فِي حَضرَةِ الشَّهبَاءِ!!

د.فاطمة محمد العمر

د.فاطمة محمد العمر

[email protected]

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها كطِفلٍ يَتهجَّى حُرُوفَهُ الأولَى ..

وَتحنُو عَليَّ حُنوَّ أُمٍّ رَحِيمةٍ تُدرِكُ أَنَّ أُمُومَتَها تَكمُنُ فِي بَذلِ كُلِّ مَا بِوسِعها لِراحَةِ طِفلِها!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها كَصَغيرٍ يَتعلَّمُ أَبجَدِيَّتَهُ الأُولَى ..

وَتَحنُو عَليَّ حُنوَّ مُعلِّمةٍ ذَكِيَّةٍ تُدركُ أَنِّ نَجاحَها يُقاسُ بِمدَى تَعلُّقِ طَلبتِها بِها!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها كَفنَّانٍ يَرسُمُ لَوحتَهُ الأُولَى ..

وَتَحنُو عَليَّ حُنوَّ عَبقَرِيٍّ فَطِنٍ يُدرِكُ أَنَّ عَظمَتَهُ صِيغَت مِن بِداياتٍ صَغيرَةٍ!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها كَزهرَةٍ تَتَفَتَّحُ بَراعِمُها الأُولَى ..

وَتَحنُو عَليَّ حُنوَّ حَديقَةٍ غَنَّاءَ تُدركُ أَنَّ لِكلِّ زَهرةٍ فِيهَا عَبيراً لا يُمكنُ الاستِغنَاءُ عَنهُ!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها كَعاشِقٍ يَتَشهَّى قُبلتَهُ الأُولَى ..

وَتَحنُو عَليَّ حُنوَّ حَبيبَةٍ مُولَّهَةٍ تُدركُ أَنَّ عَاشقَها يَصنَعُ جَمالَها وَيَصُوغُ فِتنتَهَا!!

***                       ***                       ***

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها مَعَ تَفَتُّحِ نَسمَاتِ الفَجرِ ..

أَهمسُ لَها بِتَحيَّةِ الصَّباحِ ..

وَأَشربُ مَعهَا فُنجَانَ القَهوةِ ..

وَأُصغِي إِلَيهَا وَهي تَعزِفُ النَّغَماتِ الفَيرُوزيَّةَ!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها عِندَ العَودَةِ مِن الدَّوامِ ..

أُلقِي بِأحمَالِ التَّعبِ بَينَ يَديهَا ..

وَأَتناوَلُ مَعها الغَداءَ ..

وَأَتَأَمَّلُهَا وَهي تُلملِمُ بَقايَا الأسَى مِن أعمَاقِي!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها بَعدَ القَيلُولَةِ ..

أَمسحُ بِحِكَاياتِهَا بَقَايا النَّومِ ..

وَأَرتشِفُ مَعها شَايَ العَصرُونيَّةِ ..

وَأَتلمَّسُ خصَلاتِ شَعرِها المُتنَاثِرَةِ عَلَى أَصَابِعِي!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها عِندمَا يَحلُّ المَساءُ ..

أُوشوِشُهَا بِأُغنياتِ المَحَبَّةِ ..

وَأَقتَسِمُ مَعها صَحنَ الفَاكِهةِ ..

وَأَشمُّ عَبيرَها يَملأُ الجَوَّ مِن حَولِي!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها إِذَا دَخلتُ سَرِيري ..

أَبتسِمُ لهَا ..

وَأَضمُّها إِلى صَدرِي لِتغفُوَ فِي أَحضَانِي ..

عَلَّنِي أُسعدُ بِمَنامٍ يَضمُّنِي إلَى أَحضَانِها!!

***                       ***                       ***

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها ..

وَيجلسُ الشَّوقُ إِلَى جِوارِي ..

يَسرِي فِي عُرُوقِي كَما تَسرِي الدِّماءُ ..

وَيَستوطِنُ عُيونِي كَمَا يَستوطِنُهَا النُّورُ!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها ..

لأَستَذكِرَ أَسماءَ شَوارِعِها وَحارَاتِها ..

فَيَضُجُّ الشَّوقُ بِأعمَاقِي كَضَجيجِ طُوفانٍ انهارَ السَّدُّ أمَامَهُ فَجَرَفَ كُلَّ مَا فِي طَريقِهِ!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها ..

أتَأمَّلُ فِي رَسمِ حُروفٍ تُصاغُ مِن الحُبِّ وَالقَلبِ لِتُزهرَ لَوحةً تُضَاهِي الشَّمسَ بِضِيائِها!!

أَجلِسُ فِي حَضرَتِها ..

وَتَنسابُ فِي مَساماتِ جَسدِي كَما يَنسابُ مَاءُ النَّهرِ بَينَ الحُقولِ ..

يَمدُّ قَطرَاتِهِ إِلَى الجُذُورِ لِتُزهِرَ بَراعِمُ الخَيرِ وَالنَّماءِ!!