أنا والغريب على ابن عمّي

عبد السلام السلامة

يقول البدوي : " أنا وأخوي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب". منطق خارج القانون، عندما يكون ثمة قانون عادل يحتكم إليه الناس. إلاّ أنّه منطق عقلاني جداً عندما لايجد المرء من يحتمي بهم إلاّ إخوته، ثم أبناء عمّه، ثم قبيلته ثم عشيرته ثم حلفاءه من العشائر الأخرى.

اللاّمعقول ، فيما نراه ونسمع عنه، أن يتقوّى الإنسان العاقل على أهله وأقاربه بالغريب ، الذي لايعرف حتّى اسمه ولا بلده، فضلاً عن أن يعرف حقيقة أمره .

 اختلف شباب في مقتبل العمر من أبناء عمومتنا. فاستعان بعضهم بجماعة مسلّحة غريبة عنهم لا يعرفون عنها إلا اسمها وألقاب بعض أفرادها وألوان عيونهم. حتى وجوههم لايرونها! ، فانتصروا على أقاربهم. الآخرون لم يسكتوا على ضيم !، ولم يرضوا أن تنكسر عيونهم أمام أقاربهم، فاستعانوا بجماعة أخرى، أشد وحشيّة من المجموعة التي استعان بها أقاربهم عليهم، فانتصروا على أقاربهم.. وكانت العاقبة أن أصبح الجميع تحت رحمة داعش !

 في أحدى البلدات الصغيرة قرب حلب، لا يكاد يمرّ أسبوع دون أن تتعرض البلدة لهجوم بطائرات النظام التي ترمي فوق أهلها البراميل، أو تقصفها بالصواريخ. ومع هذه فلا يكاد يمرّ أسبوع دون أن تتعرض البلدة لهجوم من داعش؛ انتحاري يقود سيّارة مفخخة، أو انغماسي يحمل حزاماً ناسفاً.. ومع كل هذا ، لايكاد يمر أسبوع حتى ينشب قتال بين أهالي البلدة بسبب خلاف على زعامة أو منصب إداري.. كل أهل البلدة مرعوبون من أن تدهمهم داعش في أي لحظة من اللحظات. ولكنّ رعبهم لم يدفعهم لكي يتعاونوا على الدفاع عن بلدتهم ودمائهم وأعراضهم. صراعاتهم على المكاسب التافهة والمناصب الرخيصة تمنعهم من ذلك !.

 النظام المجرم ماكان له أن يستمر مع كل ما ارتكبه من فظائع، إلّا لأنانية وجشع وجهل وغباء وتخلّف من يقودون المعارضة.. أو على الأقل، زعماء الكتل الفاعلة في المعارضة.

وداعش لم تنتصر بمنطقها و فكرها، ولا بشجاعة رجالها، ولا بدهائهم، ولا بإنسانيتهم.. داعش انتصرت بغباء وحسد وحقد وأنانية من يفترض فيهم أنهم ثاروا على الدكتاتور المجرم لنيل حريتهم وكرامتهم.

المجتمعات التي تنمو وتستفحل فيها داعش ومثيلاتها هي المجتمعات المفكّكة الممزّقة الجاهلة الأنانية. وهي ذاتها المجتمعات التي يستطيع نظام إجرامي طائفي عائلي قذر أن يستعبدها، بسبب تفككها وتمزقها.

نقطة البداية في الإصلاح هي العودة إلى قانون المنطق السليم الذي طبقه البدوي، من أجل البقاء ، عندما كان بعيدا عن القانون، في صحرائه القاتلة "أنا وابن عمي على الغريب" ، ريثما يعود قانون الدولة فيأخذ دوره في إعادة قوة المجتمع. وعندما نبدأ بتطبيق القانون الأول، قانون المنطق السليم، فإن الانتقال إلى القانون الثاني قانون الدولة والمجتمع السليم سيكون أسرع وأقل تكلفة من مآسي الجنون الذي أصابنا.

وسوم: العدد 629