الآثار السلبية للهجرة إلى بلاد الغرب على البلاد العربية والإسلامية

استرعى انتباهي مقال  بأحد المواقع الإلكترونية نشر استجوابا مع روائية مغربية ألفت رواية تحت عنوان : " السراب الكندي " تعالج فيها مشاكل الأسر العربية والمسلمة المهاجرة إلى البلاد الغربية ، و تزامن ذلك مع مقال آخر بنفس الموقع نقل خبر انتقاد السفير المغربي بإيطاليا  لتجاهل أوروبا دور الحضارة العربية والإسلامية في تطورها ، فحضرتني فكرة آثار هجرة أبناء البلاد العربية والإسلامية عليها . فمن المعلوم أن الهجرة  في الغالب لا تحدث إلا إذا ضاقت سبل العيش بالإنسان في وطنه سواء تعلق الأمر بضائقة مادية أو بضائقة معنوية أو هما معا . ولا يهاجر الإنسان في الغالب إلا مكرها . ومن المعلوم أيضا أن تكون هجرة الإنسان إلى أوطان يظن أنه يجد فيها ما فقده في وطنه . وغالبية المهاجرين من البلاد العربية والإسلامية ينطلقون في هجرتهم من قناعة مفادها أنهم سيجدون عوضا عن أوطانهم وأهليهم ولسان حالهم وهم يفكرون في الهجرة أو يقدمون عليها قول الشاعر : ّ سافر تجد عوضا عمن تفارقه " . ومع مرور الوقت على هجرة المهاجرين من البلاد العربية والإسلامية  إلى بلاد الغرب  يتأكد تهافت قول هذا الشاعر، ويحصل وعي للمهاجرين بأنهم خدعوا  بهجرتهم ، وأن الفردوس الذي حلموا به في بلاد الغرب كان مجرد سراب كما جاء في رواية الروائية المغربية صاحبة رواية : " السراب الكندي " . وعلى غرار السراب الكندي توجد أنواع أخرى من السراب في كل بلاد الغرب . ومعلوم أن هجرة أبناء البلاد العربية والإسلامية بدأت قسرية حيث كانت الدول الغربية المستعمرة والمحتلة تهجر أبناء مستعمراتها لتسخيرهم في بناء مجتمعاتها، بل خاضت بهم حروبها خاصة الحربين العالميتين الأولى والثانية . ومباشرة بعد جلاء الاحتلال الغربي عن البلاد العربية والإسلامية، وقد خلف وراءه الفقر والبطالة...  بسبب سياسة نهب الثروات، وجدت شرائح عريضة من أبنائها  نفسها مضطرة بل مجبرة على الهجرة بسبب الفقر وسوء الحال  كما كانت  شرائح قبلها مجبرة  على الخدمة والجندية في بلاد الغرب  زمن احتلال بلادها . ولم تتغير دواعي الهجرة  وعلى رأسها الحاجة والفقر والبطالة بعد ذلك وإن كانت بعض الشرائح  قد أقدمت على الهجرة طلبا للرفاهية في بلاد الغرب  لا فرارا من سوء الحال لأن المجتمعات الغربية مجتمعات مغرية بمكتسباتها المادية بالدرجة الأولى والتي تسيل لعاب المهاجرين إذ قلما  تغري هذه المجتمعات المهاجرين بمكتسباتها المعنوية باستثناء ما يستهوي شرائح مستلبة بالغرب ، ومتنكرة لهويتها وحضارتها وثقافتها. ويمر المهاجرون بمرحلتين في هجرتهم :  مرحلة أولى هي مرحلة الارتياح والفرحة بعد نجاح الهجرة ، وهي هجرة دونها خرط القتاد كما يقال إذ لا تتحقق إلا بشق الأنفس وبإجراءات إدارية  في غاية التعقيد بحيث لا يحصل المهاجر على تأشيرة أو إقامة إلا بعد أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهو ما نتجت عنه ظاهرة الهجرة عبر قوارب الموت ، وقد حصد الموت آلاف الأرواح ، ولا ينجو منه إلا ذو حظ يبدو في البداية عظيما لكنه سرعان ما يصير في منتهى السوء . والمرحلة الثانية هي مرحلة خيبة الأمل بعد أن يجد المهاجر نفسه محاطا بمشكلات إن لم نقل معضلات ، فيصير حلمه بالعيش السعيد في الفردوس الغربي  عبارة عن سراب . وكثيرا ما يكون الحديث عن آثار الهجرة على البلاد الغربية ، وتوصف في الغالب من طرف الغربيين بأنها سلبية ،الشيء الذي تولد عنه شعور بالتضايق من المهاجرين نتج عنه سن العديد من قوانين  التمييز التي وجدت خصيصا من أجلهم، وهي لا تخلو من عنصرية واضحة المعالم . وقلما يكون الحديث عن الآثار التي تخلفها الهجرة في البلاد العربية