بين طليطلة وحلب دروس وعبر

بين سقوط طليطلة وما تبعها من سقوط لدويلات الأندلس وسقوط حلب وما قد يتبعها من سقوط لمدن أخرى تلقي أحداث الماضي ظلالها على واقع اليوم منذرة أن من يتجاهل التاريخ يجازف بتكراره... وكأنهم يكررونه

في عام   316 هـ/يناير 929م   أعلن عبد الرحمن الثالث (الناصر) الخلافة الاموية في الأندلس بعد قرنين من امتناع أسلافه من بني أمية عن التسمي بالخلافة احترامًا لوحدة المسلمين رغم عدم اعترافهم طوال هذا الزمن بالخلافة العباسية، وكان الداعي لهذه الخطوة هو ما أقدم عليه الباطنيون الاسماعيليون من الانفصال بمصر وشمال إفريقيا عن الخلافة العباسية وإعلان الخلافة الفاطمية كند لخلافة بني العباس، وهكذا سار الناصر على خطى عبد الرحمن الداخل فوحد الأندلس في دولة قوية تحت حكم الخلافة الأموية التي أعاد إحياءها،  وقد كان أمام الناصر على الصعيد الخارجي عدوَّان، واحد في الشمال متمثل بالنصارى في ممالك ليون وقشتالة ونافار ... وكان ما من سبيل لرد اعتداءاتهم سوى اجتياح أراضيهم ولكن المسلمين فشلوا عبر الزمن في اجتثاث هذا الخطر نهائيًا فكان كجحر العقرب الذي تخرج منه لتلدغ كلما سنح الظرف ثم تعود

والعدو الثاني كان الفاطميين الباطنيين في شمال إفريقيا فاستعمل عبد الرحمن الناصر المال الاموي/الاندلسي فحول به ولاء البربر في شمال إفريقيا من ولاء للإسماعيليين إلى ولاء للأمويين فصنع منهم قوة نازلت الفاطميين وحدت من نفوذهم في شمال إفريقيا وحمى دولته وحمى الوجود السني ليبقى درعًا يحمي الأندلس

لكن فترة الوحدة والقوة لم تستمر طويلا وسقطت الخلافة الاموية 422 هـ/1031م وتشظت الأندلس إلى عدد من الإمارات يماثل عددها اليوم في بلاد العرب (22 امارة) دعيت بدول الطوائف مارس أمراؤها الكيد والخديعة والعدوان على بعضهم واستقووا بالفرنجي على بعضهم ثم دفعوا الجزية له صاغرين متوددين

ومن جحر العقرب الذي لم يسعى المسلمون جديًا لاجتثاثه فيما سلف في شمال الأندلس خرج ألفونسو ملك قشتالة يحوز الحصون واحدًا تلو واحد من أيدي حكامها العابثين وكانت باكورة أعماله السيطرة على طليطلة التي حاصرها وأرسل حكامها إلى ممالك الطوائف يستغيثونهم لنجدتهم ونصرتهم لكن ملوك الطوائف كان لسان حالهم: اللهم حوالينا ولا علينا. فقد خافوا على ممالكهم وعروشهم من أن يغضب ألفونسو فيسلبهم إياها فتركوا طليطلة تسقط بيد الافرنجي ظانين انهم بذلك يحمون أنفسهم لكنها كانت سنوات قليلة بعدها حيث أن من لم يسقطه ألفونسو اسقطه ابن تاشفين فخسروا الدنيا والاخرة ولكتها بقيت العبرة والامثولة ودرس التاريخ الذي يتجاهله يجازف بتكراره، وان كان لا بد من الاسقاط التاريخي على واقعنا اليوم، فان سوريا هي أندلس الأمس:

إن الخطر الحقيقي الذي هدد وجود المسلمين في الأندلس وكان اهم سبب ساهم في اسقاط الأندلس هو ان من ولي الحرب والسياسة طوال قرون لم ينقل المعركة إلى شمال الأندلس وصولًا إلى الإجهاز على الوجود الاسباني هناك والقضاء عليه تمامًا وهو عين ما مارسه أمراء الحرب في سوريا ولا زالوا في معاركهم العبثية على أراضيهم بدل أن ينقلوا حربهم إلى أرض عدوهم ويجهزوا عليه نهائيًا فيزيلوا بذلك مكمن الخطر الحقيقي ويفقدوا الأطراف الخارجية (الصليبية والمجوسية) أسباب تدخلهم

إن عبد الرحمن الناصر أدرك أن قوة دولته وحمايتها يكون بدرع من قبائل شمال إفريقيا يقاتلون عدوهم وعدوه من الباطنيين فاغدق عليهم الأموال (المساعدات) وسلحهم بينما نجد في واقعنا أن الدول الداعمة للسوريين فهي وان قدمت المال وساهمت في التسليح الا انها لم تفعل ذلك لتحويل من دعمتهم إلى قوة ضاربة تجاه عدوها وعدوهم بل لتصفية الحسابات بينها وبين خصومها من ملوك الطوائف المعاصرين وللحروب البينية والهامشية وتبعًا لما يطلبه الطرف الخارجي (الولايات المتحدة)  الذي مثله في الزمن الماضي الفونسو الذي سعى لإخضاع الجميع وأخذ الجزية من الجميع على طريق تحطيم الجميع والسيطرة على ما بأيديهم، وتوشك اليوم هذه الدول أن تخسر خط دفاعها الأخير عن وجودها خارج أراضيها نتيجة ذلك.

عندما سقطت طليطلة سنة 1084م نتيجة تقاعس ملوك الطوائف عن نجدتها فإن سقوطها لم يكن سقوط مدينة وإنما بداية لحرب صليبية استهدفت المغرب الإسلامي (حروب الاسترداد) والمشرق من خلال باكورة الحملات الصليبية سنة 1096 على بلاد الشام واخذت الحصون تتداعى واحدًا تلو الآخر.  وقد كان من الممكن لحادثة سقوط طليطلة أن تكون الشرارة والانطلاقة لتوحيد الجهود تجاه العدو الخارجي وبدل أن يقف ملوك الطوائف متفرجين كان يجب أن يبادروا ولكن عدم استثمار الفرصة جعل من معركة طليطلة بداية النهاية لملوك الطوائف وبداية الحملات الصليبية المشرقية.

في خضم تلك الأحداث لم يقف علماء الأندلس متفرجين ولم يكن عندهم تويتر وفيس ليغردوا وينشروا ولم يكن عندهم رصاص لكن كان عندهم لسان وقلم من رصاص فعملوا بما يمليه عليهم دينهم لا بما يمليه عليهم كتيب إرشادات اصفر أعدته مراكز إعلامية وسياسية لما يجب ومالا يجب فكانوا طليعة الامة لا طابورها الخامس

إنه في اللحظات المصيرية يجب تكون المواقف أيضًا مصيرية تتناسب مع جلل الخطب وهي تحتاج لجرأة ابن عباد لا ليتنازل عن حكمه وعرشه بل ليعمل بالمبدأ العربي: الحاكم في القصر أو في القبر، ومن أراد القصر فلينازل دفاعًا عنه في الثغر كما يجب، فإذا انتهى في القبر يكون أبرئ الذمة ووفي الأمر حقه وأبر، وفي قصة المعتمد ابن عباد عبر وفي مصير صدام حسين عبرة لمن اعتبر.

وسوم: العدد 699