الاتجاه الإسلامي في شعر شريف حاج قاسم

clip_image002_5555e.jpg

تناول الشاعر الإسلامي شريف حاج قاسم عدة موضوعات إسلامية في شعره منها ما يتعلق بالعقيدة، ومنها ما يتعلق بالمديح النبوي، وكان للعبادات، والأخلاق الإسلامية، والدعوة والفكر، ورثاء الأعلام مكانة مرموقة في شعره. وكم كنت أرجو لو أتيحت لي الفرصة للتوسع بسيرته الذاتية، ولكن هيهات ، لأن التواصل مع شاعرنا بيني وبينها خرط القتاد، وما أظن شاعرنا يبخل على محبيه بذلك، فشعره يستحق أن يدرس في رسالة علمية جامعية دراسة أكاديمية .

العقيدة الإسلامية :

إن العقيدة هي الحصن الحصين للأمة، فعليها أن تحافظ على تلك العقيدة؛ لتبقى موصولة بعروة الله الوثقى :

وصونوا بالعقيدة ما حباكم             به الرحمــــــــن يدرككم نوالُ

ومن أشقى بدنيا الناس ممن           له عن خير بارئه انفصالُ ؟!

ويؤكد الشاعر شريف حاج قاسم على أهمية العقيدة، فيقول :

ومن يحمل الدين الحنيف عقيدةً    فُإن له في العيش ما هو أرفعُ

تهونُ مع الإيمان أزراءُ عصرنا     ويستسهلُ الصعبُ الأشدُّ المروّعُ

ومن جعل القرآن منهج حياته، فإن الأعداء لا تتسلط عليه، ولا تلحق به الأذى:

ومن يكن القرآن منهج عيشه     فهيهات من غدر العدا يتفجعُ!!

وفي مناسبة أخرى يؤكد أن القرآن هو دستور الأمة، فيه الخير وفيه الرحمة :

منهجنا القرآن دستور رحمة       إلهية أغنى الأنام َ وبشّرا

يمرّ علينا بالأمان صباحهُ      ويملأ في الإمساء دنياه عنبرا

وقال مصوراً جنود الله، وجيش محمد الذي جعل الله غايته، وسار على دربه الهدى والجهاد تحت ظلال القرآن :

إنا بعون الله جند محمد        أهل الفداء ، وصفوة النجباء

من أمةٍ كانت ولا زالت على    عهد الهدى والعروة الزهراء

في ظل سيفٍ، أو مآثر مصحفٍ    أو سيرة محمودةٍ ووفاء

الله غايتنا ، وتلك رسالة          تجلو البيان وليس بالإيماء !!

ويخاطب الشباب المسلم، ويطلب منهم أن يسددوا، ويقاربوا، وأن يعتصموا بحبل العقيدة الإسلامية، فهي قوة لا تقهر :

يا إخوة الإسلام لا تسترخصوا    منحَ الكريم وسددوا واستبصروا

ثوبوا لرشد فالعقيدة موئلٌ                 للراشدين وقوّةٌ لا تُقهرُ

ويجعل الشاعر العقيدة زاده الذي يواجه به الخطوب والمحن :

أيها العيدُ، والعقيدة زادي          ما ثنت همتي يدُ الأنكاد ِ

وصوّر مسارعة شباب الإسلام إلى الجهاد حيث دوّت الله أكبر في كل البلاد :

قد جاء معترك الجهاد شبابنا      بالحقّ ، وابتدروا الفداء ورددوا :

الله أكبر لم تزل عنوان من              خبرَ الأذيّة من عدوّ يجحدُ

ومن وهب حياته للرحمن فإنه يعيش على الغنى، ومن سخّر حياته للشيطان عاش فقيراً :

ومن أشربَ الإيمان يعلمْ مكانه          إذا اصطخبتْ دنياه بالمدّ والجزرِ

ومن عاش للرحمن عاش على الغنى   ومن عاش للشيطان مات على الفقر

فإن الغنى بالله عزٌّ ورفعة ٌ              وثوب العنا والفقر في الظلم والجورِ

ويحذر الشاعر الشباب المسلم من الإلحاد والكفر، والشرك لأن الله لا يغفر ذلك الذنب لشدّة قبحه :

وإياك والإلحاد فالكفرُ مهلكٌ      وذاك – وحقّ الله – قاصمةُ الظهرِ

فقد يغفرُ الرحمن للناس إثمهم          ولكنه لا يغفرُ الشرك في الحشر ِ

والتوحيد حياة النفوس والكفر هو دمار الأمم والشعوب :

فقم وأحي بالتوحيد نفسك إنها      تموتُ إذا الإيمان أخوى على الصدرِ

وعطّرْ به أيام عمرك صادقاً               فإن شذا الإيمان أزكى من الزهر ِ

لقد خابَ من رامَ المعالي بكفره            وذلّ الذي يرجو المفاخر بالجور ِ

ويسعد المرء نعيم الجنة الذي أعدّه الله للأبرار :

أما هيجت للنفس قرة أعين      أعدّت لأرباب المنازل أغيرا ؟

ومن زمرٍ يأتون جنة ربهم      لكي يردوا حوضاً مصفى وكوثرا ؟

وأبوابها ما بين هجرٍ ومكة ٍ        وأشجارها طابتْ ثماراً ومنظرا

ويجد المسلم في الجنة كل نعيم وزيادة على ذلك يتمتع برؤية الله:

وفيها ويا حسن المآب زيادةٌ      مجاورة الرحمن أعظم مظهرا

إذا كشف الله الحجاب تنعّموا    وطابَ هواهم بالنعيم تخيرا

وصوّر الشاعر كيف كانت الملائكة تمدّ المسلمين في بدر، وتقاتل معهم:

ألم تكُ في بدرٍ مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــؤيدةً لها      من الله إمدادٌ أتى ما تأخرا ؟

فألقتْ على قعر القليب طغاتهم       وهدّم جند الله بالنصر خيبرا

القضاء والقدر:

إنه ركن من أركان العقيدة الإسلامية، يؤكد الشاعر عليه في مناسبات عديدة، فهو يقول إن قدر الله لا يغيره الأعداء :

وما ضرنا كيدٌ، وما ردّنا أذى        ذاك عنــــــــــــــــــــــــــــــــــــد الله ربّ العالمينْ

والمقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادير التي نجهلها       بين كاف فانتظرْ – ويكَ – ونونْ

والشاعر شريف قاسم مؤمن بأسماء الله الحسنى وصفاته، منزه لربه من كل نقص ينسب إليه كل كمال :

يزلزل بالطاغين أرضاً، وإنه           ليخفض أقواماً عليها ويرفعُ

وقدرته كانت لكل عصابة ٍ         على بغي طغيان العد تتمتعُ

قريبُ مجيبٌ ليس يأخذه الكرى   ولا سِنة، والله يدري ويسمعُ

ويعاهد الله بأنه لن يركع لغير وجه الله الكريم، فثقته بالله لا حدود لها:

لغير إله العرش لست براكعٍ       ولا للصروف النازلات سأركعُ

فلي ثقة بالله ما عشت لم أهن     وليس لتهديد الليالي سأسمعُ

إنا أنزلناه قرآناً عربياً :

لغتنا العربية الفصحى، لغة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لغة نبيِّ اللهِ إسماعيل عليه السلام، لغة القرآن الكريم، لغة الفتح والمجد والسؤدد، لغة العلوم والمعارف، لغة أهل الجنة يوم الخلود ...  طوبى لمَن آثرها، وعرف قدرها، وتبًّا وتعسًا لمن عاداها، وآثرَ غيرَها عليها، يقول الشاعر شريف قاسم مبيناً عظمة لغة القرآن وأسرارها:

بـلاغـةُ إسـمـاعـيـلَ لـم يَـخْبُ وهْجُها       ولـيـس  لـهـا فـي الـعـالـمـين  مماثلُ

عـلـيـه  ســــــــــــــــــــلامُ الَّـلـهِ ضـمَّـتْـه مـكَّةٌ       فـعـاشَ  هُـداهـا تـجـتـبـيـه الشَّمائلُ

وآثـرهـا فـصـحـى ، يـردِّدُهـا الـمدى        ولـمـ  يَـنْءَ عـنـهـا فـي الـبريَّةِ عاقلُ

واللغة العربية الفصحى هي لغة إسماعيل - عليه السلام -، وراح ينطق بها كرام الناس، ويدافعون عن حماها في مواجهة ثلّة من الرعاع السفلة، الذين لغة تجاهلوا لغة الآباء والأجداد، وانسلخوا من قيم العروبة :

جـنـى أحـرفِ الـضَّـادِ الـظليلُ ولم يزلْ        نــدِيًّـا حـوالـيـه الـكـرامُ الأفـاضـلُ

يــذودون عــنــه فــي عــــــــــــــــــــــــــراكِ أذلَّـةٍ  قَـلَـوا مـجـدَهـم، بـئسَ الرعاعُ الأسافلُ

تـجـرَّدَ داعـيـهـم مـن الـفضلِ والعلى           يـقـلِّـبُـه  هـذا الـعـمـى والـعواملُ

وهذه القصيدة تحاكي قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم العربية تعاتب أبناءها، والتي يقول فيها :

أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامنٌ        فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني         وفيكم – وإن عزَّ الدواءُ – أساتي

ويجري شريف قاسم في قصيدته على ذلك المنوال، ويتحدث على لسان اللغة العربية، فيقول :

وتـسـألُـنـي  : مـا بـالُ قـومي تجاهلوا       عـلايَ  وفـي أحـنـائـيَ الـعـزُّ ماثلُ

وبـيـنَ سـنـى أسـفـارِ إرثـي ورفـعتي       مـطـافٌ بـه يـحـدو الأبـاةُ  البواسلُ

فـأبـلـغْـتُـهـا  مـا فـي فؤادي من الأسى عـلـيـهـا، وكـم قـد سـاءَ قلبي التَّجاهُلُ

وجـئـتُ  عـزيـزًا نـحـوهـا غـيرَ آبهٍ            بـمـا  فـعـلـتْـهُ بـالـتُّـراثِ الفعائلُ

وسخر الشاعر شريف حاج قاسم حياته، ونذر عمره للدفاع عن حمى لغة القرآن، فقال :

فـهـذا  بـيـانـي لـم يـزلْ دون عرضِها      يـذودُ، وإنِّـي عـن بـهـاهـا أُنـاضـلُ

ألـيـسَ بـهـا الـقـرآنُ جـاءَ مُـنَـجَّـمًا        مـــــــــــــن  الَّـلـهِ فـيـه وحـيُـه والـدَّلائـلُ

وآيــاتُ  ربِّـي لا يُـحـاطُ بـعـلـمِـهـا       وقـد  حـمـلـتْـهـا بـالـسُّـمُوِّ الفواصلُ

وقـد  أذعـنَ الـكـفَّـارُ يـومَ تـنـزَّلـتْ         بــلاغــــــــــــــــةَ قـولٍ لا يُـدانـيـه قـائـلُ

إلـى  حـرفِـهـا تُـنـمَـى فـرائـدُ حُلوةٌ    وأجـمـلُ مـا فـي الـمـفـرداتِ الـتَّفاضُلُ

هُـوِيَّـةُ  أهـلِ الـمـجـدِ مـا راقَ غـيرُها      لـهـم أبـدًا، والـعـيـبُ هـذا الـتَّنازُلُ

ألا  نـرتـضـيـه مـنـحـةً مــــــــــــــــن إلـهِـنا        لـسـانًـا فـصـيـحًـا أكـرمـته المحافلُ

نـعـيـدُ  بـه لـلـعـلـمِ زهـــــــــــــــــــــــــــــوَ ثـرائِـه         ويـدركُـنـا بـالـجِـدِّ هـذا الـتَّـفـاؤُلُ

هُـزمـنـا  بـمـيـدان الـتَّخصُّصَ وانثنتْ عـزائـــــــمُـنـا، والـعـصرُ للضَّعفِ خاذلُ

ولـم  تُـهـزمِ الـفـصـحـى، ولكنَّ أهلَها       أمـامَ طـواغـيـتِ الـغـزاةِ تـخـاذلـوا

فـهـانـوا، وهـانـتْ عـنـدهم لغةُ الهدى       وبـالـلـغـةِ الأخـرى تـراهـم تعاملوا

وليس صحيحاً أن اللغة العربية لا تناسب العصر، ولا تتسع لعلوم الحضارة المعاصرة، ولولا تقصير أبنائها لكانت لغة العالم الحضارية والصناعية والأدبية....

