البخلاء

الشيخ حسن عبد الحميد

للجاحظ أديب العربية الكبير 

كتاب اسمه البخلاء 

كتب فيه بإسلوبه العظيم نوادر عن البخلاء ولو كان حيا ﻷضاف قصتي إلى كتابه .

أيام كنت في دمشق طالبا كنت أفتش عن مطعم رخيص فأدخله .. 

كنت من زبائن مطعم ﻻيكلف سوى 30 قرشا .. 

دخلت هذا المطعم وطلبت شوربة مع رغيف خبز ..

فجأة وقع نظري على ابن البلد الغني وغني جدا يعمل في دول الخليج .. 

أهلا فلان ..

 حدثتني نفسي أنه سيطلب لي وله أفخر اﻷنصاف .. صرت أتصور صحن المحشي .. وصرت أحدث نفسي باﻻوزي .. بالكواج ..

قلت : أبا فلان ماذا تريد ؟ ماطلبك ؟ .

قال هذا الصحن الشوربة يكفينا نحن اﻹثنين وبدأ يفت الخبز .. 

وتبخرت أحلامي وخرجت أنقد صاحب المطعم 30 قرش عن اثنين .. 

فقير وغني .. 

وافترقنا بعد أن ألح علي قال أنت غدا معزوم عندي ؟ .

لعله سيكفر عن فعلته باﻷمس .. 

دخلت داره الفخمة جدا .. وفي شارع فخم بدمشق .. وانتظرت الغداء .. 

وأنا أمني النفس باﻷلوان واﻷطباق ..

 لكني لم أشم رائحة الطعام .. 

والجوعان حاسة الشم عنده قوية ..

 ألم يقل المثل الحلبي الجوعان يرى السقطية في منامه ..

جاء الغداء وﻻ رائحة له .. 

صحن صغير يشبه صحون أقداح الشاي فيه بالعدد 6 أقراص عجة ؟ 

وحاملها لو أتى بخروف محشي لما أهتزت ميزانيته أبدا ..

بينما رآني في آخر سوق الحميدية الرجل الشهم الحاج سليم الراغب  

هو جد الدكتور عبد السلام الراغب وكان كريما مضيافا ..

 قال غداك معي اليوم ..

 أدخلني إلى قصاب شوى لنا وجبة من الكباب الفاخر المحشو بالصنوبر 

لو رآه عنترة ﻷلقى سلاحه وقعد ..

  شكر الله الكريم ابن الكرام ..

 وتمشينا إلى آخر سوق الحميدية وبيني وبينه في السن 35 سنة فقط رحمه الله تعالى .. 

ورحم صاحب الوﻻئم والموائد تكريما للعلماء والغرباء 

وصدق المصطفى عليه السلام علمنا هديه فقال :

( لجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل ) .

 - كان أحد البخلاء واسمه مادر قال لغلامه : أحضر الطعام وأغلق الباب ..

 قال الغلام : ياسيدي قل أغلق الباب ثم أحضر الطعام .. 

سر البخيل بمقولة غلامه فقال له : اذهب فأنت حر .

لم ذكرت اسم الكريم ولم تذكر اسم البخيل ؟ ﻷن البخل عورة يحب أن تستتر .

قال الشافعي : 

        وإن كثرت عيوبك في البرايا 

        وسرك  أن يكون  لها غطاء 

       تستر  بالسخاء  فكل  عيب 

        يغطيه  كما  قيل  السخاء

        وﻻ ترج  السماحة  من بخيل 

         فما  في  النار  للظمان ماء 

        ورزقك  ليس  ينقصه التأني

       وليس  يزيد  في الرزق العناء 

         وﻻ  حزن  يدوم  وﻻ  سرور 

          و ﻻ بؤس  عليك  وﻻ  رخاء 

اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل .. 

وأعوذ بك من غلبة الدين .. 

وقهر الرجال .. 

اللهم آمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. 

والبخيل من ذكر نبيه ولم يصل عليه .

وسوم: العدد 653