بالصدمة

سألت ( العراف غوغل ) عن هذا المصطلح ..

فأجابني :

لم تستخدمه أي من المدارس السياسية .. أو الدبلوماسية .. أو الإعلامية .. بعد ..

قلت له :

إذن سأكون أول من يستخدمه ..

فعليك بنشره في كل الأرض ..

فأجاب : سأفعل إن شاء الله ..

ولكن ما هو المقصود بالإعلان بالصدمة ؟ ..

أولاً الصدمة :

هو مصدر لفعل ثلاثي صدم .. أو إسم مَرَة ..

وبتعريف بسيط جداً لها ..

هي عبارة عن : حدث مفاجئ .. غير متوقع .. يحدث في لحظة ما .. يؤدي إلى ردة فعل عند المتلقي للصدمة .. قد يكون مميتاً .. وقد يكون منقذاً من الموت .. أو المرض العضال ..

وقد تكون الصدمة فيزيائية .. كاصطدام سيارتين مع بعضهما ..

وقد تكون طبية .. كتناول دواء يتحسس منه الإنسان .. فيؤدي إلى انخفاض ضغط الدم .. وتوقف القلب .. والموت .. وفي نفس الوقت ..

ولكن في نفس الوقت .. يمكن أن تستخدم الصدمة الكهربائية .. لتنشيط القلب ، وإعادة عمله ..

وقد تكون صدمة نفسية .. كرؤية مشهد مأساوي .. أو سماع خبر محزن .. فيؤدي إلى الشلل أو الموت المفاجئ .. وقد يكون الخبر ساراً .. فيؤدي إلى إبراء مشلول منذ سنوات ..

وقد تكون صدمة ثقافية .. أو فكرية .. أو اجتماعية .. أو فنية .. أو سياسية ..

وهذه الأخيرة هي التي تعنينا في هذه المقالة ..

إذا أراد السياسيون أن يفرضوا أمراً ما .. أو يحدثوا حدثاً غريباً .. ومرفوضاً .. ومستنكراً في المجتمع .. ومستهجناً لدى الناس .. ولا يقبلون به ..

فإنهم يلجأون إلى الإعلان عنه باستخدام الصدمة .. كي يصدم مشاعرهم .. وأحاسيسهم .. وأفكارهم .. وعقولهم .. ويجعلهم يدوخون كالسكارى .. ويتساءلون  كيف يردون عليه  ؟؟؟

فتظهر فئة قليلة ذات طيبة في النفس .. وسذاجة وبساطة في التفكير .. وحسن ظن بالسياسي فتقوم بتأويل كلامه .. وتبريره .. على أنه يقصد معنى آخر .. للتخفيف من حدة .. وشدة هذه الصدمة الصاعقة ..

لكن الغالبية من الناس .. تبدأ بالهيجان .. والإستنكار للإعلان .. والتنديد به .. ورفضه كلياً ..

حينما يرى السياسي .. موجة الغضب العارمة .. والرفض القاطع لإعلانه – وهو يعلم مسبقاً أنه سيحدث هذا الهيجان .. والغضب الشعبي .. وما هذا الإعلان الصادم إلا طريقة مقصودة ، ومبرمجة لتطبيق الإعلان على أرض الواقع فيما بعد – يلجأ السياسي إلى الإيعاز إلى نائبه .. أو المتحدث الرسمي بإسمه .. أو إسم دائرته .. لتأويل حديثه .. وإيضاح أنه لا يقصد بحديثه المعنى الذي فهمه الناس .. وإنما يقصد أمراً آخر ..

فيهدأ الناس قليلاً  .. ويتقبلون هذا التأويل والتفسير على مضض .. ولكن يبقىأثر هذه الصدمة عالقاً في حنايا قلوبهم .. وجوانح صدورهم .. لا يزول ولايفنى ..

غير أن ثلة قليلة من المفكرين .. الواعين .. لا يتقبلون هذا التفسير .. ويعلمون أن ما وراء هذا الإعلان .. شيئاَ ما يُطبخ في المطابخ السياسية .. ولكنهم يصمتون ..

وفئة قليلة منهم .. ذوو شجاعة .. وجرأة يتكلمون .. ويبينون حقيقة هذا الإعلان.

ثم بعد أيام أو أسابيع معدودة .. يعاود السياسي إطلاق نفس الإعلان .. ولكن بديباجة مختلفة  عن الديباجة السابقة .. فيحدث نفس الشيء السابق .. ولكن بدرجة أقل .. وتزداد الشريحة التي تقبلت الإعلان الأول ..

فلو فرضنا أنه في المرة الأولى كانت نسبتها 10% من الناس .. الآن يمكن أن تصبح 20% أكثر أو أقل قليلاً .. وحدة الهيجان .. والغضب .. والإستنكار تقل عن السابق ..

ويعاود نائبه أو ممثله .. ليعلن تأويلاً .. وتفسيراً قد يكون مختلفاً عن السابق .. ليهدىء من روع الناس .. ويطفىء غليانهم ..

وهكذا تتكرر الإعلانات بالصدمة مرات عديدة .. وعلى فترات من الزمن .. قد تستغرق سنوات حتى يعتاد معظم الناس على هذه الصدمة .. ويتقبلونها .. ويتآلفون معها .. ويعتادونها دون رفض .. إلا من فئة قليلة مفكرة واعية .. لا تنطلي عليها هذه الألاعيب .. والحيل السياسية الماكرة ..