شعارات الحركة الإسلامية :

ويردد الشاعر شريف قاسم شعارات الحركة الإسلامية المعاصرة، ويشارك مع أبنائها في رفع تلك الشعارات التي يتجسد فيها الحق والخير والإخلاص، فها هو يقول :

فدعوتنا حقٌّ وما حمل الهدى      من البرّ أجدى للشعوب وأقربُ

ودستورنا القرآن فيه كفايةٌ       وهل في حجى قومٍ أصحُّ وأصوبُ

ويخاطب الشاعر الدنيا بأسرها، ويعلن أمام العالم أجمع أن القرآن هو دستورنا، والله غايتنا، فيقول :

يا دار دنيا  كتابُ الله منهجنا       وسنّة المصطفى النورُ الذي جهلوا

الله غايتنا والدين حجتنا                  وإن همُ سجنوا منّا وإن قتلوا

والنصرُ آتٍ وللإسلام صحوتنا          وللغد المشرق : الإيمانُ والعملُ

ويقول في قصيدة تحت عنوان ( لا مانع لما قضى الله ) متحدثاً عن شعارات جيل الصحوة الإسلامية التي تتجلى في :

عشنا نلبّي رسولَ الله قائدنا           والموتُ في الحقّ من أسمى أمانينا

ما ضرّنا أن الناس إن ضلّوا وإن وهنوا    لأنّ من قدّر الأقدار يهدينا

والجهاد هو السبيل إلى الخلاص والنصر والتمكين:

إنّ الجهاد هو السبيل لعزّة ٍ     وسواه من دعة ٍ لباسُ الواني

نمنا على فرش الهوان فأوهنتْ         عزماتنا الأيامُ بالمجّان ِ

وهكذا نرى أن الشاعر شريف حاج قاسم هو داعية من دعاة الصحوة الإسلامية في شعره ونثره، تمثل قيمها، وردد شعارتها، ودعا للالتزام بها .

المديح النبوي :

وكتب الشاعر شريف قاسم قصيدة مطولة عارض فيها بردة البوصيري ونهج البردة لشوقي جاءت تحت عنوان : ( بَيْنَ نَسِيْجِ البُرْدَتَيْن) بدأ بالغزل والتصريع مقلداً :

أَهَـاجَـكَ الـشَّـوْقُ يَـا قَـلْبِي فَلَمْ تَنَمِ ؟     وَرَاْوَدَتْـكَ مَغَانِي الشَّوْقِ فِي ( سَلَمِ) (1)؟

أَمْ هَـلْ سَـبَـاكَ فُـتُـوْنٌ فِي مَرَابِعِهَا ؟          أَمِ الـرُّؤى أَضْـرَمَتْ نَارَ الهَوَى بِدَمِي ؟

أَمْ  عِـشْـتَ نَـجْـوَى حَبِيْبٍ فِيْ تَبَسُّمِهِ      يُـسْـتَـمْطَرُ اَلأُنْسُ رَغْمَ الْكَرْبِ وَالأَلَمِ ؟

فَـمَـا  لِـعَـزْمِكَ قَدْ أَوْهَى جُذَاهُ أَسَى ؟!       وَمَـا  لِـخَـطْوِكَ أَخْوَى عَاثِرًا وَعَمِي ؟!

وبين فيها أن الدافع في نظم هذه القصيدة هو حب النبي عليه الصلاة والسلام، ووصف رحلته من دير الزور إلى الحجاز، ثم وصل إلى الغرض الحقيقي وراء القصيدة ألا وهو المديح النبوي، فتحدث عن مولده، وما رافق ذلك الفجر بالإرهاصات، فقال :

قـد  فـازَ مَـنْ تَـبِـعَ الهادي r iiوسُنَّتَه      وصـابَـرَ  الـظُّلمَ في أيَّامِنا الدُّهُمِ ii(24)

وإنَّـمـا حـبُّ خـيـرِ الـخـلْقِ iiدَيْدَنُنا       ولم  نُصَبْ في دروبِ الشَّوقِ بالنَّخَمِ (25)

وافـى  بـنـي هـاشمٍ في رَبعِهم iiفَزَهَتْ        بـطـاحُ  مـكَّـةَ مـن بِـشْـرٍ iiبوجهِهِمِ

وضـاءتِ  الأرضُ فـي أيَّـامِ iiمـولِـدِه        وأزهـرتْ  بـالـمُـنَـى وديانُ iiأرضِهِمِ

واسـتـبـشَرَتْ  في بني سَعْدٍ iiمراضعُهم     إلـى الـتـمـاسِ هـنـاءٍ بـعدَ iiبؤسِهِمِ

وسـابـقـتْ  بـفـتـاها كلَّ مَنْ iiسبقتْ     (  حـلـيـمةُ السَّعدِ ) بابنِ الفضلِ iiوالقيمِ

وبـدَّلـتْ  سـنـةً شـهـبـاءَ iiطـلعتُه          إذْ جـاءَهـم ربُّـهـم بـالـغيثِ iiوالكرمِ

وفـي  مـرابِـعِـهـم بـشَّـتْ iiطفولتُه        وشـقَّ  ( جـبريلُ ) صدرَ الطَّاهرِ iiالشِّيمِ

لقد أضاء الكون في يوم مولده وحلت البركة في بني سعد حين قدمت به المرضعة حليمة السعدية، وسبقت زميلاتها بأتانها العرجاء، ولما شق صدره الشريف خافت عليه من الجن فأعادته إلى أمه في مكة .

وهكذا تمضي القصيدة البديعية بطولها حيث يعدد الشاعر فيها أخلاق المصطفى وسجاياه الحميدة، مذكراً بأحداث السيرة من نزول الوحي، إلى الهجرة والإسراء، ووغيرها من وقائع تاريخية عظيمة أشرقت فيها شمس الإسلام وحضارته ، وهذا البردة الجديدة حلق فيها الشاعر باللفظ والمعنى ولكنه كان كلاسيكياً مقلداً غيره من الشعراء فجزالة الألفاظ وسيطرة الروح الخطابية ووحدة البيت والقافية والمحافظة على الأوزان التقليدية، وأحسن الشاعر اختيار البحر البسيط الذي يتسع لجميع الأغراض الشعرية، كما أحسن في اختيار حرف الروي، لولا تكلفه فيه في بعض الأحيان .

لقد جاء النبي الكريم بشريعة غراء فيها الأمان للضعفاء، وفيها النهج القويم والهدى من الضلال :

شـريـعـتُـكَ  الـغراءُ يا خالقَ  الورى               أمـانٌ  بـهـا والـخـيـرُ منها تفجَّرا

أتــــــــــــــــــانـا بـهـا خـيـرُ الـنَّبيين   رحمةً              بـمـنـهـجِـهـا  حالُ الشعوبِ تغيَّرا

بـوجـهِ  أبـي الـزهراءِ تُسقَى  مرابعٌ                   وبـالـسُّـنـةِ  الـغـرَّاءِ حـالٌ تغيَّرا

لقد أنقذت هذه الشريعة الغراء الأمة من الضلالة والجهالة، وكان نور القرآن يهدي للتي هي أقوم :

وأنـقـذَ  نـورُ اللهِ بـالـشـرعِ  أُمَّـةً                 وأعـلـى  لـهـا البيانَ إذ طابَ منظرا

وجـاءَ إلـى الـدنـيـا بـرحمةِ  بارئٍ                  ولـلـنـاسِ  بـالـنـهجِ القويمِ   مبشِّرا

ويـنـجـو بـآيـاتِ الكتابِ من اهتدى        ويـلـقـى الـذي يأبى الهدى ما  تسعَّرا

وعدّد الشاعر صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو البرّ، الرؤوف، الرحيم ، الذي صبر على الأذى، وبذل جهده في أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة :

رسـول  الـهـدى أنـت الـحفيُّ بأمةٍ               بـوصـفِـكَ  خـلاَّقُ الـبـريَّةِ  أخبرا

دعـوْتَ ولـم تـنـشـدْ لـنفسِك راحةً              وأُوذيـتَ  مـنـهـم كـي تكلَّ وتُقهرا

فـكـنـتَ بـهـم بـرًّا رؤوفًا وصابرًا                 وأعـظـمُ  مَـنْ يبني العلى مَن تصبَّرا

ولـم  تـألُ جـهـدًا فـي تتبُّعِ  خيرِهم              لـتـجـعـلَ بـالإسـلامِ حقلاً مُنَضَّرا

وحـذَّرْتَـهـم غـيَّ الـعصورِ  تتابعتْ               وخـوفًـا عـلـى الإسـلامِ أن يتبعثرا

دروس وعبر من هجرة سَيِّدِ البشر صلى الله عليه وسلم:

وكتب (شريف قاسم) يقول بمناسبة رأس السنة الهجرية مهد لها بقوله تعالى:

[وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {الحشر:9}.

أذِنَ الـلَّـهُ فـانـجلى الـيـومَ مــا  بــي     ...     مــــن جــنـايـاتِ غــــزوةِ الأحـــزابِ

ونـــــأى الــهــمُّ ، والــدُّجُـنَّـةُ ولَّــــتْ     ...       والــرزايــا تــمــوجُ مــــوجَ الـعـبـابِ

طـــلــعَ الـــبــدرٌ فـالـلـيـالي وِضــــاءٌ     ...         والــسَّـمـاءُ الـقـمـراءُ أُفـــقُ طِــرابـي

والــبـشـاراتُ رغـــمَ كـــلِّ الـمـآسـي     ...     بــاسـمـاتٌ يـحـمـلْـنَ زَهْـــوَ رِغــابـي

أنــــا مَــــنْ فـــوَّضَ الأمـــورَ لــربِّـي     ...         مَــــعْ دعــــاءٍ لــبـارئـي مـسـتـجـابِ

لقد طلع البدر، وانجابت الظلمة، وزالت الغمة التي كانت تموج موج البحر، وعمت البشارات رغم جميع المآسي، ولكن الشاعر الإسلامي يفوض أمره لله، ويلح في الدعاء، ويرجو الله أن يستجيب لدعائه.

هـجـرةُ الـمـصطفى ، وعـامُ الـمآسي     ... يـتـلاشى مــن بـعـدِ طــولِ الـعـذابِ

هــجـرةٌ قـــد سَــمَـتْ بــروحِ رِجــالٍ     ...       فَـتَـخَـطَّـتْ إيــــذاءَ ظُــفْــرٍ ونـــابِ

لقد جاءت الهجرة بعد عام الحزن بقليل حيث مات عمه أبو طالب كما ماتت خديجة، فكانت الملجأ والنجاة من أذى قريش، وكانت المدينة المنورة هي المحضن التربوي الآمن فلقد ابتلعت الشعاب مخاوف الناس وهكذا هي سنن الله كما اشتدت المحن جاء الفرج من الله وكلما عبست الخطوب جاءت البشارات والانتصارات ويذكر الشاعر المسلمين بنصر موسى على فرعون ، وكيف جاء بعد انسداد جميع الطرق :

لـم يـخافوا مـن سـطوةِ الشَّرِّ وافتْ     ...     مُـجْـتَـنَـاهُـم بــالـعـاصـفِ الـــغــلاَّبِ

إنَّـــــه اللهُ فــالـمـخـاوفُ غـــاضــتْ     ...      بَـلَـعَـتْـها أشــــداقُ تــلــك الـشِّـعـابِ

أَوَلَـــــمْ تُــبــصـرِ الــمــيـاهَ تـــنــاءتْ     ...           لــلـكـلـيـمِ الــنــبــيِّ دونَ ارتـــيـــابِ

أغــــرقَ اللهُ جــنـدَ فــرعـونَ يــومًـا     ...            وتــــداعــــتْ قُــــوَّاتُــــه لــلــتــبـابِ

ويذكر الفئة المسلمة بنجاة إبراهيم عليه السلام بعد أن ألقي في النار:

إنَّـــــــه اللهُ فـــاتَّـــقِ اللهَ واصـــبـــرْ     ...          يـطـفـئِ الـنـارَ فــي شـديـدِ الـتـهابِ

قــد نـجـا إبـراهـيمُ مـنـها فـأضـحى     ...     فـــي ســـلامٍ هــفـا وحُــسْـنِ مـــآبِ

تـشـمـخُ الـنـفـسُ إذ رأتْ مـعـجـزاتٍ     ...     رغـــــمَ بــغــيِ الـمـعـانـدِ الــجــوَّابِ

عــــــزَّةُ  الـــحــرِّ  لـلـيـقـيـنِ بـــــربٍّ     ...       ليس تفنى في العيشِ تحتَ الترابِ

فــالــمـقـاديـرُ كــلُّــهــا بـــيـــدِ اللهِ ..     ...     ..  ولــيــســتْ  لــمــرجــفٍ كــــــذَّابِ

لـــمَ ، لـــمْ تـذبـحِ الـمُـدى ذاتِ يــومٍ     ...     فـــــي مِـــنــى إبــراهــيـمَ ذا الآدابِ

وها هو يوسف عليه السلام ينتصر، ويمكّن الله له في البلاد، ويدخل القصر بعد الخروج من ظلمة البئر، والسجن وكيد القريب والبعيد:

ولــقـد بــيـعَ يــوسـفُ الــحـرُّ عــبـدًا     ...       مــثــلَ بــاقــي الـعـبـيدِ والأســـلابِ

وإذِ الــعـبـدُ بـيـنـهـم مَــلِـكٌ دانـــوا..     ...     .. لأحـــكــامِــه بــأبــهــى خـــطـــابِ

