التكفير الديني والتعايش الوطني

محمد زهير الخطيب/ كندا

[email protected]

اليوم نصرالله يتهم الثوار في سورية بأنهم تكفيرييون!!! ونسي أن الشيعة منذ ألف وأربعمائة سنة كفّروا كلّ الصحابة الكرام إلا قليلا يعدون على أصابع اليدين، بل هم جعلوا من التكفير طقوساً وعقائد ومناسبات تجافي طبائع الدين وتنحرف عن النهج القويم...

على كل حال، هل تهمة التكفير خطيرة؟ فلنعد إلى أنفسنا، أليس كل منا يرى أنه على دين الحق وأن أديان الآخرين على باطل؟!! أليس أغلب الناس يمارسون التكفير بطريقة أو باخرى وضميرهم مرتاح، فمن المؤكد أن معظم الناس يرون أنفسهم أنهم أصحاب الدين الحق وأن معتقداتهم لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وأن بقية الاديان والملل والنحل كافرة وعلى ضلال وأن مصيرها جهنم وبئس المصير حسب مالديهم من نذير ووعيد يقرؤونه في كتبهم المقدسة. ينطبق هذا على معظم الاديان والطوائف إلا بعض المعتقدات القليلة التي تتقبل كل الاديان وترى فيها جميعاً ممارسة روحية لا علاقة لها بالجنة والنار...

إذن أين المشكلة؟ المشكلة تكمن في تبعات هذا التكفير، فاذا كانت التبعات متعلقة بالآخرة ومن اختصاص الله عز وجل، فهي لا تعكر تعايش الناس مع بعضهم وبرهم بينهم ونجدتهم لضعيفهم وإحسانهم لفقيرهم واشتراكهم في أعمال البر والخيروالنفع العام ومنظمات المجتمع المدني...

وإن كانت مدعاة لاقتتالهم وتحاربهم فهنا يكمن الخطر، والاصل أن الاديان تدعو إلى الخير والبر وتنهى عن الاعتداء والغدر، ولكن هناك مناطق رمادية وفتاوى ملتبسة وآراء نبتت في ظروف غير صحية في أقبية المخابرات أو في كهوف الإقصاء أو في أجواء شابها خيانات وغدر واختلط فيها الحابل بالنابل...

وحتى نضع النقاط على الحروف، فان بعض فتاوى ابن تيمية وجماعة التكفير والهجرة وبعض آراء أبو الاعلى المودودي وسيد قطب عن الجاهلية والحاكمية... لم تعد تناسب العقد الاجتماعي الوطني الديمقراطي الدستوري الذي يضم جميع الاطياف في الاوطان، الاوطان القائمة على الحرية والعدالة والمساواة، ويجب أن يكون واضحاً أن عملية التكفير لن تتوقف بين أصحاب الديانات والطوائف ولكننا يجب أن نعتبرها من قبيل الآراء الشخصية التي تتعلق بالآخرة، ولا تكون سببا للتفرقة بين المواطنين فضلا عن أن تكون سببا للقتل أو الظلم أو التمييز، ولكنها قد تكون سبباً لبعض تطبيقات الاحوال المدنية، وهذا أمر مقبول تحرص عليه أغلب الاديان والطوائف كي تتمتع بخصوصياتها دون أن يتعدى ذلك على حريات وحقوق الآخرين.

المشكلة أنه لا زال في بعض الاديان من يرى في التكفير سبباً لقتل الآخرين، والحقيقة أن دوافع الحرب والقتل في أغلب الاديان هيدوافع الدفاع ورفع الاذى والظلم وليس القتل ابتداءً للمخالفين في الدين، وحدوث تجاوزات في بعض مراحل التاريخ يجب أن يقيد بظروفه وحيثياته، وعلينا أن نتحرر من هذا التاريخ التصادمي إن وجد وأن نتعايش جميعا في دول المواطنة وأن نتوافق معا على مواثيق ومعاهدات دولية ترسخ مبادئ الحرية والعدل والمساواة فهي أساس كل دين من عند الله عز وجل قبل أن يحرفه الناس عن مواضعه.

المسلمون وغيرهم عليهم اليوم أن يقاتلوا فقط في سبيل الحصول على الحرية والعدالة والمساواة ورد الحقوق المسلوبة، وعندما يصلوا إلى ذلك فلا قتال ولا حروب، إنما هناك دعوة وتعليم وحجة، بالحكمة والموعظة الحسنة، في أجواء من المواطنة والتعايش والتسابق في البر والخير والاحسان...

وقد جاء في جزء من بيان للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور القرضاوي:
(ومن هنا فنحن باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ندعو جبهة النصرة أن تعود إلى محيطها، وتعيش صفاً واحداً مع بقية المجاهدين، وتترك مصير الحكم والدولة في سوريا إلى ما بعد التحرير، ليختار الشعب الحكم الإسلامي، أو الحكم الذي يريده، بكامل حريته واختياره.ويؤكد الاتحاد أن الثورة السورية المباركة إنما قامت حمايةً للمستضعفين ودفاعًا عن الأرواح والحرمات، والأعراض والأموال، وإسقاطًا لنظام الإجرام والفجور، لذا لا يحق لجبهة ما إعلان تبعيتها لغير سوريا، وفرض البيعة على شعبها، دون استشارةٍ لأحدٍ من أهلها، فضلاً عن إشراك علمائها ومجاهديها، ودون حسابٍ لمآلات الكلام وعواقبه، فيعتبر هذا الأمر مستنكرا شرعًا، ومرفوضا عقلاً، وهو افتئاتٌ على أهل الشام جميعهم، ومصادرةُ لفكرهم ومصيرهم...).

وقد يقول متسائل: إذن أين الجهاد والفتوحات؟ الجهاد والفتوحات كانت لرفع الظلم عن الناس من حكام ظلمة ولإزالة الطواغيت (الحكام المستبدين) الذين حالوا دون وصول حرية الكلمة والدعوة إلى العامة ومارسوا العزل والتجهيل على مواطنيهم، وجهاد اليوم هو جهاد الفضائيات والانترنت، فهي تصل كل بيت وتُسمع كل اذن، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، فمتى أُنجز البلاغ المبين فقد تحققت الدعوة وتم الجهاد، على المؤمنين اليوم افتتاح محطة فضائية تخاطب كل الكرة الارضية بكل لسان لايصال البلاغ المبين إلى الناس دون سيوف ودون مدافع، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولن يكون هناك وسيلة للدعوة أفضل من النجاح والقدوة الحسنة، فالدعوة اليوم على طريقة تركيا وماليزيا هي الطريق الصحيح للدعوة، وعلى طريقة طالبان وإيران هي الطريق الخطأ، الطريق الذي تنقصه الحرية والعلم والعدل ليكون صالحاً للناس.

في السجون الإيرانية اليوم أكثر من ثلاثة آلاف مهدي منتظر مزيف!!! نساء كثيرات يدعين أنهن زوجات المهدي أو صاحب الزمان كما يسمونه!!! نجاد وصف إدارته بأنها حكومة الإمام الغائب وأنهم وكلاء المهدي!!!  غالبية الإيرانيين ما زالت تتلقى كل أخبارها من التلفزيون الرسمي ومن صحف رسمية.

الحل هو بالحرية والعلم والانفتاح.

أعطني حرية وعلماً، أعطك مجتمعاً صالحاً.