حول سياسة الضحك على الدقون

حول سياسة الضحك على الدقون

سيد أمين

لم تكن عبارة "الضحك على الدقون" الشائعة مثالية الاستخدامات في تاريخها كما هى الآن؛ فتصرفات جميع اللاعبين في المشهد السياسي المصري سواء كانوا قوى خارجية، أو معارضة داخلية، أو حتى حلفاء تاريخيين، توحي بأن الجميع يمارس لعبة الضحك على الدقون والاستخفاف بإرادة الشعب والسخرية من المنطق.

ومن علامات الضحك على الدقون أن أمريكا، كوصي تقليدى على مصر، راحت ترسم شعورا وجدانيا في أذهان الناس بأنها تدعم التيار الإسلامي لحكم مصر، وأنها صاحبة الفضل في توصيل الإخوان لحكم هذا البلد، وخرج محللوها الفضائيون المصريون يزيدون ويزبدون عن علاقة التيار الإسلامي، لا سيما الإخوان المسلمين بأمريكا، ويروون القصص التي ترقى لمرحلة "الأساطير" عن شرود الإخوان عن التيار الوطني وارتمائهم في الحضن الدافئ لأمريكا، منفذين لأجندتها محققين لطموحاتها في المنطقة.

والغريب أن من يروجون لمثل تلك الأقاويل يضربون عصفورين بحجر واحد؛ فهم يهاجمون الرئيس مرسي ويجردونه من أدوات مقاومته للهيمنة والتبعية الأمريكية، وكذلك يدافعون عن مبارك ونظامه ويصورون للناس وكأن مصر مبارك كانت تقف في صف "دول الممانعة" لأمريكا وليس الموالاة والانبطاح لها، وأن مبارك كان يقوم بدور الصقر المدافع عن البلاد وليس العراب الصهيوني الذي يسلم بلداننا العربية دولة تلو الأخرى لأمريكا وإسرائيل.

ونحن نسأل مرددي مثل تلك المغالطات: هل كانت مصر دولة حصينة عن التبعية لأمريكا وإسرائيل قبل مجئ مرسي؟ وإذا كانت حصينة.. فلماذا اتهمنا مبارك بالعمالة لإسرائيل أثناء الثورة وهي اعتبرته كنزها الاستراتيجي؟ وكيف نفسر قراراته الخارجية والداخلية التي لا تعد ولا تحصى، والتي تصب في إطار الاتساق التام مع مطالب أمريكا وإسرائيل؟ وإذا لم تكن حصينة.. فإلى أي مدى تغلغل النفوذ الصهيوني في مفاصل الدولة وأجهزتها على مدار ثلاثين أوأربعين عاما؟ وما الجديد الذي طرأ على هذا النفوذ في عصر مرسي؟ وما مدى تمكن مرسي من السيطرة على أجهزة الدولة في الأشهر التسع الماضية؟ وما العلاقة بين الاضطرابات التي تشهدها البلاد الآن ومحاولة الرئيس تحطيم تابوهات الأجهزة وفك طلاسم الاختراق؟ وهل إذا رحل مرسي عن الحكم ستنفلت قبضة أمريكا عن مصر؟ وما هي الدلائل؟ وما هي الضمانات؟

المدهش أن من يتهمون التيار الإسلامي الآن بالأمركة هم في الواقع من ظهرت عليهم علامات "العفريت" وليس التيار الإسلامي، وهم من تنفذ الولايات المتحدة الأمريكية من خلال بعضهم، أجندتها في مصر لاسيما في منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وهم الأقرب لها ثقافيا واجتماعيا.

ولعله ليس من المصادفة أن يحمل هؤلاء نفس المبادئ والشعارات البراقة والفضفاضة التي تختبئ خلفها الإمبريالية الأمريكية خاصة والغربية عامة مثل حقوق الإنسان والمرأة والطفل والأقليات، وهي في الواقع شعارات معتبرة ولها تقديرها، إلا أن التجربة أثبتت أن أمريكا ما رفعت قط تلك الشعارات ضد أي نظام حكم إلا وكانت هي أول من انتهكها في شعبه ودمرته تدميرا، ولنا في النساء المغتصبات والأطفال اليتامى والأقليات المضطهدة في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال وحتى فيتنام عبرة.