ويذكر الشاعر بقصة يونس -عليه السلام - الذي ابتلعه الحوت فلما تاب، واستغفر، وذكر الله جاءه الفرج بعد الشدة :

وهــو اللهُ مــا تـخـلَّى عــن الـعـبدِ ..     ...     بــأحـشـاءِ حــــوتِ بــحــرٍ عُــبـابِ

ظــلــمـاتٌ وقـــــد عــلـمـتَ ثــــلاثٌ     ...     لــحـديـثٍ يـبـقـى مـــدى الأحــقـابِ

بَــطْــنُ حــــوتٍ وظـلـمـة الـبـحـرِ آهٍ     ...     وظـــلامُ الـلـيـلِ الـعـريـضِ الإهــابِ

هـــكــذا يــحــفـظُ الإلـــــهُ عـــبــادًا     ...      أتـــقــيــاءً ومــــــن ذوي الألـــبـــابِ

وهذه سنة الله مع عباده الأتقياء، وقد نجا الله نبيه يوم الهجرة من كيد الكافرين ومكرهم :

إنـــهــا هـــجــرةُ الــنَّــبـيِّ ، وهـــــذا     ...     لــطـفُ ربِّـــي فــي جـيـئةٍ و ذهــابِ

هـــم أرادوا قــتـلَ الـحـبـيبِ ولـكـنْ     ...   ردَّ  ربِّــــي كــيــدًا عــلــى الأعــقـابِ

وكــــرامُ الأصــحـابِ لاقـــوا عــذابًـا     ...  فـــاقَ عــبـرَ الـعـصـورِ كـــلَّ عـــذابِ

وافــتــدوا ديــنَـهـم بــكــلِّ نـفـيـسٍ     ...       مــــن كــريـمِ الأمـــوالِ والأحــبـابِ

وســـقـــوا نــبــتـةَ الــمــآثـرِ مــنــهـا     ...       فَـتَـثَـنَّـتْ فــــي الأرضِ بــالأرطــابِ

ويفتخر الشاعر بذلك الجيل القرآني الفريد ( الصحابة ) الذي امتحن، فصبر، فظفر:

فَــهُـمُ الــيـومَ فـخـرُنـا فـــي حــيـاةٍ     ...          وَهُــــــــمُ الــــعـــزمُ لاحَ لــلــهــيَّـابِ

وَلَـنِـعْـمَ الـمـرابـطونَ هُـــمُ الـيـومَ ..     ...     ..  لأجــــنـــادُ شِــــرعـــةِ الـــوهَّـــابِ

تـنـتـشي الـــروحُ إذْ تـشـمُّ شـذاهـم     ...     يــــمـــلأُ الــكــائــنـاتِ بــالأطــيــابِ

ربِّ فــــاضَ الــجــوى بــكــلِّ ألــيـمٍ     ...    وتـغـشَّـى أحــنـاءَ صـــدري  وِثـابـي

وتــعـجـلْـتُ الــسَّــعـيَ فـابـتـدرَتْـنِي     ...          بــــأذاهــــا ضــــــــراوةُ الأنــــيـــابِ

ورمــتــنــي بــحــقـدِهـا عـــربــداتٌ     ...         راعــــفـــاتٌ بـــالــشَّــرِّ والأتـــعـــابِ

أطــبـقَـتْ بــالـمُـدى عــلـيَّ نــفـوسٌ     ...     شــحــذَ الــكـفـرُ حــدَّهــا بـانـتـيـابِ

وتــعـاوتْ تــلـك الـنـفـوسُ بـأرضـي     ...     كـــعـــواءِ الـــكـــلابِ أو كــالــذئــابِ

هــدمـوا كـوخَـنـا الـجـمـيلَ وهــدُّوا     ...     صـــرحَ مـا عـنـدنا مـــن الأحـسـابِ

إنَّـــهـــم أقــبــلــوا بــغــيــرِ قـــنـــاعٍ     ...              لا يـــبــالــون بــالــقــنـا والـــحـــرابِ

وبـــنــارٍ  بــالــمـوتِ  قــــد تـتـلـظَّـى     ...       أو بِـــنُــذْرِ اجـتـيـاحِـهم والــخــرابِ

وصوّر الشاعر هجمة الأعداء من كل حدب وصوب، من الشرق والغرب، ومن الجهات الأربع بينما قومي سادرون في النوم والخلاف والفرقة وتوافه الأمور:

داهـمـونـا مـــن كـــلِّ فـــجٍّ بـغـيـضٍ     ...     ومــن الـغـربِ مـاكـرًا فـي الـخطابِ

ومـــن الــشَّـرقِ والــغًـا فـــي دمـــاءٍ     ...       فـــي مـحـيـطِ احـتـوائـنا بـالـعـذابِ

لقد لعبت الأهواء والأحزاب بمصير الأمة، فأضعفتها:

تـــلــكَ يــا صــاحِ أُمَّــتــي أوهَـنَـتْـهَـا     ...        هـــمـــزاتُ الأهــــــواءِ والأحـــــزابِ

تــلــك أرضـــي وأهـلُـهـا أفـجـعَـتْهُم     ...     هَــلَـكَـاْتٌ فـــي مــذبـحٍ واغـتـصـابِ

سُـقِـيَتْ مــن مُــرِّ الـهـوانِ و عـانـتْ     ...مــن سـمومِ  فـالسَّمتُ مـن مـجدابِ

هــجَّــروا أهــلَـهـا الــكــرامَ وعــاثـوا     ...          بـــطــهــاراتِ رفـــعـــةِ الــمــحــرابِ

وأذلُّـــــــوا أعــــــزَّةً لــــــم يُــبــالــوا     ...           بـالـمـنـايا قـــد لــوَّحـتْ والـمـصـابِ

حـين هـاجَ الأشـرارُ بالعبثِ المُبرمِ ..     ...   مـــن قـبـلُ فــي فـجـاجِ الـشِّـعابِ

هــكــذا تُــذبَــحُ الــشـعـوبُ إذا مـــا     ...      جــذبـتْـهـا الأهـــــواءُ أيَّ انــجــذابِ

فـعـراهـا الــركـونُ لـلـظالمِ الـيـومَ ..     ...     ..    ودانــــــتْ لــلــمـجـرمِ الــمــرتــابِ

وتـــولَّـــى أُمـــورَهــا كـــــلُّ وغـــــدٍ     ...            أجــنــبـيِّ الــهــوى بــغـيـرِ صــــوابِ

لــــم يــكــنْ أهــــلا لـلـمـآثـرِ تــأبــى     ...        غــيــرَ فــــذٍّ  مــــن حـامـلـي الآدابِ

ذاك أقــسـى عـلـى الـنَّـجابةِ أوهَــتْ     ...        مــقــلـتـيـهـا بـــــــوارقُ الأذنـــــــابِ

وهــــو الــدهــرُ عــلَّـمَ الــنـاسَ مــنَّـا     ...            أنَّـــهــم لــــن يُــتَـوَّجُـوا بـالـمَـثـابِ :

إنْ جَــفــوا دعـــوةَ الـنَّـبـيِّ وخــفُّـوا     ...          شـــطــرَ لــذَّاتِــهـم لأبــخــسِ بــــابِ

لا يـــمــوتُ الإســـــلامُ إنَّـــــا رأيْــنــا     ...   مــا بــصـدرِ الـــرجــالِ مـــــن آرابِ !

وهــــو الـفـتـحُ مــنـذُ هــجـرةِ طـــه     ...       لـــم يـــزلْ فـــي مــنـازل الإعـجـابِ

والـمـثـانـي ، ومــــا بــنـورِ الـمـثـاني     ...     مــــن ســنـاهـا الـمـحـمـودِ لـلألـبـابِ

فَـلِـدُنْـيَـا مــزِيَّـةِ الألـــقِ الـفـيَّـاضِ ..     ...     ..  فـــــي سُــنَّــةِ الــنَّـبِـيِّ انــجـذابـي

ويـــحَ شــوقـي ونـفـحُـها ذكــريـاتٌ     ...        خــــالـــداتٌ مــتــيــنـةُ الأطـــنـــابِ

وعــلـيـهـا أعـــيــشُ أنـــشــدُ مــنـهـا     ...       مـا بـقـلـبي الـمـلـهـوفِ مـــن إدآبـــي

مــا تـخـلَّـى شــبـابُـنـا عــــن نــشـيـدٍ     ...       قـــد رعــتْـهُ الآيـــاتُ مــن إعـطـابِ

بُــذِلَـتْ فـــي مـــداهُ خــيـرُ نـفـوسٍ     ...        قـــانـــتــاتٍ لـــلـــبــارئِ الــــوهَّـــابِ

أَوَلَـــــمْ تُــبــصـرِ الـــرجــالَ بــعـصـرٍ     ...         عـــربــدَ الـــشَّــرُّ فـــيــه بــالإرهــابِ

لقد حملت الثلة المؤمنة راية الرسول والدعوة الإسلامية، وهاجرت في بلاد الله الواسعة:

حــمــلـوا رايــــةَ الــنـبـيِّ وعــاشــوا     ...         فــــي مــفـازاتِ هــجـرةٍ واغــتـرابِ

هــاجـروا والــكـروبُ تــتـرى تِـبـاعًـا     ...     مـغـمـضـين الـعـيـونَ عـــن أحــبـابِ

يــزفـرُ الــصَّـدرُ مـــن تـفـاقُمِ ضـيـمٍ     ...      وتــثــورُ الــحـروفُ  عــنـدَ الــرِّكـابِ

لــم يُـشِـنْ خـطـوَهم ثـقـيلُ الـرزايـا     ...    وَلِـعِـبْءِ الـصـروفِ بـعـضُ اكـتـئابِ

هـــم بــنـو الـصَّـبـرِ مـا تـوانى فــؤادٌ     ...       فـــــي مـــــدارِ ابــتــلائـه بــمُـصـابِ

ذا حــــريٌّ بــهـم وقـــد وعـــدَ اللهُ ..     ...        كـــــــرامَ الأنـــــــامِ بـــالأطــيــابِ

ربَّ قـــلــبٍ شــــدا لــديــنٍ مــكـيـنٍ     ...        أوردَتْــــــــهُ الأيــــــــامُ لـــلأتــعــابِ

قـــيَّــدوا نــهــجَـه الــقـويـمَ بــظـلـمٍ     ...         ورمــــوهُ فــــي ظــلـمـةِ الــسـردابِ

فــاســألِ الـعـالَـمَـيْن إنــسًــا وجــنًّـا     ...     هــــل تــــوارى نـشـيـدَه الإيـجـابـي

أطـــربَ الـعـالَـمِين والـشَّـدوُ يـحـلو     .  فـــي الــغـوادي بـحـكـمةٍ و صــوابِ

مـــن صـيـاغـاتِ مــؤمـنٍ ذي وفـــاءٍ     ...        وبــــتــــرتـــيـــلِ عـــــــابــــــدٍ أوَّابِ

هَـــجَــرَ اللهوَ والــمــعـازفَ بـــــاءتْ     ...        بـــوعـــيــدٍ مــــزلـــزلٍ لا يُـــحــابــي

كــــم يـعـانـي مـــن الــعـدوِّ تــمـادى     ...       وعـــذابـــاتِ عـــصـــرِه الــمــرتــابِ

وتـعالى عـلى الـمصابِ ولـم يركنْ ..     ...      لــــشـــدَّاتِ عــــصـــرِه الــنَّــعــابِ

لــيــس يـهـفـو فـــؤادُه لـغـوايـاتِ ..     ...     ..   ضـــــــلالٍ و فــتــنــةٍ وارتـــيـــابِ

فـالـنِّـداءُ الـقـدسـيُّ يــحـدو بـصـدرٍ     ...   لــيــس يـخـشـى تَـقَـلُّـبَ الأحــقـابِ

قُــمْ ولا تـحـزنْ فـالأحـاديثُ سُـقـيا     ...     لـلـبـطولاتِ فـــي الـــورى والـثَّـوابِ

واهــجــرِ الـلـوعـةَ الـمـريـرةَ تُـلـقـي     ...     مــن لـظـاها عـلـى نـفـوسِ الـشَّـبابِ

إنَّ ديـــــنَ الإســــلامِ بــــاقٍ فَــرَتِّــلْ     ...      مــن مـثـاني الـهُـدى أجــلَّ خـطـابِ

ويذكر الشاعر بحادثة سراقة بن مالك، وكيف لحق النبي طمعاً بالجائزة فتعثرت فرسه أكثر من مرة، فعرف أن رسول الله معصوم منه، ومحفوظ بحفظ الله فأسلم، وبشره رسول الله بسواري كسرى :

واســألَـنْ عــن سـراقـة الـشَّـهمِ لـمَّـا     ...     فــاضَ نــورُ الإيـمـانِ فــي الأهـدابِ

مـــا رأى مـــا مـــن الــرشـادِ تـجـلَّـى     ...     بـيـت جـنـبيْهِ فــي رفـيفِ انـجذابِ

