عائلات حلب العريقة. ....

إن واحدة من أهم ثلاثة أحداث وقعت له وأثّرتْ على شخصيته هي اسلام عمه  (شاؤول) حينما كان نسيم صغيراً، وذلك لِما رآه من حزن ، وأسى ، وقلق بين كبار أهله اليهود ‘ وهم ينفضّون ، ويجتمعون ، ويرددون همساً ، والحسرة طاغية عليهم:

( إنه صار مسلماً !!)

إنّ ذلك المشهد انطبع في ذهنه الصغيروجعله يتساءل لماذا كل هذا الحزن والقلق؟! وما هو الفرق بين المسلم واليهودي؟

يقول أحمد نسيم سوسة:

( علمت أنّ الإسلام هو دين الحق الذي يجمع بين الديانات السماوية ، وهو مبني على المبدأ الإنساني الذي يقوم على المساواة ، والتسامح ، والفطرة ، فاخترته عن قناعة ، وعقيدة ، وإيمان ، وكتمت ذلك عن عائلتي مدة من الزمن ، حتى أعلمتهم عن اعتناقي الدين الإسلامي بعد أن انتهيت من دراستي الجامعية ، وحصولي على الدكتوراه من جامعة (شيكاغو) ، وعدت الى الوطن ، ثم ذهبت إلى مصر ، حيث قضيت هناك أربعة أشهر مستمرا في جامعة الأزهرمستمعاً ومتتبعاً ، وهناك أعلنت إسلامي بصورة رسمية في 7 تشرين الثاني عام 1936م ووضعت كتابي (( في طريقي إلى الإسلام )) كتمت إيماني عن عائلتي اليهودية  ، لكي أُجنّبها ما تعتقده ( مصيبة ثانية ) تُذكرها بمصيبتها الأولى التي طواها الزمن حين أسلم عمي (شاؤول)..

الواقع أنّه يتعذر على المرء الذي لم يتقن اللغة العربية ، ولم يضطلع بآدابها أن يدرك مكانة هذا الفرقان الإلهي وسموّهِ ، وما يتضمنه من المعجزات المبهرة ، ولمّا كان القرآن الكريم قد تناول كل أنواع التفكير والتشريع ، فقد يكون من العسير على إنسان واحد أن يحكم في هذه المواضيع كلّها. ولكن مامن مناصّ للمرء من الانجذاب إلى معجزة القرآن بعد تمعنه في أميّة نبي الإسلام ، ووقوفه على أسرار حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد جعل الله تعالى معجزة القرآن وأمّيّة محمد صلى الله عليه وسلم برهانًا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له)..

العلامة أحمد سوسة اعتنق الإسلام  وكان عمره 34 سنة ، حيث يقول في هذا الصدد:

(يرجع ميلي إلى الإسلام حينما شرعت في مطالعة القرآن الكريم للمرة الأولى ، فولعت به ولعًا شديدًا ، وكنت أطرب لتلاوة آياته.. بالطبع ليس عجباً أن يغيّر البشر أديانهم فذلك أمر يجري على نطاق العالم كل يوم طوعاً ، أو كرها ، وتتفاوت ردود الافعال حيال ذلك بين مختلف الملل ، والنحل على أن اليهود يقابلون التخلي عن دينهم كمن دهمه حادث مفجع بل أفجع من الموت .. يتابع قائلاً:

الواقع أن تحوير وتبديل مصاحف اليهود أَثرٌ أجمع عليه العلماء في عصرنا الحالي نتيجة الدرس والتنقيب ، وقد جاء ذلك تأييدًا علميًا للأقوال الربانية التي أوحيت قبل نيف وثلاثة عشر قرنًا على لسان النبي العربي الكريم صلى الله عليه وسلم)..

ولد (أحمد نسيم سوسة ) في مدينة الحلة من عائلة (آل سوسة) المعروفة عام 1902م وقيل عام 1900 م ، وهي أسرة عربية يهوديةعاشت في الجزيرة العربية ترجع إلى قبيلة (( بني سواسة )) من نواحي حضرموت باليمن ثم نزحت إلى شمال الجزيرة العربية ثم إلى العراق ، وفيها استقرت على ضفة الفرات الأوسط في عهد الخليفة الفاروق الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه..