والإسلامية . وأول هذه الآثار، وهي سلبية للغاية تشتيت  وتفكيك الأسر التي تصاب بداء الهجرة، الشيء الذي يسبب لها معاناة نفسية كبرى . وكثيرة هي الأسر التي فقدت الاتصال كليا بأفرادها المهاجرين خصوصا  المعيلين منهم الذين خلفوا وراءهم أزواجهم وأبناءهم، وقد وجد هؤلاء أنفسهم في وضعية الترمل واليتم ،وترتبت عن هذه الوضعية  مآسي التفكك الأسري الذي نتج عنه الانحراف والجنوح ... وأمراض اجتماعية مختلفة ، وهي ظاهرة تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية بسبب ظاهرة الهجرة إلى الدول الغربية. ومن الآثار السلبية للهجرة على البلاد العربية والإسلامية  أيضا شيوع ما يسمى الزواج الأبيض، وهو قران صوري اضطر إليه المهاجرون والمهاجرات من أجل الحصول على الإقامة في بلاد المهجر ، والحقيقة أنه زواج أسود لما له من انعكاسات سلبية خطيرة على الأسر العربية والإسلامية  حيث يقع المهاجر أو المهاجرة ضحايا الابتزاز بسبب هذا الزواج الذي يكلف مبالغ مالية طائلة ،ويخلف في المقابل آلآما نفسية مبرحة ، وجروحا غائرة في الكرامة العربية الإسلامية . وتحول الزواج الأبيض من قران بين أفراد المجتمعات الغربية وبين المهاجرين إلى قران بين المهاجرين فيما بينهم حيث يرتزق الحاصل على أوراق الإقامة بالراغب في الهجرة ، ويكون الثمن باهظا ماديا ومعنويا بما في ذلك ثمن الأعراض التي تنتهك ،والتي لا تقدر بثمن ، وهو أمر يؤثر سلبا على الحياة في المجتمعات العربية والإسلامية حيث تنشأ العداوات بين أفراد المجتمع الواحد بسبب هذا الزواج المهين الذي  غالبا ما يفضي إلى انحرافات حيث تصير الأعراض عبارة عن بضاعة تعرض وتباع  . وقد تدفع الفاقة والحاجة بعض الأسر إلى عرض أعراضها  المصونة ،وتعريضها للمهانة مقابل الهجرة والحصول على أوراق الإقامة في البلاد الغربية . ومن الآثار السلبية للهجرة أيضا فقدان ناشئة المهاجرين للهوية العربية الإسلامية حيث تستلبهم التربية والثقافة الغربية فتقطع صلتهم ببلدانهم ، ويخفت انتماؤهم الوطني، بل يتحول هذا الانتماء إلى ازدراء للأوطان والمواطنين ، فيصدر المهاجرون في كل تصرفاتهم في أوطانهم العربية  والإسلامية عن شعور بالاستعلاء على مواطنيهم والاستخفاف بهم  ، وينقل المهاجرون سلوكات الازدراء عن موطني بلاد الغرب التي يعانون من التمييز فيها ، ويصير هذا النقل عبارة عن انتقام من أجل الكرامة المجروحة ،ولكن ضحاياهم هم المواطنون في الأوطان الأصلية ،وليس في بلاد المهجر ، وهو ما يولد حساسية لدى هؤلاء المواطنين تجاه المهاجرين المستلبين ثقافيا ،بل ويجعل منهم مادة للتندر والسخرية بسبب ما يصدر عنهم من سلوكات غريبة عن بيئاتهم الأصلية . ومن الآثار السلبية كذلك انعكاس التفكك الأسري  للمهاجرين في بلاد المهجر على أوطانهم الأصلية حيث أثرت الحضارة والثقافة الغربية  في الذهنية العربية والإسلامية، فنتجت عن ذلك قيم غريبة على البلاد العربية والإسلامية حيث صارت المرأة المهاجرة  تحذو حذو المرأة الغربية ، وخرجت عن سلطة القوامة المنصوص عليها في الثقافة الإسلامية ، وصارت تمارس طلاقا لا عهد للمجتمعات العربية والإسلامية به ،خصوصا حين تجد  في الثقافة الغربية ما يشجعها على التمرد ضد  الزوج والثورة على الزواج حيث تنجح في  طرده من بيت الزوجية عن طريق استعمال الأبناء كدروع بشرية، الشيء الذي وصل تأثيره إلى البلاد العربية والإسلامية ، وصارت ثورة الزيجات على رباط الزوجية على الطريقة الغربية مؤشرا من مؤشرات التحضر لديهن ، والذي تنقله المهاجرات إلى مثيلاتهن في أوطانهن الأصلية ،ويرين فيه  تحررا وتقدما ونصرا كبيرا وفتحا مبينا . وتنتج عن تفكك الأسر المهاجرة آفات لا تعد ولا تحصى حيث تفقد ناشئتها الدفء