وحدة الأمة هي الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات

وحدة الأمة

هي الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات

محمد مهدي عاكف

المرشد العام السابق للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين… وبعد:

وحدة المسلمين فريضة دينية و ضرورة اجتماعية

المسلمون أمة واحدة، حقيقةٌ قرَّرها القرآن وأكدتها الأحاديث الشريفة، وكرَّرها كثيرًا، وحذَّر من نقضها أشدَّ  التحذير.

فالقرآن الكريم يقول: ﴿  إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ  ﴾ (الأنبياء: 92) ويقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ  ﴾(الحجرات: من الآية 10)، ويأمر بالاعتصام بحبل الله وينهى عن التفرق﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوانِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْفَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا  ﴾(آل عمران: من الآية 103) وينهى عنالتنازع الذي هو سبيل للفشل والضياع   ﴿  وَلا تَنَازَعُوا  فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ  الصَّابِرِينَ   ﴾(الأنفال: 46) وعلى نفس النهج يقرِّر النبي- صلى الله عليهوسلم- نفسَ الحقائقِ، حيث يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه  و  لا يُسلمه ولا يخذله" ويقول: "المسلمون تتكافأ دماؤهم،ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم" ويعتبر العداء والاقتتال بين  المسلمين قرينًا للكفر يجب أن يتصدَّى له المسلمون بكل حزمٍ  "لاترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، "من جاءكم وأمْرُكم جَميعٌ يريد أن  يفرِّق بينكم فاقتلوه كائنًا من كان 

المجتمع المسلم يستوعب المختلفين  في الأعراق والأديان، أفلا يستوعب المختلفين في المذاهب؟

الإسلام دين إنساني عالمي يستوعب في مجتمعه كلَّ الأجناس  والأعراق واللغات، ومن ثَمَّ امتد من شرق العالم إلى غربه، وانتظم الأصفر والأبيض  والأحمر والأسود من الناس دون تفرقةٍ أو تمييز، بل قرَّر في التنزيل الإلهي   ﴿  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى  وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَاللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ   ﴾(الحجرات:13) و  قرَّر في  مشكاة النبوة"أيها الناس كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل  لعربي على أعجمي و  لا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى".

بل قرَّر لغير المسلمين حقَّهم  في حريةِ العقيدة والعبادة﴿  لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾(البقرة: من الآية 256) ﴿ وَ قُلْ الْحَقَّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾(الكهف: من الآية 29)، بل أمرنا أن نستوعبَ ونتعايشَ معهم بالبرِّ والقِسط والإحسانِ ﴿ لايَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: من 14)، ومن ثَمَّ عاش اليهودُ والنصارى والمجوس وغيرهم من أهل الملل في المجتمع الإسلامي مُعزَّزين مكرمين.

وإذا كان الأمر كذلك مع المخالفين، أفلا يكون الأولى أن يستوعب بعضنا بعضًا ونحن نتفق في الأصول "الدين والرب والرسول والقرآن والقبلةوالشعائر" وإن كنا نختلف في الفروع؟ أفلا نقتدي بالإمام علي رضي الله عنه في موقفهالمتسامح مع الخوارج الذين خرجوا على جماعةِ المسلمين ووصفوهم بالكفر، حيث وصفهم بأنهم "إخواننا قد بغوا علينا، ولهم علينا حق النصيحة" وقرر أنه لن يبدأهم بقتال،وإنما يدعوهم إلى التعايش والسلام.

أيها العلماء.. أيها المراجع.. أيها المفكرون.. أيهاالمثقفون.. أين هذه الثقافة.. ثقافة الأخوة، ثقافة الوحدة، ثقافة التسامح، ثقافةالتعايش، ثقافة الاستيعاب والتعاون على البرِّ والتقوى، هل أنتم الذين تقودون الناس بالعلم والنور والهداية؟ أم هم الذين يقودون بالجهل والبغي والتعصب؟

وحدة الأمة هي أكبر أهداف مؤامرات الأعداء

لما كانت وحدة الأمة سبب قوتها، لذلك لجأ الغرب إلى تفتيت هذه الأمة، وواتته الفرصة بإلغاء الخلافة وانفراط عقدها، فشرع يضع المخططات ويحيك المؤامرات لتمزيق الأمةِ إلى دولٍ وكياناتٍ بل ودُويلاتٍ يُفرِّق بينها ويشيع العداءَ والكراهيةَ بين أبنائها عملاً بشعاره الشيطاني "فَرِّقْ تَسُدْ" فكانت اتفاقية (سايكس- بيكو) في أوائل القرن العشرين التي قسَّمت الشام إلى أربعِ دول ثم تمَّ فصل السودان عن مصر، ولم يكتفِ الغرب بهذا، بل سعى ولا يزال إلى مزيدٍ من التفتيتِ والتقسيم، وها هو المستشرق الصهيوني (برنارد لويس) يضع مخططًا للتفتيت مستغلاً الأقلياتِ الدينيةَ والمذهبيةَ والعِرقيةَ في العالم العربي والإسلامي،والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية، وفيه يدعو إلى إضافة أكثر من ثلاثين كيانًا انفصاليًّا جديدًا، فيقول: "إن الصورةَ الجغرافيةَ الحاليةَ للمنطقةِ لاتعكس حقيقةَ الصراعِ، فما هو على السطح يتناقض مع ما هو في العمقِ، على السطح كياناتٌ سياسيةٌ لدولٍ مستقلة، ولكن في العمق هناك أقلياتٌ لا تعتبر نفسها ممثلةً في هذه الدول، بل ولا تعتبر أن هذه الدول تعبِّر عن الحدِّ الأدنى من تطلعاتها الخاصة" ويقول: "ويرى "الإسرائيليون" أن جميع هذه الكيانات لن تكون فقط غير قادرةعلى أن تَتَّحِد، بل سوف تشلها خلافات لا انتهاء لها، ونظرًا لأنَّ كل كيانٍ من هذه الكيانات سيكون أضعفَ من "إسرائيل"، فإنَّ هذه ستضمن تفوقها لمدة نصف قرن على الأقل".

