نصر الله يكشف حصيلة اجتماعه بخامنئي

نصر الله يكشف حصيلة اجتماعه بخامنئي:

دعم النظام السوري بأي ثمن!

فادي شامية

لم يكشف السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة (30/4/2013) عما دار في اللقاءات التي عقدها في إيران، خلال زيارته الاستثنائية لها، لكن ما هو شبه أكيد أنه كشف القرار الأهم- المكتوب بالخط العريض، وفق تعبيره- الذي أبلغته إياه القيادة الإيرانية: "إن لسوريا (يقصد النظام) في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا أن تسقط".

ماذا يعني ذلك؟ يعني:

أولاً: أن الحزب يعطي أولوية استثنائية للحرب التي يخوضها في سوريا، بما في ذلك أية مواجهة محتملة مع العدو الإسرائيلي، ويعود ذلك لإدراك الحزب أنه إذا لم يكسب الحرب في سوريا فسيكون عاجزاً أن يكسب أي حرب مع العدو الإسرائيلي؛ فالحرب لا تحتاج إلى صواريخ ورجال و"مفاجآت" فقط، وإنما إلى جبهة داخلية جاهزة، وإلى طرق إمداد، وإلى مناطق تأوي مئات آلاف النازحين، وهذا ما لم يعد متاحاً في ظل الأوضاع الراهنة في سوريا والاحتقان الحالي في لبنان. ولعل مقاربة نصر الله لملف الطائرة اللقيطة يظهر بوضوح حقيقة عدم رغبة نصر الله بالتصعيد مع العدو الإسرائيلي في هذا الوقت بالذات... لأن "العنوان السوري هو الأشد أهمية وخطورة وحساسية"، وفق تعبير نصر الله نفسه.

ثانياً: أن الحزب قرر الانخراط بشكل أكبر في الحرب السورية؛ إعلامياً، وسياسياً، ولوجستياً، وعسكرياً... بما يفضي إلى التقليل من أهمية الملفات الداخلية كلها، بما في ذلك؛ تشكيل الحكومة، وسن قانون جديد للانتخاب، وقبل ذلك كله؛ تهميش الدولة اللبنانية بمؤسساتها كافة، "وحتى لا أحمّل (وفق نصر الله) الدولة اللبنانية ما لا تطيق"، فيكون البديل قراراً يتخذه "حزب الله" منفرداً، بالتدخل في سوريا، باعتبار أن هذا التدخل "لا يحتاج إلى قرار من أحد" وفق توصيف أمين عام "حزب الله"!

ثالثاً: أن الحزب يمهد لتدخل أكبر وأشد تأثيراً في الحرب السورية؛ ليس بحجة الدفاع عن لبنانيين في القصير، ولا بحجة الدفاع عن المقامات الدينية "بدعوى منع الفتنة"، وإنما للدفاع علناً عن النظام السوري، وعلى أي حال؛ فإن نصر الله كان واضحاً جداً في هذه النقطة بالذات عندما أكد لمعارضي النظام السوري، وكرر بالقول: "لا تراهنوا، لا تراهنوا على الميدان، الدفع بالميدان إلى اتجاهات خطرة لن يقف عند حدود".

رابعاً: أن الحزب أعطى لنفسه الذرائع الأولية لنقل المعركة إلى الداخل، لأن الطرف الآخر: "كل ما يمكن أن يفعله قد فعله"، وأن نصر الله يعرف "مجموعات لبنانية اعتدت على اللبنانيين في ريف القصير، نعرفهم بالأسماء، ونعرف المجموعات، ونعرف من أرسلهم، ولكن لم نحرك ساكناً في لبنان لأننا التزمنا منذ البداية تجنيب لبنان أي مواجهة، حرصاً لا خوفاً، حباً لا طمعاً... لكن أريد أن أقول للجميع ما يجري في سوريا هو يعنينا جميعاً، وانتهى الوقت -أو كاد أن ينتهي الوقت- الذي يكتفي فيه اللبنانيون وغير اللبنانيين بالتمنيات وبالتعبير عن العواطف وبإبراء الذمة من خلال إصدار بيان". وفي ذلك يكون الحزب قد أضاف معطى جديداً وخطيراً: حرب أهلية لبنانية تجري في ريف القصير؛ طالما أن المعتدى عليهم لبنانيون، والمعتدين لبنانيون، والمحركين لبنانيون، فلم يبق إذاً – طالما أن وقت الصمت والبيانات قد انتهى- سوى التحرك في لحظة ما ضد هذه المجموعات في لبنان!   