ذُهِــــلَ الــكـفـرُ واضــمـحـلَ هــبــاءً     ...      لــجــلالِ الـتـوحـيدِ بــيـن الـشِّـعـابِ

واطـــوِ ذا الــوعـدَ يـا سُـراقةُ حـتـى     ...  فَـتْـحِ أرضِ الـمـجوسِ بـعـدَ ضِـرابِ

وتــمــرُّ الــسـنـون والــوعــدُ غـــافٍ     ...        فـــــي حــنــايـا ســـراقــة الــوثَّــابِ

وبــعـهـدِ الــفــاروقِ نُــــودِيَ أن يـــا     ...   صـاحـبَ الـوعـدِ أبـشِـرِنْ بـالـجوابِ

هــاكـهـا فـالـبَـسَـنْ سِـــواريْ زعــيـمٍ     ...     عـــاشَ فـــي كـبـرياءِ أهــلِ الـتَّـبابِ

وبـكـى ابــنُ الـخـطابِ حـين تـوالتْ     ... بـالـفـتـوحـاتِ  هِـــمَّــةُ الأصــحــابِ

فـــصــلاةٌ عـــلــى الــنـبـيِّ تُــزَجَّــى     ...        وســــلامٌ مــــن حـامـلـيـنَ الـكـتـابِ

قـد صـدقْتَ الـوعودَ تـفديك روحي     ..  حــيــثُ ولَّــــت  مــكـائـدُ الـمـرتـابِ

ولقد استطاعت جيوش الفتح دكّ دولتي فارس والروم بزمن وجيز في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :

والــتـواريـخُ بــلَّـغَـتْ كــــلَّ قــــاصٍ     ...       خــبـرَ الـفـتـحِ بــعـدُ فـــي إســهـابِ

هُــزِمَ الــرومُ وانـطوى مُـلكُ كـسرى     ...   وأتــى الـعـدلُ فــي جـمـيلِ الـثِّـيابِ

وأتـــى الــنـاسُ مـسـلمين فـطـافوا     ...     كـعـبـةَ الــحـقِّ والــهـدى والـصَّـوابِ

إنَّ هــــذا الإســــلامَ فـــيءُ قــلـوبٍ     ...       قـــــد كـــواهــا تَــوَقُّــدُ الأوصــــابِ

وكانت الوحدة الإسلامية والأخوة هي سبب تلك الانتصارات :

ذهـــبــتْ جــاهـلـيَّـةٌ بــعــدَ ضــنــكٍ     ...     وانــقـسـامٍ أغـــرى عــلـى الأعـــرابِ

فـتـآخـتْ عــلـى الـحـنـيفِ جــمـوعٌ     ...   وامـتـطـتْ لـلـجـهادِ ضُـمْـرَ الـعِـرابِ

هــو هــذا الـديـنُ الـحـنيفُ فـبشرى     ...   إذ تــهــاوتْ أوثــانُـهـم فـــي تــبـابِ

فــــضـــحَ اللهُ  زورَ كــــــلِّ زنـــيـــمٍ     ...       وتــداعـى طـاغـوتُـهم فــي الـغِـلابِ

وتـــلاشــى عـــــدوانُ كــــلِّ أثــيــمٍ     ...         فــإلــى الــيــأسِ غـــزوةُ الأحـــزابِ

وتـــداعـــى الــمـنـافـقـون و لـــكــنْ     ...      لــغـوادي الــغـرورِ شــطـرَ الــسَّـرابِ

كـــــلُّ بــــاغٍ لــلـعـارِ بــــاتَ رهــيـنًـا     ...     شــأنُـه فــي الـحـياةِ شــأنُ الـذُّبـابِ

أَوَلَــــمْ تــقــرأِ الـصـحـائـفَ أمــسـتْ     ...    نــاطــقـاتٍ عــــن قــيـمـةِ الــكــذَّابِ

عِـــشْ حـصـيـفًا فــقـد رأيــتَ مــآلا     ...     مـــحــزنًــا لــلــمـنـافـق الـــمــرتــابِ

يــخــســرُ الــظــالـمـون أيَّ سِـــبــاقٍ     ...       لايـــديـــنــون فــــيــــه لـــلــوهَّــابِ

فالهجرة النبوية هي نداء انعتاق ورمز للتحرر من جميع القيم الجاهلية :

هــجـرةُ الـمـصـطفى نـــداءُ انـعـتاقٍ     ... مـــن حـواشـي الـمـزخرفِ الـخـلاَّبِ

زيَّــنَـتْـهُ الأهــــواءُ مــــن كـــلِّ فـــنٍّ     ...      فــــي ســفــورٍ مُــدَنَّــسٍ لاحــجـابِ

ودواعٍ مـــقـــيـــتـــةٍ لا أمــــــــــــانٍ     ...            وغُــــلُــــوٍّ مُـــسَـــفَّــهٍ لا صـــــــوابِ

يَـخْـضِدُ اللهُ شـوكـةَ الـبـغيِ فـاعـلمْ     ...   إن تــعــالــى الــبــاغـون بــالألــقـابِ

وما زالت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، ولنستمع للشاعر، وهو يقول:

أُمَّــتــي لــــم تــــزلْ بــمـنـزلِ خــيـرٍ     ...     رغـــم مــا فـي عــواصـفِ الإرعـــابِ

رغـــمَ دمـــعٍ جـــرى وجـــرحٍ بـلـيـغٍ     ...     واضــطــهـادٍ مــبــرمـجٍ وانــتـحـابِ

والإبـــــاداتِ فــــي بــقــاعٍ  يــراهــا     ...     عـالَـمُ الـلـؤمِ فــي صـريـح ارتـكـابِ

وفـــؤوسِ الـتـدمـيرِ فـيـهـا تـلـظَّـتْ     ...     مَــــعَ نــهـبٍ  وخــسَّـةٍ و اغـتـصـابِ

إنــهـم مـسـلـمون ! فـاعـلمْ ويـكـفي     ... نــسـبُ الـدِّيـنِ حـيـثُ جــزُّ الـرِّقـابِ

ويفضح الشاعر هراء تلك الدول التي تزعم أنها ترعى حقوق الإنسان، فقوانين مكافحة الإرهاب فضحت زيفهم؛ لأنهم قتلوا الأبرياء، وسجنوا العلماء تحت لافتة مكافحة الإرهاب:

فحقوقُ الإنسانِ في مجلسِ الزورِ ..     ...     هُـــــراءٌ عـــلــى بـــريــقِ ســــرابِ

لا تُـــصَــدِّقْ أرقــامَــهُـم وضــعــوهـا     ...         لاحـــتـــيــالٍ مُــــمَــــوَّهٍ جــــــــذَّابِ

دولٌ عُــظــمــى ! والــبـقـيـةُ ذيـــــلٌ     ...    بــئــسَ أرقـــامُ مـجـلـسٍ ذي عـــابِ

نَــمَّــقُـوهـا تَــعَـسُّـفًـا لـــــم يُــبــالـوا     ...        فَــهُــمُ الأقــويــاءُ فـــي كـــلِّ بـــابِ

والـــتــواريــخُ لــلـمـغـفَّـلِ يـــشـــدو     ...        بــخــطــابـاتِـهِـنَّ ذا  الــمــتــغـابـي ؟

يــدَّعــون الــحـقـوقَ لـلـنـاسِ لــكـنْ     ...    فــضـحَـتْـهُـم شَــمَّــاعـةُ الإرهـــــابِ

فَـخَـوابـيـهـمْ مُــنْـتِـنَـاتٌ فــبِـئـسَـتْ     ...      مــاحـوتْـهُ بــطـونُ تــلـك الـخـوابـي

فـالـخـوابي لـيـسـتْ لــوفـرةِ شــهـدٍ     ...       بـــــل لـــســمٍّ يُـــــدافُ بـــالأكــوابِ

ولا مجال للمقارنة بين عدل الإسلام ،وعدالة الأرض في الشرق والغرب:

أيــن مـنـهم عــدلُ الـحنيفِ تـساوى     ...   فــــي مـعـايـيرِه عــلـى اسـتـحـبابِ

حــــقُّ ذاك الـضَّـعـيـفِ بـــاتَ قــويًّـا     ...   مَـــعَ ذي الـمـركـزِ الـرفـيـعِ الـجـنـابِ

أيـــن مـنـهـم بــيـضُ الـمـآثـرِ ألـقـتْ     .. مــن عـطـايا مـيمونِ ودقِ الـسَّحابِ

رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 790

آفاق العبادة :

ولا ينكر عاقل دور العبادة في تهذيب أخلاق المسلمين فالصلاة تقوي الصلاة الاجتماعية بين المسلمين والصيام يشعر الصائم بفقر إخوانه وحرمانهم والزكاة تزكي نفس المؤمن وتطهرها من الشح والبخل والحسد والحقد، وهكذا نجد البعد الاجتماعي ماثلاً في العبادات ...

ويتحدث الشاعر عن آفاق العبادات ودورها في الإسلام ومكانتها، فهي تهيّج شوق المؤمن إلى الجنان، وتسمو بالإنسان، وتهذب روحه وأخلاقه، ولنستمع إلى الشاعر شريف قاسم، وهو يقول :

يا باعث الشوق للجنات هيّجنا    صفوٌ وصبرٌ ..وزاد القلبِ إيمانا

يحدو وتمنحنا آفاقه متعاً           نعدو بها في مدى التوحيد فرسانا

وللصيام هوى في فخر أمتنا            أضحى لمجد سموّ القومِ عنوانا

وللصلاة عمودٌ شامخٌ قُدُماً           ما ناله الكفرُ إذ ما زال خزيانا

وللزكاة بريح السحب ساريةٌ           تسقي فيجعل صدرُ الودّ ريّانا

والحجُّ لما يزل للناس آصرة ٌ              تشدُّ من أزرهم سرّاً وإعلانا

الصلاة :

تعتبر الصلاة عماد الدين وركنه المتين، وهي الصلة بين العبد وربه :

وللصلاة عمودٌ شامخٌ قدماً      ما ناله الكفرُ إذ ما زالَ خزيانا

والصلاة تقرّب البعيد وتسمو بالعبد وتنتشله من الشقاء :

صلاتك زلزلتْ صرح التنائي     عن الوهج المقدس في الأداءِ

صلاتك إن سموتَ بمقتضاها      هزئتَ بطول عربدة الشتاء ِ

والمؤمن يفتخر بأنه عبد لله ، ويتعلم من الصلاة التذلل لله، والتواضع، وأما غير المؤمن فهو عبد للدنيا :

كفاه بأنه لله عبدٌ                وبعضُ الناس للدنيا إماءُ

ويشمخُ بالتواضع حيث صلّى   إذا افتخر الطغاةُ الأشقياءُ

وفي قصيدة أخرى تحت عنوان: مع نفحات الهدى، يحنّ الشاعر شريف قاسم إلى صلاة القيام والتهجد التي كان يؤديها مع إخوان العقيدة والجهاد الذين وصفوا بأنهم (رهبان الليل وفرسان النهار ) :

يا حبذا صلواتُ الليل تجمعنا      وحبّذا نفحات الغيب تلقانا

وحبّذا إخوة الإيمان تكلؤهم             عناية الله عبّاداً وفرسانا

الأذان :

إنه شعار المسلمين يتردد على مسامع أهل الأرض خمس مرات في اليوم وعندما يرتفع صوت المؤذن فإنه يثير الأشواق في القلوب المؤمنة :

مؤذنها اللبيبُ أثارَ فيها      رفيفَ الشوق في فعل الوفاءِ

ويطربُ الشاعر عند سماع مؤذن الفجر، وهو يستمطر سحائب الرحمة :

منادي الفجر صوتك هلّ يُزجي      سحائب من لدنْ ربِّ السماءِ

والأذان يحرك الشوق والانتماء إلى أمة الإسلام وإلى دعوة القرآن :

أذانك هيّج الذكرى بقلبي      وأوقد نارَ شوقي وانتمائي

إلى الإسلام لا أرضى سواه    إلى القرآن دستور ارتقاء ِ

ويؤكد الشاعر في لحظة حزن أن المصائب والمحن التي أنزلها الكفار بدنيا المسلمين قد أصابت كلّ مكان يعلو فيه آذان الفجر :

أيّ أرضٍ يعلو الأذان رباها     كلّ فجرٍ، ولم يصبها الداءُ !!

وليس هذا تشاؤماً بل تصويراً لحقيقة ما يجري في هذا العالم البعيد عن القيم والحق والعدل .

