قراءة في رواية جبينة والشاطر حسن

dfdffd1052.jpg

جبينة والشاطر حسن هي الرواية الأحدث للروائي المقدسي القدير الأديب الشيخ جميل السلحوت. نعم إنها روايته الجديدة التي أنجزها بتاريخ الخامس من شهر حزيران 2023. وصدرت عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 110 صفحة من الحجم المتوسط..

والشيخ جميل الذي يفضل أن ينادى بلقب الشيخ، أديب كبير، له اكثر من أربع وعشرين رواية، الى جانب رواياتٍ خصصها لليافعات واليافعين، إلى جانب قصص الأطفال، وأدب السيرة، وأدب المراسلات، مع الروائية الفلسطينية صباح بشير، ورواية مشتركة مع الروائية ديمة جمعة السمان مديرة ندوة اليوم السابع المقدسية بعنوان "المطلقة"، الى جانب أعماله الهامّة في مجال البحث في التراث، والأدب الساخر، وأدب الرحلات، فهو عبارة عن كاتب إن جلست معه، فلست بحاجة لأن تقرأ، فهو يمثل في حديثه كتابا مفتوحا يغنيك عن اقتناء مكتبة، فضلا عن نشاطه النقابي في الصحافة، ومشاركته  بتأسيس اتحاد الصحفيين الفلسطنيين داخل الوطن، واتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وكونه عضوا لمجلس أمناء لأكثر من مؤسسة ثقافية منها المسرح الوطني الفلسطيني، مسرح الحكواتي الشهير. فضلا عن حصوله على عدة جوائز، منها جائزة القدس للثقافة والإبداع التي حصل عليها عام 2018م..

أعماله الروائية نشرت داخل فلسطين والعالم العربي، رغم ثقافته الدينية وإيمانه العميق كمسلم إلا أنه مهتم بمعرفة  الغثّ من السّمين في فكر الديانات الثلاث، وتجده حينما يتحدث، إنسانا مثقفا حاملا لهموم الطبقات المسحوقة، وكأنه شيخ يساري الإتجاه، فيمكنُ أن نُطلقَ عليه لقب الشيخ الأحمر.

بعد هذه المقدمة الضرورية لشخصية هذا الأديب الفلسطيني غزير الكتابة، متنوِّعُ ميادينها، والذي تجد حضور فلسطين وشعبها في أعماله الملتزمة بالسياسة والنضال، وتجربته في معتقلات المستعمرة الصهيونية، كل هذا تجد نفسك مضطرا لمراجعة أعماله التي تُرجمت منها مؤخرا إحدى رواياته بعنوان "العسف" الى اللغة الانكليزية ، فإن قرأتها سوف تشعر بألم الأسر المريع، لكنه يفاجئك بنقلةٍ سريعةٍ إلى مشهدٍ ساخر بروحٍ فُكاهيةٍ تمحو الألم الذي سبق، كما ترجمت روايته "الليلة الأولى" المثيرة للجدل إلى الفرنسية.

روايته الحديثة التي نحن بصددها هي صورةٌ تحمل تعبيرا لاعلاقة له بشخصيته في رواياته الأخرى، ففي رواية جبينة والشاطر حسن، يطرح أفكارا مجتمعية تربوية كثيرة، تتناول حالة أسرة مكونة من الأب كنعان، والأم بثينة وابنتهما جبينة ذات العشر سنوات، ولم تتمكن الزوجة من إنجاب أخٍ أو أختٍ لابنتهما، فتشاء الأقدار أن تأتي سيدة فقيرة مع ابنتها زينب بعمر إثني عشرة سنة، وتطلب تلك السيدة واسمها خيزرانة من الأب كنعان تشغيل ابنتها عنده في دكانه الذي يعتاش منه.

كان حضور هذه السيدة وطلبها إنقاذا للأب الوالد كنعان، بمثابة خلاص من الإلحاح اليومي عليه من زوجته بأن يتزوج عليها زوجة ثانية تُنجب أخاً أو أختاً لابنتهما جبينه، وهكذا اصبحت هذه الفتاة الفقيرة بمثابة  أختٍ لجبينه. ينتقل الروائي السلحوت من هذا الجو التربوي داخل مجتمع المدينة الذي يتمثل بأسرته الصغيرة، الى مجتمع الريف الذي جاءت منه زينب التي أصبحت تعيش داخل هذه الأسرة ليس كشغالة، وإنما كأختٍ لجبينة وابنة لوالديها.

جاء انتقال الكاتب من حاضر زمن الرواية، غير المحدد، انتقالاً مقبولاً، يبدو أن الكاتب ترك تحديد هذا الوقت للقارئ نفسه، وذلك من خلال إسقاط قصة الشاطرحسن على شطارة الأسرة التي فرحت بعثور زينب وجبينة على جرّتين من الذهب ليرات، ومصاغات وتماثيل نقلت الأسرتين الى مستوىً اجتماعيٍ ومالي عال جدا، كما أن بثينة زوجة كنعان أنجبت أخا لجبينة، لكنها ماتت بعد الإنجاب بشهرين، مما فسح المجال لكنعان والد جبينه أن يتزوج من والدة زينب خيزرانة.

لفت الغنى المالي انتباه اللصوص، مما أدّى لاختطاف زينب وجبينه بحللهما الذهبية، فتمَّ إنقاذهما من قبل أبناء شاه بندر التجار الشاطر حسن وأخيه حسين، وكان هذا الإسقاط مفاجئاً، كما جاءت وفاة الأمّ بثينة، وانتهت الرواية نهايةً سعيدة.

كنت أتمنى ألا تخصص الرواية  للفتيات وللفتيان، وتُترك فقط بإسم جنينة والشاطر حسن، لأن شخصيتي جبينة وزينب حُدِّدت أعمارهما 10 و12 سنة، ذلك لأنَّ مفرداتهما في الحوار كانت أكبر من عمريهما.

لكن هذا خيار الكاتب الأديب جميل سلحوت، وهو لا شك أدرى بخياراته.

في الختام يمكنني القول بأنني استمتعتُ بقراءة الرواية التي اعتبرها إضافةً مهمةً لأدبنا الفلسطيني ومكتبتنا العربية ولندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية.

وسوم: العدد 1052