إنها تاج رأسي

إنها تاج رأسي

ابتهال قدور

[email protected]

وفي أدبيات الملحمة السورية العظيمة، أنهم عذبوه وسحلوه ، وفي لحظة ما بين الحياة والموت...خيَّروه : قد نرأف بحالك إن أنت وهبتنا زوجتك...

لم يستوعب عقله أن يُطلب منه أمر كهذا، عادة تُغتصب النساء في الحروب اللاأخلاقية، تنتهك الحرمات كلها بلا استئذان، الاستئذان هنا ليس تأدباً، إنما هو إمعان في الإذلال، أو قلْ : في محاولات الإذلال، وكسر النفس...

خياران أحلاهما مرُّ؟؟ هو ذاك، في مفهومي ومفهومك، كبشر عاديين، لكنهما ليسا خيارين عند ذلك الإنسان الملائكي، إنه قرار، قرار قاطع لا جدال فيه، قرار لايحتمل تردداً : إنها تاج راسي!!!

لكن تلك الزوجة المكلومة، والمغبوطة من حقائق اللحظات الحاسمة، هي أشد رفعة في نفسه وذهنه من تاج الرأس...فقد يُلقى بالتيجان إلى قمامات العالم نجاةً بالروح والنفس...قد تتدحرج التيجان بحجارتها الثمينة إلى أشد المنحدرات انحطاطاً، فداءً لِحياة، أيًا كان وجه هذه الحياة...لكنه ما علم تشبيهٌ لها خيراً من أن تكون في أعلى بقعة، وأكرم بقعة منه...

إنه في لحظةٍ قَلبُهُ فيها "هواء" ، لكنه أيضاً مُعَلَّق بِهواء كَلمَتِه، تلك التي سترتقي به ليعلو مكانة الملائكة، في إثبات وتصديق للقضاء الإلهي الأعلى بسجود تلك الملائكة لإنسانيتنا...

هذا الشّمم البشري هو النخبة التي لأجلها سجدت الملائكة، قد يَسأل سائل:  كيف وقد كان السجود لآدم كُلاً؟ لا غرابة ، ولا تعارض... فالسجدة إذ لم تكن لتلك النخبة المقصودة من البشرية، فقد كانت للنفخة الإلهية المودعة فيها..

 أولئك الأشرار الذين لا يمتلكون من عظمة الآدمية إلّا النفخة الإلهية في تكوينهم، حين خيَّروا ذلك "الإنسان"، بخيارهم الشيطاني... سَمِع هو نداءاً آخر: الآن كن إنساناً ، أو كن هباءً منثوراً، الآن أثبِت للكون أن عذابات الجسد الغائر في الطين الأرضي هي عذابات باقية لاشفاء لها طالما كان الطين يحتضنها، هي عذابات تتوارثها الأجيال ذلاًّ ومهانة، ورأساً مُنكَّسة، لكن تلك الآلام سرعان ما ستنقشع  في الأعالي، فحاضنة الألم الجسدي أطيان، لكن حاضنة بهجة ونشوة الروح فردوس علا مكاناً و مكانة...والثمن كلمة...كلمة واحدة يا رجل... يا رجلاً أحيا من بعده كل نساء العالم...حين أعلنهن تيجان عزّ وفخار على رؤوس الرجولة، حين أعلنهن تيجان غار لا يزول أريجه على قمم النخوة والشرف...

أيحقُّ لي أن أُمنَح هذا الشرف؟ امنحني هذا الشرف، ضمَّني إليك مجازاً ، واعتبرني أمّاً لأبنائك ... أبناء سوريا العظيمة، ولا تُسلِمني ، ولا تُسلِم أرضي ، ولا تبع شرفي...

آآآه يا صديقي... لو تعلم كم أنا بشوق لهذا العنفوان، حُرِمَت الأمة هذا العنفوان، وحُرِمتُه أنا الأنثى، حتى جاء ذلك اليوم الذي كان يومك بلا منازع...إنه يوم لك من أيام الزمان، خاطَبَتك فيه روحي: أن لا تبتئس ولا تحزن، فعهد النبوّة يعود بمعانيه وروحه على أرض الشام...فأن يقال لها: "ابنة عمي وتاج رأسي" لحظة الانتقال إلى الرفيق الأعلى يوازي قيمة ومعنى - في مفهومي- تلك الوصية الخالدة في كلماتها الأخيرة: " النساء النساء...وما ملكت أيمانكم"...

فأين مني - أنا السورية - امرأةٌ في العالم اليوم تكون ابنة العمّ وتاج الرأس لرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة...؟! نعم أنا السورية الشمّاء أجدُ اليوم فخراً بانتمائي إلى رجولة أحيتني لحظة أن اختارت لنفسها موت الكرامة....