إنهم يخدعون ...

منذ بدايات الثورة وهم يضعون الأعذار سلسلة..

ـ حماية الأقليات..

ـ الإرهاب

ـ السلاح الكيماوي

ثلاثية تناقلوا في ترتيب أولوياتها وتصديرها كشروط لأي تغيير..

مرة يصبح شعار حماية الأقليات هاجسهم الأول، يبحثون عن ضمانات وضامنين، وشروطاً يريدون توفيرها.. وكأنها تسبح في محيطات مستوردة لا علاقة لها بطبيعة الشعب السوري، وجوهر أهداف الثورة ومبرراتها، وشعاراتها التي ملّت التكرار فيها عن الشعب السوري الواحد، والحرية والكرامة والعدالة.. والتعددية، والدولة المدنية الديمقراطية.. وأنها هي الضمانة للأقليات والأكثريات وللجميع.. وأن الشعب السوري لو تُرك لوحده لعرف كيف يرسّخ التعايش والتسامح : ديدنه، وكيف يواجه عمليات التشويه والجرجرة على حرب مذهبية يرفضها، وكيق يصون ويحرص على وحدته المجتمعية والكيانية والسياسية، وكيف يطبق مبادئ ومفردات العدالة الانتقالية بحق من أجرم، وقتل، ومارس الإبادة، وتكريس مبادئ المصالحة والعفو بين جميع الفئات والمكوّنات . كان ذلك قبل وقت طويل من طغيان ظاهرة التسلح، وما عرفته من تحولات لاحقة ..

ـ حين كانت الإجابات تغلق منافذهم.. كانوا يصدّرون شرطاً آخر، أو يقومون بمناقلة في الأولويات.. وقد احتل السلاح الكيماوي المرتبة الأولى ردحاً من الوقت، وبإلحاح على قوى المعارضة لتقديم" ضمانات" لا تملكها حول وضع اليد عليه وتدميره.. دون قابلية للاستماع إلى وجهة نظر موضوعية حول المطالبة بنزع كافة أسلحة الدمار الشامل من المنطقة، وحول ما تمتلكه "إسرائيل" الاغتصابية من شتى الأنواع، بما فيها النووي وغيره، وأن هناك أرضاَ سورية محتلة، وأن ذهن السوريين مفتوح، وفي إطار الجامعة العربية لمناقشة ملف الأسلحة الاستراتيجية في عموم منطقتنا..حتى كانت الصفقة، الاتفاقية مع نظام المقايضة والفئوية.. التي تشير الكثير من الدلائل على أنها لم تقتصر على المعلن فيها.. وأنها قد تناولت مجموعة من القضايا، والحصص، بما فيها دور إيران وقادم نفوذها في بلادنا ..

ـ بعد الكيماوي.. نبع الإرهاب شعاراً وواقعاً يطرح عديد المجاهيل الثقيلة عن ذلك البروز الصاروخي . عن الأطراف التي دعمته . عن التواطأ وإغماض العين عمّا كانت تفعله الداعشية وهي في بدايات تغولها وتمدمدها، وما وجّهته من حروب للجيش الحر والقوى الاعتدالية المحسوبة على الثورة، والتي عانت الاختناق والاحتباس في السلاح، والدعم، والحدود الدنيا، إلى أن ضاقت بها السبل، وتراجع كثيرها، أو استشهد، والبعض التحق بمن يوفر له المأكل والسلاح..إلى أن اصبح الإرهاب واقعا يعوم في مناخات مناسبة، وأهمها ما تقوم به القوى الطائفية الرسمية والمليشياوية في العراق وعموم المنطقة، وصولاً إلى التدخل العلني، والكثيف في سورية، وعدد من الدول العربية، واحتلال عدة عواصم عربية، والتغلغل في مناطق أخرى..إضافة إلى سياسة الإدارة الأمريكية في اقتصار حربها على داعش دون النظام المجرم، وما يوفره ذلك من بيئات تخدم "الدولة الإسلامية" ..

