من أدب انتفاضة الثمانين

إلى الأخ عبد الرحيم منصور ( شخصية القصة في الواقع )

قلبك معك ! وأنت مع الله !!

أفقت من نومي مذعوراً على صوت ضربات عنيفة تتوالى على باب المنزل ! سبقت أمي العجوز ففتحت الباب لتفاجأ بأربعة مسلحين امتدت أيديهم إليّ و سحبتني ... و دفعت أمي إلى الخلف ، و أوصد أحدهم الباب ...

يا إلهي ! من يكون هؤلاء ؟! كانت الظلمة تغلّـف كل شيء في حيّنا الشعبي القديم ، فلم أتبين سوى السيارة التي حملت المسلحين ، و اكتفت بالأضواء الخافتة .

عند بابها الخلفي استقبلني اثنان و دفعا بي بعنف إلى داخلها... أحدهم أخرج مسدسه و الآخر وضع قطعة من قماش على فمي و شدها بإحكام .....

ومضت السيارة بسرعة جنونية ، و أنا لا أدري أين تمضي بي قال الذي وضع القماش على فمي : أهذا الذي طلبه المقدم؟ فأجابه أحد الأربعة بلا مبالاة : لست أدري ! لعله أخوه ؟!

 المهم أن المخبر أوصلنا إلى البيت و اختفى ..

                 .................................

أحسست و أنا معصوب العينين ، مكمم الفم أنني لست وحدي في الغرفة ، فقد بدأ شخص ما يقترب مني ... ليفاجأني بلطمة قوية على جانب وجهي الأيمن صب فيها كل ما حمله قلبه الأسود من حقد ..

أيكون المقدم عزيز ؟ لست أدري ... و لكن أذناي تتابعان خطاه ! فقد اتجه إلى الطاولة فيما أحسب ، و حمل شيئاً ما بيده ؟!

لم يخب حدسي فقد رفع البندقية و أهوى بها على طرف وجهي الأيسر مما أفقدني توازني ... سقطت على الأرض ، أحسست في تلك اللحظة أن فكي الأسفل قد تحطم ، و أصبح ورقة يابسة تتناوبها الريح ...

أجل فقد انفصل الفك السفلي و تحطم ، و لم يعد يحمله سوى جلد رقيق تغضن بسرعة ... حاولت أن أحرك فمي فشعرت أن فكي المحطم صار أربع قطع ...

شيء ما يدعوني إلى النهوض ، قوة لا أعرف كيف أصورها .. انبعثت في قلبي ... ترى ما الذي جعلني أنسى فأستذكر صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم - ليدب بين جوانحي روح لم أكن أعرفها من قبل .. حركت فمي فلم أستطع ، حاولت أن أنطق بالشهادتين فلم أستطع .... لقد أصبحت بلا فم بلا شفتين ، بلا أسنان .

اشتد حقد الزنيم عليّ فأمر بإلقائي على الأرض و سقطت على ظهري .. برجله الآثمة أخذ يعصر رقبتي ، فأحسست أن نفَسي بدأ يتقطع ، و أن فكي غادر وجهي ، و لم أشعر بعدها بشيء سوى أنني في غرفة التعذيب مع المقدم الحاقد و زبانيته .

 و لكن معي الله ...

ارتفع صوته يشتم و يعربد ، و لم أقـوَ على فهم ما يقول ... أمسك بي اثنان و مضيا بي ، و من خلال هبوطي عدداً كبيراً من درجات السلم عرفت أنه طريق الزنزانة ..  ليرميا بي هناك!

عند ذلك شعرت و كأني أفقت من حلم مزعج ، لقد جف ريقي لم أهتـدِ إلى موضع الماء فيه ...لم أستطع أن أشرب رغم ظمئي هل سمعتم برجل أضاع فمه ؟ و لم يعرف أين شفتاه ... أنا أضعت فمي ، و لم أعرف أين شفتاي!

اصطدم الكأس بأنفي .. برقبتي .. بذقني .. لقد ضاع فمي و تحطم فكي .. وبقي قلبي يدق دقات واعية ليخرجني من خدري و يشدني إلى خالقي ، و صوت  ينبعث من داخلي : لم تفقد شيئاً فقلبك معك ، و أنت مع الله ...

وسوم: العدد 694