كما يحصل في الطب تماماً .. وذلك بتكرار إعطاء المادة الدوائية .. التي أحدثت الحساسية بجرعات أقل .. حتى يعتاد الجسم عليها .. ويتقبلها بدون أن تحدث صدمة قاتلة ..

وقد طُبقت هذه الطريقة بنجاح باهر في حقب التاريخ المختلفة ..

فمثلاَ بعد الهزيمة النكراء للعرب ، أمام إسرائيل في حرب 1967 ..

أخذت تظهرهذه الإعلانات بالصدمة .. في أواخر عهد عبد الناصر – وكنت شاهداً عليها –

موحياً للناس  ( بضرورة الإعتراف بالواقع الذي نشأ بعد الحرب )..

مما يعني الإعتراف بإسرائيل .. بعد أن ترجع أراضي استولت عليها بعد الحرب .. أو الأراضي التي احتلتها بعد 5 حزيران 1967 ..

ولكن هذه الصدمة لم يكن  من السهل تقبلها .. وتحملها .. والإعتياد عليها .. لأنها تمس مشاعر الشعوب العربية كلها .. وخاصة في مصر ، وسورية ، والأردن ، وفلسطين ..

لذلك استغرقت وقتاً طويلاً حوالي عشر سنوات .. لترويض الناس على قبول التصالح مع إسرائيل .. والذي بدأ فعليا في زيارة السادات للكنيست اليهودي في 19-11-1977 ..

وبعدها بعشرة أشهر تم توقيع اتفاقية تصالح مع إسرائيل في كامب ديفيد ..

وما حرب العاشر من رمضان 1393 / 6-10-1973 إلا نوع من الإعلان بالصدمة التي رفعت من معنويات العرب .. وجعلتهم يتيهون زهواً وخيلاءً .. ويسكرون بنشوة الإنتصار المزيف ..

وكانت هذه خطة ماكرة وخبيثة .. لإستغلال فرح الناس .. وسكرتهم بخمرة الإنتصار .. كي يتم التصالح مع إسرائيل ..

ونفس الخطة يريد ( بن علي يلدريم ) أن يسير عليها للتصالح مع نظام الأسد ..

فمنذ أن شكل حكومته في أواخر أيار 2016 أعلن مبدأ كبيراً واضحاً هو:

تصفير المشاكل مع الدول المجاورة ( إسرائيل .. روسيا .. مصر .. وسوريا ) ..

وحينما حصل هرج ومرج وهيجان .. حول التصالح مع نظام الأسد ..

أعلن الممثل الشخصي له أو نائبه :

أن المقصود هو التصالح بعد زوال بشار ..

خف الهيجان والإستنكار .. ولكن ما علم المساكين أن هذا التأويل .. غير صحيح ..

لأن أصل المشكله هي مع نظام بشار .. وليس مع الشعب السوري ؟؟؟!!!

فإذا زال بشار .. لم يعد يوجد مشكلة مع الشعب السوري .. وبالتالي لا يحتاج إلى مبادرة مصالحة ..

المصالحة تكون .. لإزالة المشكلة ..

فإذا زالت  المشكلة .. زالت  المصالحة .. ولا حاجة  لها ..

ثم توقف الإعلان بعد ذلك .. لتهيئة ظروف أخرى ..

وجاء الإنقلاب .. وانشغل الناس كلهم به ..

فلما انتهى الإنقلاب وفشل ..

عاد ( يلدريم ) من جديد لإطلاق هذه المرة .. صدمة مفرحة .. من نوع جديد .. يبشر فيها بحدوث تطورات جميلة في سورية في الأيام القادمة ..

وهذا هو النص :

( إن سورية ودولاً أخرى في المنطقة .. ستشهد تطورات جميلة !!! ومثلما حللنا مشاكلنا مع إسرائيل ..ومثلما أعدنا الأمور إلى مسارها مع روسيا .. سنشهد تطورات جميلة في سورية ودول أخرى في المنطقة  !!! ) .

وحدث لغط وهيجان مرة أخرى .. وبعضهم فرح فرحاً كبيراً .. وتخيل أنه في أيام معدودة ستتوقف الحرب .. ويعم السلام أرجاء سورية ..

ولكن الذي حصل أن الحرب اشتد أوارها أكثر .. والطائرات الروسية بالخصوص .. زادت من هجماتها .. وزادت من المجازر في كل مكان ..

وكأن بوتن الخبيث المجرم قد أخذه الخيلاء .. والكبر أكثر بعد زيارة أردوغان له .. فازداد استكبارا وطغياناً .. وتمادياً في الإجرام ..

للتأكيد على أن نظام بشار يجب أن يبقى .. ويجب التصالح معه !!!

فعاد ( يلدريم ) وعدل في التصريح .. فأعلن أنه خلال الستة أشهر القادمة .. ستشهد سورية تطورات جميلة ..

ومن المرجح أن تظهر إعلانات جديدة مشابهة .. حتى يتأقلم الناس معها .. ويألفونها ..

وفي النهاية سيتقبلونها كأمر واقع لا مفر .. ولا مهرب منه ..

ولكن المجاهدين .. إذا بقوا صادقين مع الله .. في جهادهم .. وفي وحدتهم .. سيفسدون كل الطبخات السياسية ..

وإن غداً لناظره .. لقريب ..

وسوم: العدد 681