه وصفاته وشمائله صلى الله عليه وسلم ، فقد أُلفت فيها الكتب والمجلدات  .

ويكفي أن نذكّر في هذا المقام بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، عندما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن …

وأنتم تعلمون ما هي أخلاق القرآن ...

ولما كان الخلق الفاضل ، والسلوك النبيل ، لا يُؤَسس في المجتمع بالتعاليم المرسلة أو الأوامر والنواهي فحسب ، بل لا بد لها من القدوة الحسنة ، لأن التربية لا تصلح الا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة . والرجل السئّ يستحيل أن يترك في نفوس من حوله أثراً طيباً . إنما يتوقع الأثر الطيب ممن تمتد العيون إلى شخصه ، فيروعها أدبُه ، ويسبيها نبلُه ، وتقتبس - بالإعجاب المحض - من خلاله ، وتمشي - بالمحبة الخالصة - في آثاره .

 ولا بد لكي يحصل التابع على قدر كبير من الفضل ، أن يكون في متبوعه قدر أكبر وقسط أجل .

 فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، مثلاً أعلى للخلق الفاضل الذي يدعو إليه ..

ولقد كان يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامي بسيرته العاطرة ، قبل أن يغرسه بما يقول من حكم ومواعظ ...

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً . وكان يقول : (( خياركم أحاسنُكم أخلاقاً ))البخاري .

وعن أنس رضي الله عنه قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي أفٍّ قط ، ولا قال لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا .!؟

وعنه رضي الله عنه : إن كانت الأمة ( الخادمة ) لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنطلق به حيث شاءت .!

وكان اذا استقبله الرجل فصافحه ، لا ينـزع يده من يده ، حتى يكون الرجل هو الذي ينـزع يده .

ولا يصرف وجهه عن وجهه ، حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه . ولم يُر مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له . الترمذي

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً . فان كان إثماً كان أبعد الناس عنه . وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ قط ، إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم ، وما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى . رواه مسلم .

وعنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه )). مسلم .

وعن عبد الله بن الحارث ، قال : ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم . الترمذي .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس .

وكان سمحاً لا يبخل بشيء أبداً ، شجاعاً لا ينكص عن حق أبداً ، عدلاً لا يجور في حكم أبداً ، صدوقاً أميناً قبل البعثة وبعدها..

ولقد وصفته خديجة رضي الله عنها  فقالت :

إنك لتحمل الكلَّ ، وتُكسب المعدوم ، وتُعين على نوائب الحق …

وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ، سهل الطبع ، لين الجانب . ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخّاب ، ولا فحّاش ، ولا عتّاب ، ولا مدّاح …

من جالسه أو قاربه لحاجة صابره ، حتى يكون هو المنصرف عنه.

ومن سأله حاجة لم يرده الا بها ، أو بميسور من القول …

قد وسع الناس خلقُه ، فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحق سواء.

وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ، ويخالطهم ، ويجاريهم ،  ويداعب صبيانهم ، ويجلسهم في حجره.

قالت عائشة رضي الله عنها : ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك …

وقال أنس رضي الله عنه : ما التقم أحد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجاه فينحي رأسه ، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه ، وما أخذ أحد بيده فيرسلها حتى يرسلها الآخر ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، ويبدأ أصحابه بالمصافحة .

لم يُرَ قط مادّاً رجليه بين أصحابه ، فيضيق بهما على أحد .

وكان يكرم من يدخل عليه ، وربما بسط له ثوبه ، ويؤثره بالوسادة التي تحته ، ويعزم عليه بالجلوس عليها إن أبى …

وكان يكنّي أصحابه ، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم .

ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام .

وبذلك  فعلاً  يكون خلقه صلى الله عليه وآله وسلم ( القرآن ).

وأنا أسألكم بالله العظيم ، هل هذه هي اليوم أخلاق القادة في الأمة ، بمن فيهم قادة الحركات الإسلامية ، الذين يدّعون بأنهم يسيرون على هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم .!؟