همسات القمر 151

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

* حين ينشب الجوع أنيابه في القلب المتشرد على عتبات أبواب الغربة والعناء .. 

يقتات الذكريات والأماني الدافئات.. 

يرسم بسمة أمل تجفف دمعة غافلت جفنها نحو حرية مزعومة ..

يجعل من آهاته لحنا يتسلّى به في أزقّة وحدته ودروب اغترابه..

في جوفه نبضه من حياة.. وفي أحلامه يبلغ الفرح مداه .. أيكون؟

*يأخذني الغضب إلى قممه العليا وكأنني بركان يتميز غيظا 

أحاول التنفيس عمّا بي عبر قلم أصم وورق باهت لا يعرف حرفا من هرف

يفر القلم وتشيح الورقة بوجهها ويطالعني الحرف المخنوق بنظرة اتهام وبلادة إعجام

ماذا نفعل سوى الكلام؟

دماء ودمار، وبطش بأفظع ما اخترعه الإنسان من وسائل الحقد والأذى ..

لا ذنب لهم سوى أن المجرم متمسك بكرسي ظلمه وجبروته متمترس خلف حواجز الكيماوي وطائرات مجرمة تقصف ليل نهار

أو يجدي الكلام في هذا المقام؟

أم يتوارى الحديث عجزا ويأسا أمام وحشية حفرت بأنياب حقدها قبرا للمحبة والسلام؟

يا رب سامحنا كلنا مقصرون، وكلنا مشاركون في هذه الجرائم، والصمت أكبر جريمة أمام أهل وإخوة وأحبة يرجع صراخهم باهتا هزيلا كصدى تتلاعب به أطراف الجبال!

*أعرف دوائي .. أن لا أحلم، لا أفكر، لا أقلّب النظر، لا أساهر الأماني الدافئة بخيال مغامر وهمسٍ بدرَ ليله يسامر

أن أحجّر قلبا أدماني لينه، وبرّح بي شكواه وأنينه...

أن أسير في دنياي كضرير أصم أبكم لا يحفل إلى أين تأخذه الحياة ولا أين تمضي به..

أن أنسى شيئا اسمه حب، رحمة، ضمير.. 

أن أتنكّر لحديث النفس وحاجات الروح الظامئة لشربة من نقاء، ورشفة تروي الوتين ..

باختصار.. أن أغدو ميتة قبل الممات ..

لا كان الدواء ولا صار

*ترتبك الروح عند معارج القلق والترقب الخائف

تصافح شمس الأمل دمعة تفرض سطوتها ولا يد قادرة على مسحها 

طويلة هي رحلة الانتظار، قاسية هي الأفكار الهائجة تلاطم زورقا ضعيفا بجنون لا يرحم..

*أهزّ الزنزانة بيد ضعيفة لا تكاد تقوى الإمساك بقضبانها الصدئة

أنسحب نحو النافذة المكسورة بحثا عن نسمة تتحدى الحصار

أسحب كرسيا أعرج يكاد يهوي بي

أتكئ على منضدة ملأتها بخربشات أخفت لونها 

أطرق مليّا.. أسافر إلى الوراء كثيرا وقليلا ..

أسترق نظرة نحو بحر الليل المترامي على رمال فجر غائب ..

ألمح بدر السماء ..

يومض لي ببشارة أمل تتهيأ للقاء قريب.. ..

تجف دمعتي على شفاه بسمتي ..

آوي إلى مخدعي البالي .. أسلم قلبي كما في كل ليلة لمن برأه .. أدرك يقينا أن له موعدا لن يخيب.. 

لا زال في جعبة الصبر الكثير..

ولا زالت أقدام الليل تواصل خطواتها سيرا نحو شواطئ البعد والاغتراب 

بطيئة أم سريعة في خطوها .. لا بدّ يوما نلوّح لها بيد الوداع

 

*وكلما اشتدّ صراخ القلب وتفجّرت منه براكين الآه..

أسعفْتُه بهمسة تناجي الله وتلوذ بحماه..

يسترجع رشده، يتمسك بأهداب صبره ..يصمت في محراب روحانية تربّت عليه برحمة وحب..

يتمتم بسكينة ورضا: ونعم بالله

وسوم: العدد 721