(مصر دولة فرانكفونية) يا مغفَّل!

منذ مطالع التسعينيات؛ ما تولَّى وزير جديد حقيبة الثقافة المصرية؛ إلاَّ وقامت الدنيا عليه، واشتعلت نيرانُ الغضب، وارتفعت أمواج السخط دون توقف!

  لكن الحقيقة؛ أنَّ (الوزراء) معذورون، والرأي العام معذور أيضاً ...!

 لأنَّ (الطرفيْن) جاهلان بحقيقة مهمة مؤداها؛ أنَّ مصر عضو في (منظمة الفرانكفونية) التي وصفها عالِم اللغويات؛ المفكر اليهودي/ أفرام نعوم تشومسكي Afram Noam Chomsky -أحد خريجي جامعة بنسلفانيا، والأستاذ بمعهد ماساشوست- بأنها "سياسة فرنسية رسمية استئصالية، ك"الغلوتومابيا" أوْ الافتراس اللساني، وبأنها تضرب في صميم الكياني الوجداني  والنسيج الثقافي للمجتمعات التي تستهدفها، وهي تدافع باستماتة عن الفرنسية وثقافتها، في الوقت التي لا تألو جهداً في اقتلاع اللغات الأخرى وإزالتها".

  في تقديري؛ أنَّ هناك ثلاثة أخطاء عالقة بكاهل وزير الثقافة، لابدَّ من توضيحها للرأي العام، حتى لا تختلط الأوراق، وتختلط الأنساب، وتتشبَّه الأَمَة بالحرة!

*   *   *

الخطأ الأول لحضرة الوزير: أنه كان من الواجب عليه أنْ يعلن: أنَّ "مصر" عضو في (منظمة الفرانكفونية) وأنَّ شروطها كذا وكذا، ومتطلباتها كذا وكذا ... حتى لا تغيب الحقائق، ويُلْعن الوزير، واللِّي جاب الوزير!

   ولا أعتقد أنّ حقيقة (الفرانكفونية) غائبة عن حضرته! لاسيما أنه أحد مريدي الأستاذ/ حسنين هيكل؛ أقدم عميل أمريكي -كما يقول عنه مايلز كوبلند في كتاب لعبة الأُمم، وأنه كاهن الناصرية الأكبر –كما يُسمِّه جلال كشك! فقد وصف هيكل (الفرانكفونية) بأنها "تيار غريب طارئ، مناوئ للثقافة العربية ومعادِ للثقافة الإسلامية"!

*   *   *

الخطأ الثاني لحضرة الوزير: أنه لمْ يعلن للناس عند تولِّيه المنصب –كما يفعل الوزراء في أكثر دول العالم، أنه أحد المدافعين عن الشيوعية، وآخر الماركسيين المخلصين! 

  لكن؛ ربما تكون حجته في هذا؛ أنه لمْ يكتم توجهه الفكري والعقائدي في يوم من الأيام. فقد أعلن ذلك صراحة في كتابه (الأزهر- الشيخ والمشيخة) الصادر سنة 2012م عن سلسلة مكتبة الأسرة، التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ففي كتابه هذا؛ أعلن عن كراهيته للإسلام صراحة، وصبَّ جام غضبه على الأزهر وشيوخه، واتهمهم بأنهم "شيوخ سُلطة"! ولمْ يسلَم واحد من لسانه، وقلمه الهزيل، وقد نال الشيخ (جاد الحق) نصيب الأسد من الأحقاد والإفتراءات! كما هاجم الإمام (عبد الحليم محمود) بضراوة، بسبب كتابه "الشيوعية والإسلام" متهماً إياه بأنه ألَّف (الكتاب) مرضاة للرئيس السادات الذي كان عنده فوبيا من الشيوعية –على حد قوله!

 ولا أدري كيف ينسى –سامحه الله- أنَّ "عبد الناصر" كان أشد قسوة، وأكثر كراهية للشيوعيين من "السادات" ... لكن يبدو أنَّ (حضرته) تشابه عليه البقر!

 كما نسي (حضرته) أنَّ كتاب "الشيوعية والإسلام" تمَّ نشره وتوزيعه قبل أنْ يصبح السادات رئيساً بعشرين سنة!!