الصيام :

يناشد الشاعر الأمة الإسلامية أن تجدد عهد الفضيلة في شهر الصيام :

أمة الصوم : جدديها عهوداً       بالمزايا فياضة والمعالي

رمضان الهدى أتاك ِ فهبّي     رغم كلّ الآفات والأهوالِ

ويطلب من الشباب المسلمين أن يهجروا الأهواء، وأن يحذروا الخداع والتضليل الإعلامي، ويتجنبوا المقاهي والملاهي :

وتخطي فعلَ الجناة، وتيهي       فوق ما في الأهواء من إخلالِ

المقاهي تنوّعت ، والملاهي         وفضائيات الهوى والضلال ِ

ويرحبُ بقدوم شهر الخير والبركة، فيقول :

مرحباً بالصيام يقدم خيراً        ذا حباءٍ في أكرم استقبــــــــــــــــــــــال ِ

عانقته القلوبُ حبّاً وشوقاً       في ولاء لــــــــــــه وفي إجــــــــــــــــــــــــــلالِ

مرحباً شهرنا الكريم، وأهلاً     بجمال التقى، وحسن الخصالِ

ويصور تسابق الأمة إلى أعمال الخير في هذا الشهر الفضيل :

مرحباً شهرنا الحبيب ، فهذي     أمة الصوم والهدى والوصالِ

يتبارى أبناؤها في صيام            وقيــــــــــــــــــــــــــامٍ فيالطيب النوالِ

هم يرون الصيام باب انتصارٍ      وافتقارٍ لبارئ الأحـــــــــــــــــــوالِ

وقال في الصيام متحدثاً عن دوره في التربية وبناء النفوس وتهذيبها :

صـومُ الـتُّـقـاةِ مـزيَّـةٌ  تـتـجـدَّدُ                    أوفـى  مـآثـرَهـا الـنـبـيُّ محمَّدُ

تـسـمـو بـهـا الـنَّـفـس  الـكريمةُ                هـجـرًا  لأهـواءٍ لـظـاهـا يُـخـمدُ

فـبـهـا  الـتـزامُ الـمرءِ بالدِّينِ  الذي          جـعـلَ الـنـفـوسَ مـن الهدى تتزوَّدُ

بـالـصَّـومِ تُـدركُ مـايـريـدُ  إلـهُنا                 فـطـريـقُ  رفـعـتِـهـا عليه السُّؤدُدُ

وبـه يـجـاهـدُ حـيـثُ يأنسُ  نصرَه         جَـلْـدًا عـلـى الـخورِ الذي لا يُحمَدُ

وعـلـى  الـسَّـخـافاتِ الدنيئةِ والهوى      وعـلـى  انـحـطـاطٍ في السلوكِ يُهدِّدُ  

ويبين الشاعر ما أعده الله للصائمين والعاكفين من الأجر العظيم، فللصائم فرحتان فرحة حين فطره وفرحة حين يلقى ربه ، حيث يدخل الجنة من باب الريان الذي وضع خصيصاً للصائمين :

قـيـمُ الـصـيـامِ هـدايـةٌ iiنـبـويَّةٌ           وبـهـا الـنـفوسُ إلى المعالي iiتصعدُ

لـم تـرضَ إلا بـالـكـريمِ من iiالرؤى        وهـي  الـمـزيّـة لـلـذيـن iiتـعبَّدوا

لـلـهِ  واعـتـكـفوا ،÷ وهم لم iiيسأموا      وعـن  ابـتـغـاءِ الأجـرِ لـم iiيتردَّدوا

مـيـدانُـهـم  : سـبـلُ الهدى لمَّا تزلْ          عـلـويَّـةَ الـمـسـعـى ، وذلك iiيُحمَدُ

ولقد ولّد الصوم عندهم خلق التقوى فصاروا يخشون قنطرة الحساب ويرغبون بدخول الجنة من باب الريان :

يـخـشـون قـنـطرةَ الحسابِ ، iiفظالمٌ        يُـقـتَـصُّ مـنـه ، وبـالـتَّبارِ يُصفَّدُ

والـصَّـائـمُ  الـقـوَّامُ يـنـجو يومَها                  وجـبـيـنُـهـ  بـنـجـاتـه  iiيتورَّدُ

ولـه  عـلـى بـوَّابـةِ ( الـريَّانِ ) iiما         يـرويـه مـن ظـمـأٍ هـناك ، iiويسعدُ

والـصـومُ  يـشـفعُ والصَّلاةُ بإذنِ iiمَنْ       بـرأَ الـبـريَّـةَ ، والـعـطـايـا iiأزيدُ

وشهر رمضان هو شهر القرآن وعلى المسلم أن يكثر من تلاوته ويتدبر آياته وأحكامه :

يـا صـاحـبَ  الـقرآنِ في رمضانَ iiقُمْ            فـالـيـومَ تـاجُـكَ لـم يـنـلْهُ iiمعربدُ

أيـامُ  شـهـرِكِ والـمـرابطُ أنتَ iiفي           أحـلـى  الـشـهـورِ ولـلمهيمنِ iiتسجدُ

وفي رمضان ليلة القدر التي تعدل ألف شهر فيما سواه :

فـي لـيـلـةِ الـقـدرِ الشَّريفةِ أو iiعلى              لـحـظـاتِ فـضـلٍ عـنـدَ ربِّك تُعقدُ

جـاوزتَ مـا رضـيـتْهُ بعضُ iiنفوسِهم            فـثـوابُ  صـومِـك والـعـبادةِ يصعدُ

هـيـهـاتَ  ينسى المؤمنُ الأتقى iiرضا                ربِّ  الـبـريَّـةِ والـقـبـولَ فـيـرقدُ

ويا فرحة من هجر المتقاعسين والمنافقين وصحب أهل الإيمان وعبد الله معهم فصلى وصام وقام رمضان :

طـوبـى لـمَـنْ هـجرَ الذين iiتقاعسوا         أو حـاربـوا ديـنَ الـهـدى  iiوتهوَّدوا

وتـنـصَّـلـوا عـن مـكـرُماتٍ iiجمَّةٍ                 ولـكـلِّ زيـفٍ أو هـوانٍ iiجُـنِّـدوا

فرحة العيد :

وكتب (شريف قاسم) قصيدة صور فيها فرحة العيد، يقول فيها :

يـحـمـل الـعـيـدُ فــرحـةً خـبَّـأتْـها     ...        لــلـحـزانـى  رســـالــةُ الإســـعــادِ

أكــلــتْ بــسـمـةَ الــوجـوهِ أيـــادٍ     ...        آثــمــاتٍ عــلـى امــتـدادِ الــبـلادِ

مــزَّقـتْ ثـوبَـنا الـجـديدَ وألـقـتْ     ...      بـمـغاني الأطـفـالِ فــي كــلِّ وادِ

قـد تـلظَّتْ أحـقادُهم فاستباحتْ     ...  مــهـجَ الـشـعـبِ أُلـقـيـتْ لـلـقـتادِ

ربِّ فَــرِّجْ كـروبَـنا فـالمروءاتُ ...     ...     .. لــديــنـا مــغـلـولـةٌ والأيــــادي

واحــــيِ فـيـنـا بـطـولـةً دفـنـتْـها     ...         بـيـدينا الأهــواءُ تـحـتَ الـرمـادِ

وهذه الأمة لن تموت أبداً، وها هي التباشير تأتي مع صباح العيد :

أمــتـي لـــن تــمـوتَ والـعـيدُ آتٍ     ...     والـتـباشيرُ فـي الـصباحِ الـحادي

ليس يفنى الإسلامُ رغم الأعادي     ... والـعُـتُوِّ الـمشبوبِ رغـمَ الـتمادي

لــيـس يـثـني الأبــاةَ كـيـدُ لـئـيمٍ     ...      أو يـــــردَّ انـطـلاقَـهـم بــاعـتـدادِ

غــدًا الـعـيدُ ... فـابتهجْ يـا فؤادي     ...  وتــــرنَّـــمْ بـــأعـــذبِ الإنـــشـــادِ

والأعياد في الإسلام تأتي بعد مواسم الطاعات مثل: الصوم، والحج :

واشــكــر اللهَ إذ حــبـاكَ بــصـومٍ     ...      وثــــوابٍ فــــي جــنَّــةِ الـمـيـعادِ

عـشتَ شـهرَ الـهدى فـنلتَ سُـمُوًّا     ... فــــي زمــــانٍ يــعــجُّ بـالإفـسـادِ

مـــا أُحـيـلـى الأيــامَ تـزهـرُ فـيـه     ...   بـهـجـةُ الـعـمـرِ كـالـربـيعِ الـبـادي

غــــدا الـعـيـدُ والـلـيـالي بـنـوهـا     ...        بـــيــنَ أثــقــالِ رائــــحٍ أو غــــادِ

فـتـحـتْ بـالـنـوازلِ الـسُّـودِ بـابًـا     ...    وثــقــيـلِ الـمـكـابـداتِ الــشِّــدادِ

وأكــبَّــتْ كـأهـلِـها فـــوقَ شــجـوٍ     ...      كـــدَّســتْــهُ مـــــــرارةُ الأنـــكـــادِ

أو أتـــاحــتْ لآخــريــن حــبــورًا     ...    مـــن شــذاهـا وعـابـقًا مــن ودادِ

والعيد موسم لصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين بين الأحباب والأصدقاء:

بـاحـتفاءِ الأهـلين راقـتْ وأدنـتْ     ...      مـــــن أمـــــانٍ مــطــرَّزِ الأبــــرادِ

والـتـهاني، هـنـا، هـنـاك : صـوادٍ     ...   لـهـنـاءٍ بــيـنَ الـقـلوبِ الـصَّـوادي

تـلـك يـاعـيدُ قـصَّـةُ الـناسِ فـيها     ...   نـسـجـتْها أذىً نــيـوبُ الــعـوادي

كــم أبـادتْ مـن الـوجوهِ وأفـنتْ     ...   مــن بـيـاضٍ بـيـن الـورى وسـوادِ

وأثـــارت نـــارَ الـمـكـارهِ تــشـوي     ...     رفــرفـاتِ الأفــراحِ فــي الأكـبـادِ

وتــراءتْ وفــي الـثَّـنايا خـطـوبٌ     ...     عـصـفُـهـا ذو فــضـاضـةٍ وعــنـادِ

فـــكــأنَّــا أمـــواتُــهــا بــيــديــهـا     ...            وعــلــيـنـا لــلــثـاكـلاتِ تـــنــادي

غـــدا الـعـيـدُ ... والـمـذابحُ فـيـنا     ...    رائـحـاتٌ فــي الـمـسلمين غــوادِ

تـتراءى الأجـساد  تـنطقُ ، تشكو     ...  مــا عــراهـا لـلـمـجـرمِ الــجــلاَّدِ !!

فـــي فـلـسـطين داهـمـتْنا يـهـودٌ     ...       وأذلَّـــتْ شـمـوخَـنا فـــي الـعـبادِ

وبــبـغـداد ويــحـهـا لــــم تــغـادرْ     ...     غـــارةُ الـبـغيِ أو مُــدى الأحـقـادِ

وبــدنـيـا أهـــلِ الـحـنـيفِ أفـــاعٍ     ...     ذاتُ ســمٍّ كـالجمرِ فـي الأجـسادِ

وبـــأرضِ الــشـآمِ عــاثـتْ ذئــابٌ     ...     عــاويــاتُ بـالـبـطشِ والإفــسـادِ

والـشـبـابُ الــوثَّـابُ وجـــهٌ أبــيٌّ     ...        لــــم يــهـادنْ ضـــراوةَ الأوغـــادِ

في ديارِ الإسلامِ، في كلِّ صوبٍ     ...  لا تــهـابـوا ... فــالَّـلـهُ بـالـمـرصـادِ

ويعجب الشاعر شريف قاسم من هوان قومه وذلهم بين الأمم :

ويحَ قلبي  والعيدُ حولي مسجَّى     ...     بــثــيـابِ الــفـخـارِ والأمــجــادِ !!

وبــكـلِّ الــدروبِ تـلـقى صـريـعاً     ...      أو أســيـرًا يــئـنُّ فـــي الأصــفـادِ

أَلِـقـومـي هــذا الـتَّـبارُ ، وقـومـي     ...      أهـــلُ زهـــوِ الـقـرآنِ والأعـيـادِ !!

مــالـهـم أذعــنــوا لــكــلِّ حـقـيـرٍ     ...        وأنــاخـوا واسـتـسلموا لـلـرقادِ !!