ـ ورغم أن مليشيات " الحشد الشعبي" المرسّمة من الحكومة العراقية تمارس شتى أنواع الإبادة، وأعمال الإرهاب الموصوفة..إلا انها تلقى الدعم الكامل، هي وحكومة المحاصصات الطائفية، بينما تصرّ الإدارة الأمريكية ـ حتى الآن ـ على توجيه كل الجهد، والحرب، وقوى" التحالف الدولي" ضد" الدولة الإسلامية " وفقط.. وترفض ـ في سورية ـ أن تعامل النظام كقوة إرهابية عاتية.. وحين أرادت" تشكيل" وتدريب بعض الأفراد ضمن مخططها لتشكيل قوات عسكرية سورية قصرا على " المعتدلين" والموثوقين جداً كان شرطها الجلي : أن تحصر مهمتهم في مواجهة داعش وحسب.. الأمر الذي أسهم في تقويض هذا المشروع الأعوج، ورفض عديد الانضواء فيه، ناهيكم عن كل ما يحكى من معلومات حول مناقلة أمريكية باتجاه دعم " البيدي" الكردي، وتمكينه من التقدّم في الحسكة وتل أبيض وبعض المناطق، وما يثيره ذلك من تأجيج الصراع بين العرب والأكراد، وخلق مناخات التوجّس والحذر، وسط حكايا كثيرة عن عمليات التهجير، والإبعاد والقتل.. ونوايا إقامة كيان مستقل، بالوقت الذي ما تزال الإدارة الأمريكية ترفض إقامة المناطق الآمنة في الجنوب والشمال، وتضغط على الحكومة التركية لمنعها من المبادرة في هذا الشأن ..

ـ وحتى اليوم.. تترامى الأعذار التي تلبس أصباغاً مختلفة عن الخوف من مرحلة ما بعد الأسد.. وأن الإدارة الأمريكية، ومعها بعض الدول الأوربية، متخوفة جداً ليس من الفوضى، والفلتان، والثأر، وما قد يحدث للأقليات من " إبادة" وتهجير وفقط ؟؟....بل من عدم وجود بديل في المعارضة ؟؟...وكأنهم بذلوا جهدهم فعلاً، وكأنهم قدّموا الممكن، أو حرّكوا المجتمع الدولي لفرض حلّ سياسي يلبي مطامح الشعب السوري ويوقف براميل الموت، وغاز الكلور، والقصف بالأسلحة الثقيلة ؟؟..

ـ والنتيجة : إبقاء النزيف السوري إلى مدى مفتوح..ومزيد من الدمار والمقتلة . ومزيد من الخندقات الطائفية المسلحة بأنياب الاقتتال، والتشويه، ومحاولات حرق الثورات العربية، وتصويرها كفعل طائفي، وتخريبي، وإرهابي، وتقسيمي.. ودماري..

ـ الكل يعلم علم اليقين والتجارب الموصوفة..أن الأمر لا علاقة له بكل هذه " الأعذار" بل يوجود مشاريع ومخططات ومصالح كبيرة واستراتيجية تتناول الوطن العربي برمته وإغراقه بالحروب الداخلية ـ على أكثر من مفجّر وشكل ـ ثم رسم خرائط جديدة له تلوح بعض ملامحها في الواقع الذي يُراد فرضه على الأرض، وفي تسريباتهم الكثيرة، وعمليات جسّ النبض، وحفر الخنادق الحدودية داخل المجتمع والبلد الواحد.. ومنه إلى عموم الوطن العربي..

ـ وكي لا تبدو اللوحة شديدة القتامة، وكي لا ندخل أقفاص التيئيس، او الانزلاق إلى ما يريدون بوعي، او بالنتيجة.. فهذا الذي يُخطط له ليس قدراً لا فكاك منه، أو أمراً واقعاً سيفرض بالقطع.. ذلك أن الأمة تملك كثير وسائل الرد، والشعوب العربية التي ثارت على الخوف، والخضوع، والاستبداد غنية بمختلف مقومات مجابهة ما يُراد.. خاصة عندما تعي قوى المعارضة أهمية توافقها على القواسم المشتركة، والارتقاء إلى مصلحة الوطن المهدد واعتباره الجامع والموحد، وعندما تبدأ خطواتها العملية لاسترداد القرار الوطني وترسيخه ببناء ميزان قوى على الأرض يناغم بين السياسي والعسكري، ومجمل العوامل الأخرى، ويتجه نحو صياغة مشروع حداثي، ديمقراطي عربي.. يرسي أسس بناء مجتمعات تعددية حرة تحقق العدالة والمساواة بين جميع الفئات والمكوّنات على أساس المواطنة.. وأولها المساواة بين الرجال والنساء، ومختلف الانتماءات القومية والإثنية، والدينية، والمذهبية، والسياسية وغيرها..

وسوم: العدد 624