أتمّ دراسته الإعدادية في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1923م ، ومن ثم ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فتخرج في كلية ( كولورادو ) ، ونال منها شهادة (البكالوريوس) في الهندسة المدنية عام 1927م ، وواصل بعد ذلك دراسته العالية ، فحصل على شهادة الماجستير من جامعة (جورج واشنطن) في سنة 1928م وشهادة الدكتوراه من جامعة (جونس هوبكنس) سنة 1930م..

انتخب عضوا في مؤسسة ( فاي بيتا كابا ) العلمية الأمريكية المعروفة كما منحته جامعة ( جورج واشنطن ) في سنة 1929م جائزة ( ويديل ) التي تمنح كل سنة لكاتب أحسن مقال في موضوع عام من شأنه أن يثبت دعامة السلم بين دول العالم ،كما يعدُّ الدكتور أحمد سوسة واحداً من أقدم المهندسين العراقيين الذين تخرّجوا من الجامعات الغربية..

بعد عودته للعراق، عين مهندساً في دائرة الري العراقية عام 1930م، ثم تقلّب في عدة وظائف فنية في هذه الدائرة مدة 18 سنة، حتى عين عام 1946 معاوناً لرئيس الهيئة التي ألفت لدراسة مشاريع الري الكبرى العراقية..

خلال عامي 1939 و1940 ترأس البعثتين اللتين أوفدتهما الحكومة العراقية إلى المملكة العربية السعودية لدراسة مشاريع الري في الخرج والإشراف على تنفيذها،وكان الدكتور سوسة أحد مؤسسي جمعية المهندسين العراقية عام 1938 ، وكان من أوائل أعضاء المجمع العلمي العراقي منذ تأسيسه عام 1946 ، وبقي عضوا عاملا فيه حتى وفاته ، كما كان يحظى مكانة خاصّة عند ملك العراق فيصل الثاني - رحمه الله -

تربو مؤلفاته على الخمسين كتاباً وتقريراً فنياً وأطلساً، أضافة إلى أكثر من 116 مقالاً وبحثاً نشرت في الصحف والمجلات العلمية المختلفة. وتتوزع مؤلفاته على حقول الري والهندسة والزراعة والجغرافية والتاريخ والحضارة..

من هذه المؤلفات كتابه ( العرب واليهود في التاريخ ) بخمس طبعات نُشر عام 1972 فضح فيه التاريخ الصهيوني المزيف حول أصل اليهود ، لذلك كان عملاء جهاز(الموساد) يعمدون الى شراء نسخ هذا الكتاب  ، ويتلفونها على أمل أن لا يقع هذا الكتاب في يد المثقفين ويكتشفوا الحقيقة ، والحقيقة أن معظم كتب هذا العلامة الشهيركانت تختفي من الأسواق بسرعة مذهلة!!

نال الدكتور أحمد سوسة خلاله مسيرة حياته الطويلة الحافلة بالعطاء المستمر  وسام الملك عبد العزيز آل سعود لتنفيذه مشروع ري مدينة الخرج في نجد عام 1939م ، و(وسام الرافدين) من الدرجة الثانية عن خدماته في دوائر الري والمساحة في العراق عام 1953م ،و( وسام الكفاءة الفكرية ) من ملك المغرب عن كتابه ( الشريف الإدريسي في الجغرافية العربية ) عام 1976م ،كما فاز كتابه ( فيضانات بغداد في التاريخ ) بجائزة الكويت لأحسن كتاب صدر عام 1963 م ، إضافة إلى جائزة المنظمة العربية للتدريب والثقافة والعلوم عام 1975م.

توفى الدكتور احمد سوسة في بغداد عام 1402 هـ/1982م رحمّه الله برحمته الواسعة.

■ تقبل الله صلاتكم ، ودعاءكم ، وطهارة قلوبكم ، وصالح نواياكم..

اللهم صلّ على محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

وسوم: العدد 694