خامساً: أن الحزب قرر خلع القفازات في مقاربته الملف السوري، غير مهتم بنتائج ذلك على صعيد العلاقات السنية-الشيعية، المأزومة، سواء في لبنان أو سوريا أو العالم الإسلامي، بل أكثر من ذلك؛ فقد كشف السيد نصر الله خلال نقله فتوى العلامة يوسف القرضاوي (صاحب مدرسة الوسطية في الفقه الإسلامي الحديث)، ومهاجمتها، وإنزالها في غير منزلها (باعتبار أن القرضاوي أجاب رداً على سؤال بجواز قتل من يدعم النظام، بوصفه سلطة قهرية؛ من عسكريين ومدنيين، ولا يعني ذلك أنه أجاز قتل الموظف الذي يصلح الكهرباء كما "اجتهد" نصر الله في التفسير)؛ كشف عن استعداده للمخاطرة بما تبقى لحزبه من علاقات مع الحركات الإسلامية السنية، التي كانت حتى الأمس القريب على صلة وثيقة بالحزب، وعلى رأسها جماعة "الأخوان المسلمين"، بما في ذلك الجماعة الأم في مصر، وجناحها الفلسطيني؛ حماس، واللبناني: "الجماعة الإسلامية في لبنان". ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد؛ ذلك أن وصف معارضي النظام السوري بالتكفيريين لمجرد أنهم يقاتلون النظام أمر خطير للغاية، لأنه إباحة لدمائهم، مع أن الوصف نفسه يمكن أن يطبق على الحزب، إذا كان المعيار هو قتال المخالف.   

    

سادساً: أن إيران، تبلغ بلسان نصر الله، كل من يعنيه الأمر، أنها سوف تتدخل عسكرياً في سوريا، في لحظة ما (ربما إذا انفتحت معركة دمشق فعلياً). على هذا الأساس وجه نصر الله كلامه إلى المعارضين في سوريا: "أنتم غير قادرين على إسقاط النظام عسكرياً...فكيف إذا تدحرجت الأمور في المستقبل إلى ما هو أخطر، ومِمّا قد يضطر دولاً، أو قوى، أو حركات مقاومة، إلى التدخل الفعلي (يقصد الواسع) في المواجهة الميدانية في سوريا".وبذلك يكون نصر الله، أعلن رسمياً انتهاء سياسة "النأي بالنفس"، وإعلان بعبدا، وأقحم لبنان في سياسة المحاور.

المغالطات

وكما هي العادة في خطابات نصر الله؛ -لا سيما الأخيرة منها- فإن كلامه لا يخلو من تحريف للوقائع، وسقطات، ومغالطات عديدة؛ لعل أهمها هذه المرة ثلاثة:

أولاً: تعارض توصيفه لمعارضي النظام السوري مع توصيف مرشده السيد علي خامنئي (وقد زاره في طهران قبل الخطاب)؛ ففي حين اعتبر السيد علي خامنئي – قبل يوم واحد من خطاب نصر الله- أن "ما يجري في سوريا ليس حرباً بين السنة والشيعة... وإنما تواجه الحكومة السورية معارضة علمانية معادية للإسلام"؛ اعتبر نصر الله – وذلك في غير موضع من كلمته-أن الحرب في سوريا هي بين النظام والتكفيريين!. في حين يعرف الجميع بمن فيهم نصر الله وخامنئي أن معارضي الرئيس الأسد يضمون مكونات الشعب السوري كله؛ من أقصى المتطرفين دينياً –وهم قلة- إلى أقصى المتطرفين علمانياً –وهم قلة أيضاً- وبينهما السواد الأعظم من الإسلاميين وغير الإسلاميين ممن لا علاقة له بالفكر التكفيري أبداً. 

