نبوءة الذبول..!

د. سمر مطير البستنجي

نبوءة الذبول..!

د. سمر مطير البستنجي

وتبدّى الهَرم  في وجه العمر حقيقة لا وهما...

وعلى تلال العمر الخَرِف تسلّق الهدّال  وامتدّ زحف الصبّار...

امتدّ مشرعا كفّيه للسماء بدعوة الختام وتراتيل الأفول، وانبرت أشواكه للصيد..و النخلات من بعد بأسٍ شديد قد بُترت سواعدها وتكسّرت أظافرها وتقوّس ظهرها.. ولاحت الشمس في الأفق المائل للغروب باردة خالية من روح البريق ، تحمل بيدها سكينا مثلوما جلست تقشّر به فاكهة الصِبا وتنزع بلا رحمة جلد القمر قبيل الظهور . وهلّ  الليل مسودّا كئيبا قد أرخى سدوله على فيوض النور فاعتصر الضياء ..وعيون النجم غائرات في جسده البارد المريض تذكّر بانطفاء الضيّ في الجسد الرُّفات..

ريح هوجاء تمور وتمور ،مزمومة الشفاه  تزفر غيظا وسَموم ،وبيدها ممحاة شرعت تمحو بها شرقيّ الضحكات وترتّب غربيّ التجهّم والشتات، تنقش على أضيق مساحات الوجود ملامح أجساد "أكل عليها الدهر وشرب" ، تنقر وبلا رحمة رأس يمامة بيضاء اتخذت الفضاء معبدا.. فراحت تلوك سجعها الخافت وتنتف بقايا الريش العالق بلهفة البقاء .. ثم تجدّ السير لتفقأ عين  الضحى وتبتر سيقان ذلك  النميرٍ العابرٍ بسلام الى بحر الحياة..

وتبدّى وجه الكون مصفرّا ،عليه من وصوف العجز علامة.

وتدانى الوقت من  عقارب الزوال ،

تدانى..

ليلوي الزمان ذراع البقاء..فنمضي مهزومين بشيخوخةٍ ملأى بتجاعيد النفور..نهذي بحمّى الرحيل ووباء الضياع..نحمل دواوين الماضي المسروجة بقوافي الفقد وتلاحين الشجن المسكوبة فواصلا في بحور الملح... مستسلمين رافعين رايات بيضاء مهترئة ، بها من ثقوب الفقر بعضا، ومن صفرة العابرين لونا..وعليها من بصمات الموت علامه.

ما أبشع عبوس الكون، وما أمرّ حنق الخريف على فتوّة الربيع ودلال الضُّحى..!

فلِمَ كل هذا الحنق أيها الكون على وسامة الصِبا ولون البياض، ما ذنب زهر اللوز ، ولمَ أنت تسعى لتطفيء الأمل المتبدّي لهفة في عيون العاشقين، وعلام تهزّ عروش الياسمين وتصفع  وجه الصباح النديّ وتسفك دماء النُعمان.. ؟

 

أهي نبوءة  التردّي والكهولة والضّجر...؟

غير أن عشق الخلود فينا ما انفكّ يطمس ملامح  النبوءة  بمساحيق خدّاعة   تواري  ذبولها ..ويناور، يناور من أجل  البقاء...

ونبقى هائمين على وجه الحياة غرورا..حتى يعلن الكون ميلاد النبوءة الأخيرة لنقرّ بالنهاية ... لنصدّق أن لا شيء أبديّ الطابع والطالع..

لا شيء أبدّي الطابع والطالع...

لا شيء أيتها النفس الأمّارة بالخلود..

لا شيء..