*   *   *

الخطأ الثالث لحضرة الوزير: أنه لمْ يعلن صراحة؛ أنه كاره لمصر –مثل كراهيته للإسلام- وجاهل بحقيقة مصر وتاريخها ...!

      لكنه كشف عن جهله الفاضح؛ عندما صرخ قائلاً: (مصر دولة علمانية)!

أدري؛ أنه لا يدري خطورة هذه الكلمة؛ التي أوحى له بها شياطين الفرانكفونية الرجيمة!

   حنانيْك –يا مسكين- وأعِرني سمعك؛ كيْ أرد إليك عقلك الذي سلبه منك تجار "الفرانكفونية"!

 إننا لوْ سلَّمنا بزعمك (مصر دولة علمانية)؛ فإننا نكون قد ألغينا أيّ فضيلةٍ لمصر عبر التاريخ. وهدمنا ماضيها ومستقبلها، وحققنا أطماع أعدائها الحضاريين، وخصومها التاريخيين؛ بدءاً من أسلافك الهكسوس حتى رفاقك الشيوعيين!

وأهم من ذلك كله؛ نكون قد تنكَّرنا لأنبياء الله، ورسالات السماء التي شهدتها مصر منذ نبيّ الله (إدريس) أول منادِ للإيمان على ضفاف النيل، أيْ قبل (نوح) بأربعمائة عام –كما جاء في العهد القديم!

  فمصر شهدت (التوحيد) وعرفت الإيمان بالله الواحد منذ بدء الخليقة، وليس من عهد "إخناتون" كما يزعم الكتَّاب والمؤرخون؛ الجاهلون التائهون الحاقدون المغرضون!

   إنَّ الملك "إخناتون" كان من ملوك الأسرة الثامنة عشر –كما أجمع على ذلك الأثريون في الشرق والغرب، دون أن يختلف واحد منهم على هذا الرأي- بينما كان (يوسف الصدِّيق) وزيراً لملك الهكسوس في إحدى (الأسرتين: الخامسة عشر، والسادسة عشر) فقد كان مُلك الهكوس لمصر ما بين (1570- 1720 ق.م). أمَّا حكم الأسرة الثامنة عشر –التي منها إخناتون- فقد جاء بعد ذلك. ومعروف أنَّ (يوسف الصدِّيق) كان نبياً للمصريين، وقد أعلن لهم عن دعوته للتوحيد –كما سجَّل القرآن الكريم ذلك في مواضع عديدة، منها، قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْن أَأَرْبَاب مُتَفَرِّقُونَ خَيْر أَمِ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:39- 40]. وقوله سبحانه: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ﴾ [يوسف:37- 38].

 أقول: إذا كان (يوسف الصدِّيق) نادى بالتوحيد قبل إخناتون بأمدٍ طويل؛ فكيف يكون "إخناتون" أول من دعا إلى التوحيد في مصر؟! فضلاً عن أنَّ إخناتون" كان يعبد قرص الشمس!

  هلمُّوا نستمع إلى دعاء (يوسف الصدِّيق) صلوات الله عليه وسلامه: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:101].

  ولمْ يكن الفراعنة غائبين ولا جاهلين بدعوة يوسف للواحداينة، بدليل تذكير (مؤمن آل فرعون) لهم بذلك؛ في استجوابه الشهير الذي قدَّمه لمجلس العموم، وقد سجله القرآن كاملا، في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾[غافر:34].

*   *   *

ألاَ تستوقف هذه الآيات البينات؛ أولئك الذين يتصدَّون لكتابة التاريخ؟!

 ألاَ تستوقِف هذه الآيات المحكمات؛ هؤلاء الذين يثرثرون في وسائل الإعلام، وإخوانهم الذين يضعون مناهج التعليم، وإخوانهم الذين يجلسون على مقاعد الوزارة، ويتسمَّون ب"المثقفين" في زمن الفرانكفونية، والعلمانية، والحداثة، ومسرح العبث، ومسرح اللامعقول!

 أخيراً؛ لستُ بصدد الرد على بقايا الماركسيين، وفلول العلمانيين اللادينيين؛ فهؤلاء، وهؤلاء لا يستحقون شرف الرد من هذا (القلم) الذي أوقفته لله، وبِعته للحق، ولا شيء سواه!

وسوم: 637