غـــدًا الـعـيـدُ فـانـتهضْ  وتــدرَّعْ     ...     بـالـهدى يـا شـعبي وقــم لـلـجهادِ

تــجــد الـعـيـدَ فــرحـةً أكـرمـتْـها     ...        سُــنَّــةُ الــخـيـرِ لـلـنـبـيِّ الــهـادي

لــن تــدومَ الأحــزانُ فـالفتحُ آتٍ     ...   رغـــمَ أنـــفِ الأعــداءِ والـحـسَّادِ

وسوم: العدد 776

الحج :

ويقول الشاعر (شريف حاج قاسم ) في قصيدة له تحت عنوان: ( من رسائل الحج المبرور ) جاء في مطلعها:

يَـسـتـحسنُ الـمـجـدَ الأثــيـلَ الــسـؤددُ     ...     ويــزيــلُ مـا تُـمـلي مـــن الــسُّـوءِ الــيـدُ

والــــزورُ يــهــوي بـالـدَّعـاوى أُفــرغـتْ     ...     مـــن كـــلِّ مـــا يـأتـي الـهـوى ويُـجَـسِّدُ

ويــنــيـخُ ذو ريـــــبٍ عـــلــى أبــوابِـهـا     ...         ويــــرومُ مــذمــومَ الــفِـعـالِ الـمـفـسـدُ

ولا خير إلا بهدي النبوة، فهو مجمع الفضائل والقدوة الحسنة لكل المسلمين :

إنَّ الـــمــآثــرَ لــــــم تـــكـــنْ إلا لِـــمَـــنْ     ...       بِــهُـدى الـنُّـبُـوَّةِ فــي الــورى يـسـترشدُ

أجــيــالُـهـا تــحــيــا عـــلــى أنـــوارِهــا     ...           وبـغـيـرِها فـــي الـعـيـشِ لــم يـتـقيَّدوا

أَوَلَــــم تَــــرَ الــدنـيـا بــأشـهـرِ حـجِّـهـم     ...          فــــي حِــلـيـةِ الــفــرحِ الـمـقـيمِ تــغـرِّدُ

هـــم أدلــجـوا فـهـفـا الـضـيـاءِ بـلـيـلِهم     ...    والـسَّـعـيُ فـــي نــورِ الـمـحامدِ يُـحـمَدُ

مـــن مــكـة : الإســلامُ أشــرقَ صـبـحُه     ...    فـــبــلالُ  صـــنــوُ أذانـــهــا والــمــوعـدُ

والـــرَّاويـــاتُ ولــــــم تـــنـــم آمــاقُــنـا     ...             ونـــهـــبُّ صـــــوبَ رحــابِــهـا نــتـعـبَّـدُ

فـالـصَّـفحةُ الـبـيضاءُ مُـلـكُ مَــن اتَّـقـى     ...       فـــالإثـــمُ ولَّــــــى والـــذنــوبُ تُـــبَــددُ

هـــــي لـلـحـجـيـج رســـالــةٌ شــرعـيـةٌ     ...            لـــبَّـــى نِـــداهـــا الــمــؤمـنُ الـمـتـعـبـدُ

لــبــيـكَ ربَّ الــنــاسِ جــئـنـا نــرتـجـي     ...      مـــن عــفـوِكَ الـفـيَّـاضِ يـحـفظُه الـغـدُ

يــــوم الــنـشـورِ إذا الـمـقـابـرُ بُـعـثِـرَتْ     ...      والــنـاسُ فــي وجــلٍ فـمـا مـلـكتْ يــدُ

وهـــمُ الـحـجـيجُ بــهـم يـبـاهـي ربُّـهـم     ...     مَـــن فـــي الـسـمـاءِ ولـلـتَّباهي مـشـهدُ

الـــيــومَ يُـــجــزَون الــجِــنـانَ مــكـانـةً     ...     طــابــت ، وطــــابَ نـعـيـمُـها الـمـتـفردُ

نـفـحـاتُـها فــــي حــقـبـةِ الـدنـيـا لــهـم     ...      كــانــتْ بــشـائـرَ مــــن كــريـمٍ يُـقـصَـدُ

ويذكر الشاعر بالحديث المشهور الذي يجعل جزاء الحج المبرور هو الجنة :

فـــالــحــجُ مــــبـــرورٌ وذاك جــــــزاؤُه     ...       يــرويـه (مـسـلـمُ ) والـحـديـثُ مــؤكَّـدُ

تـحـلـو مـواقـيـتُ الــدُّنُـوِّ مـــن الــرضـا     ...      فــالــذنـبُ يُــغـفَـرُ والـخـطـيـئةُ تُــبـعَـدُ

فـالـحجُّ يـمـحو مــا جـنـاهُ أخـو الـهوى     ...      والـــيـــومَ رايـــتُـــه الأثـــيــرةُ تُــعــقـدُ

والحج موسم للتوبة والاستغفار، وتجدد العهد مع الله، وإعادة الحقوق إلى أصحابها:

لـــبـــيــكَ يــــا ربَّـــاهُ إنـــــــي تــــائـــبٌ     ...            وأنــــــا بــحــفــظِ عـــهـــودِه أتــعــهــدُ

فــاغـفـرْ ذنــوبًــا يــــا إلــهـي أوجــعـتْ     ...     أحـــنــاءَ قــلــبـي ، والــمــآثـمُ تُــفــسِـدُ

وذرفْـــتُ فـــي عــرفـاتِ دمـعًـا طـالـما     ...     لـــم يَــجْـرِ  مـــن مـقـلـي الــتـي تـتـبلدُ

فـنـسـيمُ عــفـوكِ هـزَّنـي فـاعـشوشبتْ     ...     فــــي الــصَّــدرِ دنــيــا لـلإنـابـةِ تـشـهـدُ

قــــد بــــاتَ يـحـضـنُها ربــيـعُ مُـحَـمَّـدٍ     ...     فــالـحـرفُ يَــهــزجُ والـقـصـيـدُ يُــغــرِّدُ

نـفـحـاتُ جـــودِكَ يـــا إلــهـي أيـقـظـتْ     ...     قــيـمًـا عــلــى عــهــدِ الــــولاءِ تُــجَــدَّدُ

ولـــهــا تــعـرضـتِ الــقـلـوبُ فَـجَـنْـيُـهَا     ...     أبــهــى وأغــلـى إن تـبـاهـى الـعـسـجدُ

فـــزخــارفُ الــدنــيـا تــــزولُ ، وإنَّــمــا     ...         يــبـقـى الــــذي مــــن هَــدْيِــهِ نــتــزوَّدُ

ويذكر الشاعر بما فعلته السيدة هاجر وبسنة السعي بين الصفا والمروة :

في السَّعيِ أو في الجريِ معنىً يُجْتَلَى     ...     بـيـن الـصَّـفا والـمـروةِ الـنـاسُ اهـتـدُوا

يــــا أُمَّ إسـمـاعـيـل ســعـيُـك صــرحُــه     ...      أضـــحــى لـــكــلِّ الـمـسـلـمين يُــشَـيَّـدُ

والحج تزكية للنفس وتهذيب للروح والأخلاق، وليس الحج طقوساً فقط:

فــي الـحـجِّ زُهــدٌ ، والـمـشاعرُ مـوطـنٌ     .. لــلــذكـرِ لانَ عـــلــى نـــــداهُ  الـجـلـمـدُ

والـنَّـحرُ مـن سُـننِ الـهدى والـرَّجمُ فـي     ...       أيــــــامِـــــه لــلــمــوبــقــاتِ تَـــــبَـــــدُّدُ

ومـــزيَّـــةُ الإحــــــرامِ فــيــهـا رِفـــعــةٌ     ...         لـلـنـفسِ عـــن دنــيـا الــهـوى و تَــجَـرُّدُ

يـــا أيُّــهـا الـقـلـبُ الـسـليمُ حـبـاكَ مَــنْ     ...      يـــهـــدي إلـــــى رضـــوانِــه ويُـــســددُ

هــا أنــتَ عُــدْتَ لـذاتِـكَ الـمُـثلى وقــد     ...   أصــغــيْـتَ لـلـقـيـمِ الــحِـسـانِ تُــنَـضَّـدُ

أبــشــرْ بــرضــوانٍ بــــه تــنـجـو غــــدًا     ...        فــالــنَّـارُ  وَهْـــــجُ أُوارِهـــــا  لا يــخـمـدُ

هـــي لـلـعـصاةِ ومَــن يـعـيشُ سـفـاهةً     ...   فـيـهـا الـمـخـازي والـمـسـاوئُ  تـحـصُدُ

شـــتَّــانَ بـــيــنَ بــــراءةٍ يــسـمـو بــهــا     ...            هــــذا الــفــؤادُ وبــيــنَ فــســقٍ يُـــورَدُ

هــــذي الـشـريـعـةُ لـــم تـــزلْ أركـانُـهـا     ...      فــــــي روحِ أُمَّــتِــنـا الإبـــــاءَ تُـــجــددُ

مــــا أذعــنــتْ يــومـا لـسـطـوةِ ظــالـمٍ     ...      مــهــمـا طـــغــى، فــإبــاؤُهـا لا يــنــفـدُ

أو أُخـــمــدتْ نـــيــرانُ عــزَّتِـهـا الــتــي     ...     تــأبــى عــلــى رايــــاتِ حــقــدٍ تُــعـقَـدُ

الوحدة الإسلامية جزء من عقيدتنا، وهي نعمة لا تعدلها أي نعمة، فالفضل لله الذي ألف بين القلوب المؤمنة :

قــــد ألَّــــفَ الإســــلامُ بــيـن شـعـوبِـها     ...    فــالـوحـدةُ ازدانـــتْ وطـــابَ الــمـوردُ

أَوَلَــــم تَـــرَ الـجـمـعَ الـمـبـاركَ بــوركَـتْ     ...         أيــــامُــــه فــــــــي أُلــــفـــةٍ لا تُـــــــوْأدُ

في الحجِ في الصلواتِ في الجُمعِ التي     ...  فـيـهـا الـنـفـوسُ إلـــى الـمـآثـرِ تَـحـفـدُ

ويخاطب الجاحدين بقوله :

قُــــلْ لــلـذي جــحـدَ الـشَّـريـعةَ كــافـرًا     ...   أَقْــصِــرْ فــنــارُ الـجـاحـديـن سـتـخـمدُ

مــهـمـا عــتــوا بـفـسـادِهـم وضـلالِـهـم     ...       وبـــشــرِّهــم يــــرغـــي أذاهُ و يـــزبـــدُ

وبــنــارِ أكــبــادٍ لــهــم قــــد أُضــرِمَــتْ     ...      حـــقــدًا عـــلــى الإســـــلامِ لا تـــتــرددُ

ومــــؤامـــراتٍ صــاغــهــا أســيــادُهــم     ...   فـي الـشرقِ أو فـي الغربِ بئسَ الحُسَّدُ

ويبشر بمستقبل واعد لهذه الأمة:

لابـــــدَّ مـــــن يـــــومٍ تــــرى أجــنـادَنـا     ...           رايــاتُــهــم بـــهـــدى الــنُّــبُــوَّةِ تُــعْــقَـدُ

فـــهــي الــبـشـارةُ لـلـطـغـاةِ، تــــلألأتْ     ...       فـــي وجـــهِ مَـــن لــلـهِ ويـــكَ يُـمَـجِّـدُ

فاللهُ يــنــصـرُ جـــنــدَه، ويُــبِــيـدُ مَــــن     ...        كــفــروا بــديـنِ الـمـسـلمين وعــربـدوا

فــالـمُـلـكُ والـمـلـكـوتُ مُــلــكُ يـمـيـنِـه     ...     أمَّـــــا الــمُـبَـشِّـرُ فـالـحـبـيـبُ مُــحَــمَّـدُ

لـــو شـــاء أفـنـاهـم فـــلا يـبـقـى لــهـم     ...       أثــــرًا فــلـيـس لِــمَــن تــمـادى مـنـجـدُ

قـــــد غـــرَّهــم إبـلـيـسُـهـم فــتـنـمَّـروا     ...        ودعــاهُـمُ داعـــي الـهـوى فـاسـتأسدوا

فَــهُـمُ اسـتـبـاحوا أمَّـــةَ الإســـلامِ لـــم     ...      يـسـلـمْ مـــن الـعـبثِ الـبـغيضِ مـوَحِّـدُ

ويفضح الشاعر الحضارة الغربية التي تسمح للأقوياء بحق الفيتو مهما فعلوا من جرائم:

إنَّـــــا وإن شـــهــدوا لـــــزورِ حــضــارةٍ     ...          بــــيـــنَ الأنـــــــامِ فـــإنــنــا لا نــشــهــدُ

بــئـسـتْ حـضـارتُـهـم وبــئـسَ زمـانُـهـا     ...      إنَّ الـــحــضــارةَ بــالــمـكـارهِ  تُـــزهـــدُ

هــذي حـضـارتُهم مــع ( الـفـيتو) نـمت     ...     وعـــلـــى الــتــآمــرِ شـــرُّهــا لايُــغــمَـدُ

جــــاءت بــعـلـمٍ  بــابُـه يـبـقـى عــلـى     ...   وَهْـــبِ الـعـقـولِ مــن الـمـهيمنِ تُـحـمَدُ

إنـــــا وإن شـــهــدَ الـــهــوى لــحـضـارةٍ     ...         بــــيـــن الأنـــــــامِ فــإنــنــا لا نــشــهــدُ

جــــاءتْ بــعـلـمٍ بــابُــه يــبـقـى عــلــى     ...     وَهْـــبِ الـعـقـولِ مــن الـمـهيمنِ يُـحْـمَدُ

لــكـنَّ أهـــلَ الـفِـسقِ قــد جـعـلوه فــي     ...    أيـــدي الــذيـن بــغـوا هـنـاك وعـربـدوا

فــتـصـحـرَتْ بــيــدِ الــتَّـبـارِ حــضــارةٌ     ...         وجـــفــا مــحـيَّـاهـا الــربـيـعُ الأجــــودُ

وذوت بـهـا الـقـيمُ الـرفـيعةُ ، وانـطوتْ     ...   صــفــحــاتُ خـــيـــرٍ بِـــرُّهــا لا يــنــفـدُ

لقد فقدت الحضارة الغربية المادية قيم الأخوة، والرحمة، والسمو :

أيــــن الإخــــاءُ؟ وأيـــن مـنـهـا رحــمـةٌ     ...     لــلـخـلـقِ جــافـاهـا الــشَّـقـيُّ الـمـلـحـدُ

أيــــن الــسُّـمُـوُّ بــأنـفُـسٍ خُـلِـقَـتْ لِــمـا     ...   شـــاءَ الإلــهُ، وفـيـه يُـجـلَى الـمـقصدُ !

