الساقطون

مجاهد مأمون ديرانية

(نسخة لعبد الرزاق المهدي وأمثاله)

السّاقطون

الذين سقطوا في الانقلاب التركي الفاشل كثيرون: الذين دبّروه والذين نفّذوه والذين أيّدوه، لكن أكبر الساقطين ليسوا أياً من أولئك الخائبين.

إن أكبر الساقطين في عيني هم أولئك "الإسلاميون" الذين اضطروا اضطراراً إلى استنكار الانقلاب فاستنكروه بأقلام مرتجفة، الذين خجلوا من الوقوف مع أردوغان وحكومته المنتخَبة، الذين اعتبروا أن الانتصار للإرادة الشعبية عار يستحق الاعتذار! فمضوا يبررون لأنفسهم ولأتباعهم موقفَهم الضعيف المهتزّ وكأنه مخالفة شرعية لا بد لها من تبرير، فاستحضروا من القرآن آية الروم في قياس فاسد غريب، لأن الفرح المجرد بنجاة تركيا من الانقلاب في ميزانهم حرام.

هؤلاء المساكين تهيّئ لهم أخيلَتُهم المريضة أن دفاع الشعوب عن استقلالها وحريتها حرامٌ لا يحلّله إلاّ نشرُ الرايات السود وقمعُ الحريات ومصادرة إرادة الجماهير. إنهم يستكبرون موت أحد من الناس دفاعاً عن حريته وكرامته، وكأن الكرامة والحرية "منتجَات" محرَّمة لا يجوز تعاطيها للمسلمين!

ما علموا أن المسلم الحقيقي يقدّم حريته على الكساء والغذاء. ما علموا أن الإسلام يموت ولا تُثمر ثمرتُه في أرض جرداء لا حريةَ فيها كما يموت النبات في أرض بلا ماء. ما علموا أن المسلم يفرح بحرية أي جماعة في الدنيا وتَحرّرها من القيود والأغلال، ولو كانت أمة الأسكيمو أو شعوب الواق واق، فكيف بالأشقاء في تركيا وفي غيرها من بلدان المسلمين؟

في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الجُفاة القُساة: "أوَ أملك لك أنْ نزع الله الرحمةَ من قلبك؟" ونحن نقول لأولئك الجفاة الغلاة: ماذا نصنع إذا نُزع حب الحرية من قلوبكم؟

يا أيها الساقطون: أنتم ميؤوس منكم، ليس لكم علاج.

وسوم: العدد 677