ثانياً: كرر نصر الله حجة تدخله في منطقة القصير؛ وهي وجود لبنانيين اعتدت عليهم الجماعات التكفيرية. علماً أن تسلل مقاتلي الحزب إلى القصير بدأ منذ العام 2011، وأن أولى المعارك التي خاضها حزبه في سوريا تعود إلى العام نفسه، وأن الحزب لا يقاتل القصير وفي السيدة زينب بدمشق فحسب، وإنما في طول سوريا وعرضها، وأن الحزب لا يحتل قرى لبنانية في القصير حصراً، وإنما قرى سورية عديدة، وسكانها غير شيعة أيضاً (العقربية، وسقرجة، والبرهانية، والمنصورية، والرضوانية، والنهرية، والموح، وأبو حوري، والأذنية، والخالدية...)، ومع ذلك كله فإن المغالطة ليست هنا، وإنما في موضع آخر؛ فإذا كان نصر الله حريصاً على حماية اللبنانيين في سوريا، بعيداً عن قرار الدولة وبقية اللبنانيين، لأن الأمر "لا يحتاج إلى قرار من أحد" –كما جاء على لسانه- فلماذا لم يبد السيد نصر الله الحرص نفسه من أجل حماية لبنانيين آخرين؛ يقيمون في سوريا (قبالة عكار ووادي خالد)؛ هجّرهم نظام الأسد، ودمر أملاكهم في قرى: حالات، وتلكلخ، والعريضة الغربية، وهيت، والعويشات، والمعاجير، وتل الزهور (على سبيل المثال: نايف المنفي في تشرين الأول من العام الماضي، وقد قتله الشبيحة في سوريا أمام ذويه)، إذ لو اعتمد أقاربهم في لبنان منطق نصر الله نفسه؛ وهو أن الدولة عاجزة ومن حق الناس الدفاع عن نفسها، لشكّلوا ميليشيا مسلحة وفعلوا ما يفعل الحزب في سوريا اليوم؟!     

ثالثاً: في معرض هجومه على مؤيدي الثورة السورية قال نصر الله: "لم يصدر من كل هذا الاتجاه المؤيد (للنظام) فتاوى تستبيح دماء الناس، و(لكن) للأسف الشديد في الاتجاه الآخر دول وحكومات ومشايخ وحتى سياسيين أصدروا فتاوى إباحة الدماء بناء على موقف سياسي وعلى رؤيا سياسية".والمغالطة أن السيد نصر الله تجاهل عن قصد التعبئة الفكرية التي تجري في مناطق حزبه وفي إيران، وهي التعبئة التي تتجاوز هدر الدماء، إلى إحياء وقائع تاريخية ثابتة وغير ثابتة، وربطها بما يجري في سوريا، وذلك لتحفيز الشباب على قتال "الكفار من الأمويين الجدد" أو "جيش السفياني" وما شابه... يمكن الإشارة إلى وقائع كثيرة في هذا الموضوع، ولكن لضيق المساحة يُكتفى ببعضها؛ فتوى أمين عام "حزب الله" العراقي واثق البطاط وقد قال بالنص: "ما نراه الآن في سوريا هو عين ما روته الروايات. بداية ظهور الجيش السفياني الذي يسمونه الجيش الحر. السفياني سيقاتل بجيش من بلاد الشام مدعوماً من أميركا وإسرائيل وتركيا، والجيش الذي يلعن نصر الله ويسمي حزب الله حزب الشيطان هو حزب الشيطان. هذا الجيش هو الجيش الملحد الكافر، وإن لم نقاتله بكل الوسائل سيفضي هذا إلى قتال السفياني" (شكّل "حزب الله –العراق جيشاً باسم جيش المختار، دخل إلى سوريا ودخل معه البطاط نفسه). بدوره حض الشيخ مهدي طائب، القريب من المرشد خامنئي على القتال في سوريا وتشكيل "جيش من 60 ألف عنصر من القوات المقاتلة لتستلم مهمة حرب الشوارع من الجيش السوري"، لأننا "لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم الأهواز فسنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا التي هي المحافظة الإيرانية رقم 35".  كما أن الإمام خامنئي نفسه طالب المرجعيات الشيعية (السيستاني والحائري)، العام الماضي، بإصدار فتوى الجهاد ضد التكفيريين (الثوار) في سوريا، على ما نقلت جماعة الصدر.

وسط هذا الواقع؛ هل يذكر نصر الله للحظة أن الذين يصفهم بالتكفيريين اليوم هم الذين احتضنوا اللبنانيين من مؤيديه بالأمس (عام 2006)؟! هل ثمة مكان لبعضٍ من وفاء تجاه هؤلاء؟، أم أن الحسابات الإقليمية وارتباطات الحزب أهم وأعلى؟!