ســيــمــاءُ إنــسـانـيَّـةٍ فُـــقِــدَتْ فـــلــم     ...           يُــبْــصَـرْ بــدنـيـاهـم وربِّـــــك ســـــؤددُ

خــانــوا عــهــودَ إلــهِـهِـم واسـتـكـبـروا     ...       فـا جـتـالـهـم هــــذا الــضَّــلالُ الأنــكــدُ

واسـتـسـلـموا لــهـوى شـيـاطـين الأذى     ...     فـاقـتـادَهـم مَــــن لـلـفـضـائلِ يَـجـحـدُ

هــذا مــع الـهـوى الـغـربيِّ غـنَّـى والـهًـا     ...        وأخـــــوهُ شـــرقــيُّ الـــهــوى مــتـبـلـدُ

والآخــرُ الـمـأروضُ أمـعـنَ فــي الـشَّـقا     ...    مــــن حــيــثُ لا يـــدري وقـــد يـتـهـودُ

حــتـى إذا مـــا الـتـفَّـتِ الـسَّـاقانِ فــي     ...      يـــومِ الـمـسـاقِ فـبـئسَ بـئـسَ الـمـوردُ

والذي يحج إلى بيت الله الحرام يعود كيوم ولدته أمه:

أَوَمَـــا تـــرى مَـــن حـــجَّ عـــادَ مـكـرَّمًا     ...       وإلــــــى الــجِــنـانِ مـــآلُــه إذ يَــحــفـدُ

يــــا أيُّــهــا الـسُّـفـهـاءُ غــــرَّ نـفـوسَـكـم     ...     زيـــفُ الـحـيـاةِ ولـــن يــدومَ الـعـسجدُ

حــارَبْــتُـمُ الإســـــلامَ لـــكــنْ فــاتــكـم     ...          رضــــــوانُ ربٍّ جــــــودُه الــمُــتَــزَوَّدُ

أضــمــرتُـمُ الأضـــغــانَ لــكــنْ خــبـتُـمُ     ...     وحـقـيـقـةُ الـسُّـفـهـاءِ ســــوفَ تُــجَــرَّدُ

هـــي ســـورُ ســخْـطِ اللهِ كـبَّـلَ بـأسُـها     ...   أيَّــامَـكـم، وغــــدًا يــحـيـنُ الـمـوعـدُ !

مـهـمـا يَــطُـلْ حــبـلُ الـمِـراءِ ، وغـلـظةٌ     ...      نــيـرانُـهـا فـــــي كــــلِّ قــلــبٍ تــوقــدُ

يـــأتِ الــهـلاكُ عــلـى حــشـودٍ بـــارَزَتْ     ...     ربَّ الـــعـــبــادِ، فــجــمـعُـهـا يـــتــبــددُ

ويعظ الشاعر الغافلين بشكل مباشرة مستخدماً فعل الأمر، فاستفق، ويذكرهم بعهدهم مع الله، وكيف باهى بهم الله ملائكته، فيقول:

يـــا أيُّــهـا الإنــسـانُ ويـحـك فـاسـتفقْ     ...    مــــن غــفـلـةٍ فـالـويـلُ حــولـك يـــورَدُ

عــاهـدتَ ربَّـــك عــنـد كـعـبـتِه فَــصُـنْ     ...       عــــهـــدًا وثــيــقًــا لــلــمـزايـا يُــعــقــدُ

بــاهــى بــــك الـرحـمـنُ فـــي عـلـيـائه     ...      قــلـبًـا ســمــا ، أمــــا الــرضــا فـمُـشَـيَّدُ

حــلَّـقـتَ فــــي أُفُــــقِ الـمـآثـرِ مـؤمـنًـا     ...      ولأنَّـــــك الأســـمــى وأنـــــتَ الــفـرقـدُ

فـــي الــحـجِّ جـمـعُ الـمـسلمين مُـوَحَـدٌ     ...      فــــبـــه تـــقـــيٌّ صـــالـــحٌ  ومُـــوَحِّـــدُ

يــقـوى بـــه عــضـدُ الـمـواجـهةِ الــتـي     ...     تُــخــزي الــعــدوَّ ومَــــن لــنـا يـتـصـيَّدُ

ويبين الشاعر فحوى الحج، فهو الركن الركين، وأنه تتجسد فيه أهداف عقيدة التوحيد والتبتل والانقطاع إلى الله، ويتذكر فيه المؤمن عقيدة البعث والنشور واليوم الآخر:

هـــــو ركـــــنُ ديــــنِ اللهِ لا يــفـنـى ولا     ...   يـــقـــوى عــلــيــه مـــحــاربٌ يــتــهـددُ

فَــــحْـــوَاهُ لـلـمـسـتـشـرقـين رســـالـــةٌ     ...          عــــصـــمـــاءُ ربــــانـــيَّـــةٌ تـــتـــجـــدَّدُ

فاللهُ جــــــلَّ جـــلالُــه هـــــو وحـــــده     ...       مَـــــن فــــي مــــدى غــبـرائِـه يُـتَـعَـبَّـدُ

ولــــه الــعـبـادُ مــــن الـمـآثـمِ والــهـوى     ...   ومـــن الـفـسـادِ وقـــد أنـــاخَ تــجـرَّدوا

هـــــو ربُّــهــم وإلــيــه أوبــتُـهـم غــــدًا     ...      ولـغـيـرِه فـــي عـيـشِهم لــن يـسـجدوا

الـــشَّــوقُ يــحــدوهـم لـــيــومِ لــقـائِـه     ...       فــلــهـم نــعــيـمٌ بـــعــدَ ذلــــك أرغــــدُ

لقد هجر الحجاج متع الحياة، وجاؤوا إلى الله شعثاً غبراً يرجون رحمته، ويخافون عذابه :

قـــد خـلَّـفـوا مُــتَـعَ الـحـيـاةِ وأقـبـلـوا      ...   شـــطــرَ الـمـنـاسِـكِ والــقـلـوبُ تــغــرِّدُ

مـــــن كـــــلِّ فــــجٍّ حــثَّـهـم إيـمـانُـهـم     ...   وإلــى الـمـنافعِ أسـرعـوا كــي يـشهدوا

هـــــذي هُــوِيَّـتُـهـم ، وهــــذا فــخـرُهـا     ...   فــــي الـعـالـمين ولـلـهـنا لـــم يـفـقـدوا

وفي تلك الرحلة المباركة إلى الحجاز يتذكر المؤمنون نبيهم وحبيبهم وصحابته الكرام، ويشاهدون قبلة المسلمين والكعبة الطاهرة ومهبط الوحي وأنوار النبوة :

وهــي الـحـجازُ وفــي ربـاهـا لــم يــزل     ... مـــا قـــد حـبـاهـا مـــن هُـــدَاهُ مُـحَـمَّدُ

فــي مـهـبطِ الـوحـيِ الأمـيـنِ تـبـاشرتْ     ...   بــالــوحـيِ أُمَّــتُــنـا فــنــعـمَ الـــسُّــؤددُ

فـهـنـا هــنـا خـطـواتُ نــورِ الـمـصطفى     ...     وهـــنـــا الــنُّــبـوَّةُ والــمـثـانـي تـــرفــدُ

والـذكـريـاتُ ولــيـس يُــطـوَى سِـفـرُها     ...   والـصَّـالـحـون مــــن الــلـبـابِ تـــزوَّدوا

والـعـجُّ يـطـربُ فــي الـمـناسكِ روحَـنـا     ...     والـــثَّـــجُّ  لــلــجــودِ الأثـــيــرِ يُـــؤكِّــدُ

والــذِّكــرُ أدنــاهــم فــمــا مــــن ذاكــــرٍ     ...      هــيـهـاتَ يــنــأى عــــن مــنـاهُ ويـبـعـدُ

وتتجسد في الحج جميع شعائر الإسلام فهو رمز التوحيد، وتتجلى عقيدة التوحيد بالتلبية ونفي الشريك عن الله وعقيدة البعث واليوم الآخر، وتتضاعف أجور الصلوات، ويصبح الانفاق وإطعام الجائع وسيلة لجبر الخلل، وتذكر سنة إسماعيل وإبراهيم في الأضحية والفداء ورجم الأشرار:

والــصَّـومُ والـصَّـدقاتُ والـصَّـلواتُ مــا     ..أغــنــى الــحـفـيِّ بــهــا وذاكَ الأســعــدُ

اللهُ أكــــبـــرُ قـــــــد تــــآخـــتْ أُمَّــــــةٌ     ...     بــالـمـالِ والـسُّـلـطـانِ هــا هــي تــزهــدُ

وتــمـاهـتِ الألـــوانُ والأجــنـاسُ فـــي     ...      إحــرامِــهــم أمــــــا الـــريــاءُ فَــمُـبْـعَـدُ

ويُــفــصِّــلُ الآيـــــاتِ ربـــــي لـــلــورى     ...      حــتــى يــثــوبَ الــعـاقـلُ الـمـسـترشدُ

خــيــرُ الــبـريَّـةِ أُمَّــــةُ الــهــادي ولــــن     ..   يـجـدَ الـحـصيفُ سِــوى هُـداها يُـقصَدُ

ويثبت موسم الحج الجامع عالمية الدعوة الإسلام، فهي لكل أبيض وأسود ولكل عربي وأعجمي يتساوى فيها الأمير والخفير والغني والفقير:

الــعــالــمــيَّــةٌ هــــاهـــنـــا ، لـــكـــنَّــهــا     ...         فـــــي ظـــــلِّ رحــمــةِ بــــارئٍ يُـتَـعَـبَّـدُ

أهــــدى لــكــلِّ الــخـلـقِ مــــن نـعـمـائِه     ...    فــالـخـيـرُ فـــــاضَ ورزقُـــــه لا يــنــفـدُ

وأتَــــتْ شـريـعـتُـه الـقـويـمـةُ مـنـهـجًـا     ...   لـلـنـاسِ كـــلِّ الــنـاسِ حـتـى يـسـعدوا

أمَّـــــــا الإخــــــاءُ فــأُلــفــةٌ و مــــــودَّةٌ     ...         وتـــكـــافُـــلٌ وتـــســـامــحٌ و تَــــــــوَدُّدُ

والــبــيـتُ لــلــنَّـاسِ الـــكــرامِ مــثــابـةٌ     ...       والـــبِـــرُّ مــــــن ربِّ الــعــبـادِ مُـــسَــدَّدُ

هــبَّــتْ ريــــاحُ الــعـفـوِ مــنــه تَــكَـرُّمًـا     ...      وأولــــو الإنــابـةِ مـــن جــنـاهُ تـــزوَّدوا

فــــمــــلاذُ أرواحٍ هَــــفَــــتْ تــــوَّاقــــةً     ...          والَّـــلـــهُ آمَــنَــهــا فــلــيـسـتْ تُـــطــرَدُ

وتتجلى الأخلاق الإسلامية في موسم الحج على أكمل وجه، حيث تجد التواضع فالملوك بلا تيجان، وبلا ثياب فاخرة، وترى الزهد هناك، والكرم والسخاء:

أرأيْـــــتَ رأسًــــا حــاسِــرًا مـتـواضـعًـا     ...       وإزارُه عــــنــــوانُ زهـــــــدٍ يـــشــهــدُ !