وفي سنة 1982م تنشر "المنظمة الصهيونية العالمية" مشروعًا تقسيميًّا للعالم العربي تحت عنوان "إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات" تَذكُر فيه النجاحاتِ التي حققتها إسرائيل في لبنان إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1975م– 1989م) ثم تقول: "وإن تَفتُّت سوريا والعراق لاحقًا إلى مناطقَ ذاتِ خصوصيةٍ إثنيةٍ و دينيةٍ على غرار لبنان هو هدف من الدرجة الأولى بالنسبة إلى إسرائيل، ولأن العراق أقوى من سوريا، وقوته تشكِّل في المدى القصير خطرًا على إسرائيل أكثر من أي خطر،فهو المرشح المضمون لتحقيق أهداف إسرائيل في التفتيت، فتفتيت العراق هو أكثر أهميةً من تفتيت سوريا".

في ضوء حقائق هذه المؤامراتِ نستطيع أن نفهمَ ما جرى في العراقِ ابتداءً من غزوهِ وقهرِ أهله وتكريسِ النعرةِ الطائفية فيه، في محاولةٍ لإشعالِ حربٍ أهليةٍ تنتهي بتمزيقه، وتقضي في نفسِ الوقت على المقاومة الوطنية التي تستهدف طرد المحتل، وتحقق كذلك أهداف إسرائيل.

واجباتنا جميعًا:

- يجب أولاً تكوين هيئة من علماء السنة ومراجع الشيعةِ يكون دورها نشر ثقافة أخوة الإسلام وإعلاءها على الولاء المذهبي، وإحياء دور لجنةالتقريب بين المذاهب الإسلامية التي أنشئت في الأربعينيات وكان لعلماء الأزهر و مراجع "قم"، عليهم جميعًا رحمة الله- الجهد المشكور في تأسيسها، و وضع ميثاق يحرِّم الاعتداءَ على المقدسات والدماء والأموال كما ينص على ذلك الإسلام.

- يجب الاتفاق على تحرير العراق من المحتل الغاصب و توحيدالجهود من أجل تحقيق الاستقلال.

- يجب التيقظ للمؤامرات والمخططات التي تُدبَّر بليلٍ وتسعى لتمزيق العراق و فضحها وتعريتها أمام الشعب ليعرف ما الذي يُراد به.

- تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدًا عن أسلوب المحاصصة الطائفيةوالعِرقية تتوخى الصالحَ العام و لا تستبعد فصيلاً ولا طائفةً من طوائف الشعب.

- دعوة الناس إلى الترفُّع عن غريزةِ الثأر من النظام السابق في شخص أهل السنة، فجميع الطوائف والأعراق كانوا ضحايا هذا النظام الجائر، والإسلام يقرِّر ألا تزرَ وازرةٌ وزرَا أخر

- حماية الأماكن المقدسة والعلماء والمراجع والمفكرين وأساتذة الجامعات بطريقة عملية من التفجيرات والاغتيالات التي تحكها أجهزة مخابرات وجهات مشبوهة.

- التصدِّي للفكر التكفيري بالحجة والبرهان، ونشر الفكرالإسلامي الوسطي المعتدل الصحيح لحماية الشباب من الوقوع في حبائل التكفير.

- إدانة جميع العمليات الإجرامية التي تطال المدنيين الأبرياء ومؤسسات الدولة والتي تعطي الذريعة لقوات الاحتلال للبقاء و الاستمرار.

 - على جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن يكون لهما دور إيجابي فعَّال في قضية العراق ابتداءً من درء الفتن عن أهله وتوحيد شعبه و الحفاظ على وحدته والتعجيل بتحقيق استقلاله وتحريره من المحتل وعدم ترك الساحة للأمريكيين ليحققوا أهدافهم وأهداف الصهاينة في العراق.

- على كل حاكم أو مسئول في العالم العربي والإسلامي وكذلك على الحركات والأحزاب الإسلامية أن تتحرك لتحقيق الأهداف السابقة إذا تأخر التحرك الجماعي. 

و أخيرًا، فإن ثقتنا بأن العراق سيتجاوز هذه المحنة- بإذن الله- كما تجاوز محنةَ غزو التتار، ثقة غير محدودة، وستكون وحدته هي الصخرة التي تتحطم عليها مؤامرات الصهاينة والغرب – بإذن الله تعالى. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (العنكبوت:69) ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ (آل عمران: من الآية103).