ومن هنا فنحن لا نستغرب الهجمة الغربية الشرسة على مجلس الشورى ومحاولة إرغامه على الإبقاء على ثغرة شرعنة التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني. ولا نستغرب أيضا أن يهب أصحاب "بوتيكات" المجتمع المدني بمحاولة لي ذراع لمجلس الشورى الذي يرفض إضافة هذه المادة في القانون، وكيل الاتهامات له بأنه غير شرعي وغير وطني ولا يعبر عن المجتمع المصري وغيرها، كما يتهمون الرئيس الدكتور محمد مرسي بأنه يمارس "ديكتاتورية" ويقمع الحريات والأقليات والمرأة.

وها هي الدكتورة فايزة أبو النجا -ونعرف جميعا من هي- تصرح للأهرام العربي في 22 ابريل الجاري بأن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت نشر الفوضى والاضطرابات ووسائل إعلام في مصر بـ 150 مليون دولار -حوالى مليار جنيه مصري-. ولعل تصريح وزيرة التعاون الدولي السابقة يفضح أصحاب هذه البوتيكات الحقوقية، بل ويفتح الباب للنظر على السلوك السياسي الذي تتبناه المعارضة المصرية ككل، لا سيما تلك التي اتخذت من "المولوتوف" شعارا لها ولم تبرع في شيء سوى فن الرفض والانتقاد، ورؤية النصف الفارغ من الكوب والتركيز عليه والتشهير به ومحاولة سكب النصف الممتلئ.. أليس ذلك من قبيل الضحك على الذقون؟

أليس تدليسا أن تتحدث بعض أحزاب المعارضة عن ديمقراطية الانتخاب، وحينما يفوز من لا تهواه تنقلب على المبدأ وترفع شعار "الحكم الائتلافي"؟ وحينما يجدوا من يدعوهم للحوار حول سبل تحقق هذا الحكم الائتلافي يطلبون منه ألا يدعوهم للحوار قبل أن ينفذ شروطهم الهلامية غير المبررة.. ألا يعد ذلك إهانة لإرادة الشعب حينما ينتخب "زيدا" ليرأسه فنجد الساسة فرضوا عليه معه "عبيدا"؟ وإلا فسيف الإعلام المنحاز مسخر على رقاب من يرفض دفع الإتاوة، ويكاد يثق في أنه سيصنع تحولا في وعي "الأغلبية المغيبة" ويضمهم للقتال في صفه.

وليقل لي أحدهم.. هل يستدعي أمر بقاء النائب العام الجديد المستشار طلعت عبدالله أو استقالته كل هذا الضجيج وتعالي الصيحات والامتعاضات المفتعلة، وكيل الاتهامات غير المنطقية ضده، وهم من صبروا عشرات السنين على المستشار عبد المجيد محمود ويعلمون يقينا وليس شكا أو احتمالا – نظرا لكون معظمهم صحفيين - أنه فاسد حتى النخاع أو يزيد، وحال سبيلهم يقول "أسد على وفى الحروب نعامة" فأين كانت حساسيتهم ووطنيتهم تلك طوال السنوات الظلماء التي عاشتها مصر أم أن ظلام تلك السنوات كان نتاجا لتحالفهم مع فساد المخلوع؟

كيف يطالبون الرئيس بالقصاص للشهداء وحينما يشكل لجنة تقصي حقائق يسارعون بتسميتها لجنة مرسي الإخوانية لطمس الحقائق، وحينما يرفعون الصوت بتطهير القضاء وإقالة نائب عام مبارك، ويستجيب مرسي لمطالبهم يقولون أخونة القضاء وحينما يمارس التطهير في الشرطة يقولون أنه يأخون الشرطة.. وهلم جرا. يزعمون إيمانهم بحرية الاعتقاد ولكنهم يتباكون بكاء التماسيح تضامنا مع التيار السلفي الذي تصور أن التقارب المصري الإيراني يعني "تشييع مصر"، بل إن هذا التقارب كان مطلب للتيار الناصري منذ عدة سنوات، ولكن لا مانع من تغيير البوصلة مؤقتا وإذكاء نار الخلاف طالما كان الأمر يعني انقساما في التيار الإسلامي.. فأين أنت يا حمرة الخجل؟

لا يهمني من يحكم ولا مرجعيته الفكرية طالما الجميع مصريون وطنيون، فقط يهمني فيه أن يأتي بطريقة عادلة وبإرداة شعبية حقيقية، وأن يضمن الاستقلال الوطني، ويعمل على نهضة البلاد ويحقق العدالة فيها.