مــســتــغــفـرًا ومــلــبــيًــا مـــتـــجــردًا     ...         مــــن زيــنــةِ الــدنـيـا جــنـاهـا يـكـسـدُ

والـمـخـبـتـون لــربِّـهـم قــــد عــظَّـمـوا     ...    هـــــذي الـشـعـائـرَ  شــأنُـهـا لا يُــعـضـدُ

فـاسـتـأنسوا فـــي الـحـجِّ مــأوى آمـنًـا     ...    لــلــنــفـسِ لا تـــشــقــى ولا تُــسـتـبـعـدُ

واخــضــلَّـت الــعـشـرُ الأواخــــرُ إنــهــا     ...      بــجــمـالِ طــلــعـةِ فــجــرِهـا تـــتــورَّدُ

فـــي وجـهِـهـا الألـــقُ الـسَّـماويُّ الــذي     ... ألــفـى الـسَّـكـينةَ فـــي ســنـاهُ مُـسَـهَّـدُ

أيَّــامُــهـا نــفــحـاتُ زهـــــوٍ دغــدغــتْ     ...     أحـــنــاءَ قــلــبٍ مــــن جــديــدٍ يــولــدُ

هـــذي الـلـيالي الـمـقمراتُ اسـتـيقظت     ... لـجـمـالِـهـا الأســنــى الــعـبـادُ الــسُّـجَّـدُ

تــهــفــو نــفــوسُـهُـمُ لــنــيـلِ مـــنــازلٍ     ...          الــمــرءُ فــيـهـا فــــي الـنـعـيـمِ مُـخَـلَّـدُ

يــتـنـوَّعُ الإغـــراءُ فـــي دنــيـا الـــورى     ...      فــــــي مــطــمـعٍ أو مُــتــعـةٍ تُــتَــوَسَّـدُ

لــكــنَّ مَــــن فــــازوا بــجـائـزة الــرضـا     ...      مــــن ربِّــهــم يـــومَ الـقـيـامةِ أُفْـــرِدُوا

هـــم وحــدهـم أهـــلُ الـمـكـانةِ هــكـذا     .. قــــد أخــبــرَ الــقـومَ الــكـرامَ الـمـشـهدُ

ويوجه الشاعر شريف حاج قاسم خطابه إلى من تولى، وأدبر، وراح يسخر من مقدسات المسلمين، فيقول:

أمَّـــــا الـــــذي ولَّـــــى وأدبــــرَ هــازئًــا     ...     بــالــدِّيـنِ بــالـقـيـمِ الــتــي لا تُــجـحَـدُ

مـتـلـبـسًا حــــالَ الأثــيــمِ ولـــم يــكـن     ...    إصــــدارُه عــــن وعـــيِ قــلـبٍ يــرشـدُ

ضــيَّــعْـتَ يـــاهــذا مــعــالـمَ شِـــرعــةٍ     ...       ومـــشــتْ خـــطــاكَ تَــنُــوفَـةً تــتـوقـدُ

أتـلـفْـتَ فـــي ســـوقِ الــهـوى حـيـويَّـةً     ...     ومــضَــيْــتَ فــــــي آثــامِــهـا تــتــمـرَّدُ

فـعـلـيك لـــم تـبـكِ الـسـماءُ ولا الـثَّـرى     .. ولأنـــتَ فـــي كــنـفِ الـحـيـاةِ الـمـقـعدُ

فــيـهـا تــولَّــى أمـــرَكَ الـمـذمـومَ مَـــن     ...      لــلــغــيِّ والــفــعـلِ الــقـبـيـحِ يُــمــجِّـدُ

فـخـسِـرْتَ دنــيـاكَ الــتـي لــولا الـهـوى     . لــسـقـاكَ مـــن شَــهـدِ الـهـدايـةِ أحــمـدُ

صَـــلَّــى عــلــيـه الَّـــلــهُ بَــلَّــغَ دعــــوةً     ...         ولــغــيــرِ ديــــــنِ اللهِ عـــــاشَ يُــفَــنِّـدُ

لقد فاز أهل الحكمة والعقل والسداد بالهدى والرشاد، وخاب الحمقى والجهلاء، وظلوا يرتعون في هذه الدنيا كالأنعام بل هم أضل :

قــد فــازَ بـالإسـلامِ أصـحـابُ الـحِـجى     وأولــو الـضَّـلالةِ فـي الـتَّبارِ  اسْـتُعبدوا

يَــفْـنَـوْنَ مــــا عــاشـوا ويـنـقـلبون يـــا     ...      ويــــلَ الــجُـنـاةِ إلـــى جـحـيـمٍ يــوقـدُ

وَتَــنَـمَّـرُوا وهــــوتْ مـخـالـبُـهم عــلــى     ...    طــفــلٍ رضــيــعٍ ويـلـهـم واسـتـأسـدوا

والـفـصلُ يــومَ الـفـصلِ لــم يـنـفعْ وإن     ...نــدمــوا ومــهـمـا عــمَّــروا أو شــيَّــدوا

الأخلاق في شعر شريف حاج قاسم :

يحدّد الشاعر شريف قاسم صفات المعلم الناجح وأخلاقه وسجاياه، فيقول:

ما أجمل التعليم َ في يد مؤمنٍ       يوليه من جهد بغير توان ِ

خلقٌ كريمٌ في صفاء سريرة ٍ        ووفاء عهدٍ، ثم حلو لسان ِ

وبشاشة يستأنسُ الطلابُ في     أبهى معاني نسجها الرباني

والإخلاص، والخلق الكريم، وصفاء السريرة، والوفاء، وحلاوة اللسان، والبشاشة، والابتسامة ليست حكراً على المعلمين والمدرسين، بل هي أخلاق ضرورية ولازمة  لكل داعية مسلم، ومعلم رباني، يريد الله واليوم الآخر، وهي شروط أساسية لنجاح العاملين في الحقل الإسلامي .

الأخوة في الله :

إن خلق الأخوة في الله يوصل صاحبه إلى مقام رفيع يحسده عليه العلماء والأنبياء :

وهو الإخاء يظلُّ يعمره الوفا            في الله لا في الزور والبهتان ِ

فعلى منابر نور جنات الخلودِ           لقاءُ من عاشوا بلا بطلان ِ

ما كان يشغلهم سوى صدق إذا    دارت رحى الهفوات في الخلاّن ِ

ويوصي الشباب المسلم أن يحفظوا ودادَ الأخوة، فيقول :

وإخوانك الأبرار فاحفظ ودادهم    وكن هونهم، واخفض جناحك للبرّ

ومن عاش بين الطيبين فطيبٌ        مــــــــــــــودته تُرجى مع العسر واليسر ِ

الصبر :

كتب الشاعر قصيدة تحت عنوان: بطاقة تهنئة للصابرين، تحدث فيها عن الصبر وعاقبة الصابرين، فقال :

أبشر – أخي – فللصبور تهاني      ما نالها إلا أخو الإيمان ِ

فالله يجزي الصابرين مثوبةً      عن صبرهم في جنّة الرضوانِ

والمرءُ تؤذيه المصائب إن أتتْ   في المال والأهلين والولدان ِ

وتلفّه أشجانها ويلوكه             بيد الليالي مضرمُ النيران ِ

لكنّه بالصبر يخرج مؤمناً        يرضى قضاء البارئ الرحمن ِ

وإليه تأتي البشريات من السّما      من راحمٍ برّ به حنّان ِ

ويحدد الشاعر أن الصبر الجميل لا يستطيع الوصول إليه إلا الذي ذاق طعم الإيمان :

لا يعرف الصبرَ الجميلَ سوى الذي     ألفى اليقين بروعة الإيمان ِ

ويصور ما أعدّه الله للصابرين من خيرات، فيقول :

وعد الإله الصابرين جنائناً       تحلو من الأكدار والحرمان ِ

بشرى لهم يومَ الحساب فصبرهم    حسناته تزدادُ في الميزان ِ

وبالصبر يواجه المؤمن أعداء الحياة :

يردّون أعداء الحياة بصبرهم     ولله مسعى ركبهم والتلبّبُ

التقوى :

وهي الإيمان بالجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، وهي فعل الأمر وترك النهي، فالتقوى هي السلاح الأقوى الذي يواجه به المؤمن زخارف الدنيا وإغوائها :

تسلح بتقوى الله ، واحفظ عهوده    ولا تخشَ بعد الله قارعة العصرِ

ويؤكد الشاعر أن المجد والعلياء هي عاقبة المتقين في الدنيا والآخرة، فيقول :

وما مسلك العلياء إلا لذي التقى      يسيرُ بظلّ الله في أرفع القدرِ

فمن غسق الشدّات يبزغ فجرنا     وتنبعُ بالتقوى المياهُ من الصخرِ

الغيبة :

وينصح الشاعر شريف حاج قاسم الشباب المسلم بترك الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره، ويحذرهم من هذه المائدة المنتنة، فيقول :

ولا تستمع يوماً لغيبة مسلم ٍ        فإنّ بها وزراً، ومالكَ من عذرِ

وإن لسان الكلب أطهرُ من فم ٍ    يفوه بنهش المسلمين بلا طهرِ

وإنّ فم المغتاب بالداء مثخنٌ        يجرجرُ أقدارَ التفاهة ِ والخسرِ

فتبّاً لمغتابٍ ، وقبحاً لوجهه        إذا ما تراءى بالحديث مع النكر

وإن صفات الفاسقين جليّةٌ      بجلسة مغتابٍ، وبسمة ذي مكرِ

الكبرُ :

ويكتب الشاعر شريف قاسم قصيدة تحت عنوان: إن للكبر لخزياً، يقول فيها:

أيها النافش ريشاً       في إهابِ الكبرياءْ

تركبُ الزهوَ اختيالاً     في تثني الأغبياءْ

ناسياً أنك فان ٍ      وابنُ صلصالٍ وماءْ

فعلامَ الكبرُ يا هذا    علامَ الخيلاءْ ؟؟ !

وحرّم الله السفاهة والكبر في الأرض :

ديننا حرّم السفاهة تأتي         مُــــــــــــــــــــــرّة بالجرائم النكراء ِ

ونهانا عن التكبّر في الأرض    فبئستْ بضاعةُ الكبرياء ِ

المروءة :

لقد تحركت المروءة في القلوب، وغذّاها الوحي والقرآن :

قد أفقنا فللظلام انحسارٌ            وسنى الفجر آخذٌ في العلاءِ

والمروءات ُ في الجوانح ضجّت     بمثاني الهدى ، ووحي السماء ِ

محبة الله :

ويصور الشاعر حب الله، وقد أخذ بشغاف القلوب، وحرّر النفوس، فيقول:

فحبّ إله العرش طار بلبّه      على رفرف التقوى ، وللنفس حرّرا

أثر الذنوب في هدم الأمم والشعوب :

وها هو ملك الصين الذي كان يخاف من سطوة المسلمين، أخذته الدهشة، وهان المسلمون عليه، وأصبحوا عبيداً في يد النخاس، وذلوا، وتاهوا عن درب الهدى والرشاد :

ملك الصين الذي يرهبنا       في زمان الثقفي يستفهمُ ؟!

ما لقوم ملكوا الدنيا غدوا        في يد النخاسِ لم يحترموا ؟

ويلهم ! كيف استهانوا بالعلى    وعلى الذلّ المواتي أرغموا !!

ويتساءل الشاعر: كيف ضيعت الأمة الدرب، وتاهت في شتّى الدروب، وارتدت عن دينها يوم ركضت وراء الكراسي، وداستْ على المبادئ :

وبأيديهم سنا قرآنهم                والرسالات التي قبلهم ُ !!

نورها في التيه فجرٌ صادقٌ           وبها روح الفدا تضطرم ُ

ضيعوا الدربَ، فقمْ واستفتهم   أيّ دربٍ سلكوا واقتحموا !!

ما أتاهم من لدنْ بارئهم                  ظالم ٌ مزّقه أو مجرم ُ

وإلى الردة قد جرتهم                شهوةُ الحكم فزّلت ْ قدم ُ

واشتروا بالخير شرّاً محدقاً           بئس ما جاءت به أيديهمُ

ويضربُ الشاعر مثلاً على أثر الذنوب في هدم الأمم والشعوب، ويقتبس الشاعر قصة من القرآن هي قصة أصحاب مدين التي جاءتها الصيحة، فدمرتها بسبب ذنوبها:

وإلى مدين كم جاء السّنى         في صباح ٍ ما تولّى عنهم ُ

وإذا الصيحةُ جاءت بغتةً        بعدها الأخرى التي ترميهمُ

بالذنوب الموبقات اشتغلوا   وخطايا الفحش شاعتْ فيهمُ

فتجلى ربهم منتقماً               دونما ظلمٍ، فهم قد ظلموا

وحدّد الشاعر أن من سلك طريق الشقاء، فهو يصير إلى دمار وبوار:

فبأيديهم علاهم رجموا               ومن الخير لديهم حُرموا

من أتى العيش بوديان الهوى    فهو في كفّ الشقا مستسلمُ

ولما غادر المسلمون طريق الله أثقلتهم الأوزار، فكثرت الخيانة، والضلال، والردة والفسق، والمزامير، ..:

لما هجرنا الله جلّ جلاله          عبثتْ بوهنِ نفوسنا الأوزارُ

كيدٌ هنا ..وهناك ضبطُ خيانة ٍ    ومن الضلال حداثةٌ وعثارُ

ومن التمادي في الخبائث رِدّةٌ    أضفى عليها الفسق والمزمارُ

لقد تمادى الناس في ارتكاب الموبقات، ورتعوا في محارم الله، وعاشوا يرقصون على إيقاع الطبل والمزمار، فضاعت هيبتهم، وصاروا أضحوكة الأمم .

مصادر البحث:

1-            رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 785 ..وغيره من أعداد .

وسوم: العدد 796