حيرة الإنسان العربي المعاصر مع الإعلام

عندما يتابع الإنسان العربي أخبار العالم التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، يقع في حيرة كبرى ، ذلك أنه يتلقى الخبر الواحد بطرق شتى  قد تصل حد التناقض ، وقد تتضارب رواياته ،وتختلف من محطة إعلامية إلى أخرى . ويحتاج الإنسان العربي إلى غربال ليتنخل الخبر عسى أن يصل إلى بعض حقيقته . فإذا ما أراد هذا الإنسان متابعة ما يدور في وطنه الصغير أو الكبير  من أحداث وجد نفسه أمام مصادر إعلامية مختلفة  باختلاف النظمة التي تملكها ، وتتحكم فيها وفق ما تريده من أهداف ،ووفق ما يخدم مصالحها ، ووفق توجهاتها الإيديولوجية والسياسية ، وهذا يجعل الأخبار التي تصل الإنسان العربي مصطبغة بتلك التوجهات الإيديولوجية والسياسية . وليفهم الإنسان العربي الأخبار التي تصله عبر وسائل الإعلام المختلفة، عليه أن يكون ملما بتوجه الجهات التي تستخدمها . ولما كانت العلاقات بين الأنظمة العربية يطبعها إما الوفاق أو الصراع أو النفاق أحيانا ، فإن المادة الإعلامية الصادرة عن إعلامها تعكس تلك العلاقات بشكل واضح ، وذلك يجعل الإنسان العربي يتلقى تلك المادة الإعلامية بطريقة تحكمها خلفية تلك العلاقات بين تلك الأنظمة ، ومن هنا يصير الخبر الواحد أخبارا متعددة  بتعدد  تلك العلاقات وطبيعتها . ويمكن التمثيل لذلك  بأخبار شتى خصوصا في هذا الظرف الحساس الذي يمر به الوطن العربي ، وتحديدا في بؤر التوتر. ولنأخذ على سبيل المثال  أخبار معركة الموصل التي تدور رحاها على الحدود العراقية السورية ، فإذا كانت الأنظمة العربية ترتبط بعلاقة وفاق  أو حتى علاقة نفاق، وهي علاقة مصالح لا علاقة مبادىء مع النظام العراقي،  فإنها تصف المعركة بشكل ، وإذا كانت  عكس ذلك كان الوصف مختلفا تماما ، وهو ما يجعل خبر المعركة الواحد مختلفا حسب رواياته الإعلامية ، فما يسمى الحشد الشعبي  في رواية هو طرف  وطني يقاتل ضد عصابات إرهابية  إلى جانب الجيش العراقي ، وفي رواية أخرى هو عصابات طائفية تتذرع بمحاربة داعش للقيام بتصفية طائفية ضد ما تسميهم حفدة قتلة الإمام الحسين ، وهنا يجد المتابع العربي  نفسه وهو يتابع خبر تحرك هذا الحشد في حيرة من أمره أيصدق ما يسمع أم يكذبه ؟ فبعض المحطات الإعلامية الموالية للنظام الطائفي في العراق تبث أخبار تحرير الموصل ، والمحطات الإعلامية المناوئة له تبث أخبار جرائم طائفية ضد العرب السنة مع أنها لا تؤيد عصابات داعش الإجرامية .  ومن السهل في ظل التعتيم الإعلامي على هذه المعركة أن يصير المواطنون العراقيون من العرب السنة المحاصرون بين أطراف النزاع ضحايا هذه الأطراف المتحاربة  ، فالفار من هذا الطرف يحسب على الطرف الآخر المحارب له ، وهكذا تحدد تلك الأطراف مصير وهوية هؤلاء المواطنين الذين عليهم الإدلاء بشواهد البراءة أمام من يكونون تحت رحمته . ويحتار الإنسان العربي في تقييم الحرب الدائرة في العراق، والتي تصفها وسائل الإعلام بشكل مختلف ، ذلك أنها حرب تحرير الوطن الواحد الموحد في وصف ، بينما هي حرب لتقسيم العراق بين الشيعة  والأكراد مع تهجير العرب السنة في وصف آخر ، وأي الوصفين يصدق الإنسان العربي ؟   وبناء على هذا يتعين عليه أن ينتظر حتى تضع الحرب الدائرة الآن في الموصل  أوزارها  ليتبين الحقيقة الضائعة بين المحطات الإعلامية التي تزوده بالأخبار المتضاربة  . ويجد الإنسان العربي نفسه مضطرا للتعامل مع تلك المحطات باعتبارها محطات فسوق يجب أن يتبين أنباءها في الوقت الراهن . ومما يثير حيرة هذا الإنسان العربي أيضا هو تورط قوى دولية  وإقليمية في هذه الحرب ، وهي متضاربة المصالح ، ومختلفة التوجهات الإيديولوجية . ويحتار الإنسان العربي في أمر تحالف بين محورين، محور أمريكا، ومحور روسيا ، وهما على طرفي نقيض إيديولوجيا كما تصور ذلك وسائل الإعلام ، فهل يصدق الإنسان العربي تحالفهما أم يكذبه ؟ ومن غير المفهوم في ذهن الإنسان العربي القتال جنبا إلى جنب بين هذين المحورين ، ذلك أن المحور الغربي الذي يصرح بالعداء لإيران، والتي تصرح هي الأخرى بالعداء له إعلاميا يقاتل بعضهما جنبا إلى جنب في العراق ، ويواجه بعضهما بعضا في سوريا حسب الروايات الإعلامية دائما  . والأغرب من ذلك أن إيران التي تقاتل إلى جنب التحالف الغربي في العراق تتهمه بأنه هو من صنع عصابات داعش ، فكيف يكون موقف الإنسان العربي من هذا الخبر ؟ ومن يصدق ومن يكذب ؟  وتشتد حيرة الإنسان العربي مع الأخبار الإعلامية المتعلقة بالحرب في سوريا حيث توجد مواجهة بين المحورين الأمريكي والروسي ، دون أن يسقط فيها ضحايا من هذا الطرف أو ذاك، بل الضحايا دائما من الرعايا السوريين الذين يقاتلون بالوكالة عن المحورين ، وفي نفس الوقت يوجد بين المحورين تحالف في مواجهة عصابات داعش، علما بأن الروس لا يميزون بين هذه العصابات وبين الثوار الذين يحاربون النظام السوري ، في حين يميز الأمريكان بينهما ، فكيف سيتعامل الإنسان العربي مع هذا الأمر ، وكيف سيستسيغ هذا التناقض  بين محورين يشعلان  نار حرب بينهما وقودها سوريون ، وفي نفس الوقت يتحالفان، وهما يختلفان في شأن من  يحاربان وفي تعريفه ؟ وكل ما يستطيع الإنسان العربي أن يطمئن إلى صحته هو أن الجانبين معا لهما مصالح  مكشوفة ، ومعلوم كما قال الرئيس الأمريكي بوش الذي غزا العراق : " لا توجد صداقات دائمة ، ولا عداوات دئمة ، وإنما توجد مصالح دائمة "  فالمصالح الأمريكية والروسية ،ومصالح من يدور في فلكهما هي التي جعلت التناقض صارخا في  الحرب الدائرة في العراق وسوريا حيث توجد لدى هذا الطرف أو ذاك  صداقة مؤقتة  هنا ، وعداوة مؤقتة هناك ، ولكن توجد  لكل منهما مصالح دائمة هنا وهناك، ومع وجود المصالح تزول الصداقات والعداوات .

وسوم: العدد 692