الأسروي، فينعكس ذلك على تربيتها وسلوكها ،فتتحول إلى ناشئة ناقمة يستهويها العنف  للانتقام من وضعها الاجتماعي المضطرب . ويتمثل  نموذج هذه الناشئة الناقمة في العناصر التي تبنت الإرهاب ورحلت إلى بؤر التوتر والصراعات الدامية في الوطن العربي والإسلامي ، وصارت تمارس الإرهاب في بلاد المهجر وغيرها ، وقد تأثرت بها شرائح من الناشئة في البلاد العربية والإسلامية ،وسارت على نهجها مقتفية آثرها ، وهو ما تسبب في معاناة ومشاكل للمجتمعات العربية والإسلامية. ومن الآثار السلبية التي تعود على البلاد العربية والإسلامية بالضرر الكبير ظاهرة التدين المتطرف الناشىء في بلاد المهجر بسبب تضارب المذاهب الدينية المهاجرة  للجاليات العربية والإسلامية حيث تقام مساجد ومقرات لممارسة الشعائر الدينية ، ولتسويق فكر المذاهب المختلفة والمتنافسة إلى درجة التناحر، فيجد المهاجرون أنفسهم موزعين بين هذه المذاهب المتصارعة فيما بينها والباحثة عن أنصار ومؤيدين ، وتنتابهم الحيرة ، وتخامرهم الشكوك في عقائد بلدانهم الأصلية، فيعلنون ردتهم المذهبية ، ويعودون إلى أوطانهم الأصلية في فترات العطل مبشرين بمذهبية غير مذهبية أوطانهم ، ويؤثر ذلك في مواطنيهم خصوصا عندما  يؤسس بعض المهاجرين أوكارا للمذهبيات المستوردة  ، فتنتشر هذه المذهبيات كانتشار كل ما يفد من بلاد الغرب ماديا ومعنويا .ومن الآثار السلبية كذلك انتشار ظاهرة الاستلاب للغرب التي ينقلها بعض المغتربين من بلاد المهجر ، وتجد من يتلقفها في الأوطان العربية والإسلامية ، وهو استلاب يمس الهوية الدينية في العمق حيث صارت العلمانية الغربية مطلبا وحلما لدى المستلبين . ولقد فرخت هذه العلمانية تحت شعار ممارسة الحريات آفات منها الإباحية التي بلغت درجت المطالبة بما يسمى الزواج المثلي ، والحق في إعلان الردة ، والحق في التمرد على الشعائر الدينية جهارا مثل الإفطار العلني في شهر الصيام ... إلى غير ذلك مما تم نقله من المجتمعات العلمانية الغربية . ويحاول المستلبون بالعلمانية الغربية تحميل الدين الإسلامي مسؤولية التخلف ، وما يحدث في المجتمعات العربية والإسلامية مع أن تطرفهم  العلماني هو سبب نشوء ظاهرة التطرف الديني ، ذلك أنه على قدر إباحية واستهتار العلمانية يأتي تشدد وتعصب التطرف الديني .  وخلاصة القول أن الهجرة إلى بلاد الغرب قد جرت على البلاد العربية والإسلامية شرا ووبالا لا ينتبه إليه أولئك الذين يضعون في حسابهم العملة الصعبة المادية  فقط ، ويسقطون من حسابهم العملة الصعبة المعنوية والتي تتجلى في فقدان الهوية العربية والإسلامية. ولقد انتبه المهاجرون مؤخرا إلى أنهم بهجرتهم إنما طاردوا السراب كما قالت مؤلفة رواية " السراب الكندي " ولم يجدوا في بلاد الغرب فردوسهم المفقود ، وإنما وجدوا جحيما موعودا . ولقد تأكد المقيمون في البلاد العربية والإسلامية والمهاجرون منها إلى بلاد الغرب على حد سواء  أن الغرب هو سبب شقائهم خصوصا بعد أن عاود الغرب احتلال أرضهم  لنهب ثرواتها ، وقد أشعل فيها نيران الحروب الأهلية لتحقيق ما يصبو إليه . والغريب أن الهجرة  ازدادت مع اشتداد الحروب الأهلية ، وتجهم الغربيون المهاجرين إليهم حتى اشترطت بريطانيا على سبيل المثال بقاءها ضمن المجموعة الأوروبية مقابل  الحد من الهجرة . ولقد أدرك المهاجرون حقيقة الهجرة ، وصدق عليه قول الشاعر :

ولا تخفى الآثار السلبية للهجرة الحالية إلى بلاد الغرب، والتي سببها الحروب الأهلية في البلاد العربية والإسلامية حيث تشتت الشمل،  وتفككت الأوصال ، وانفصمت العرى ، وذهبت ريح الأمة ، وضاعت فرصة النهوض بالبلاد العربية والإسلامية مع زيادة وتيرة الفروق المادية بينها وبين بلاد الغرب . 

وسوم: العدد 656