الاتجاه الإسلامي في شعر الدكتور أنس إبراهيم الدِّغيم

sgfgfg1057.jpg

 (8 يوليو 1979 _ معاصر ) 

هو شاعر إسلامي معاصر، وكاتب سوري مبدع. 

 ولد د. أنس إبراهيم الدغيم في بلدة جرجناز في منطقة معرة النعمان في سورية ، في ٨ يوليو عام ١٩٧٩، ونشأ بها، في أسرة فلاحية فقيرة ولكنها مسلمة ملتزمة تحب العلم وتحترم العلماء.

  ترك دراسته بجامعة دمشق في الهندسة المدنية، ثم درس الصيدلة في جامعة فيلادلفيا بالأردن، وتخرج سنة 2008. نشر ديوانه الأول سنة 2002 حتى اندلعت أحداث الأزمة السورية في 2011، فكانت نقطة تحول في حياته الأدبية.

عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

المولد، والنشأة:

  ولد أنس إبراهيم الدِّغيم يوم 13 شعبان 1399 / 8 يوليو (تموز) 1979 في بلدة جرجناز بمنطقة معرة النعمان بمحافظة إدلب، ونشأ بها في عائلة فلاحية متوسطة الحال تتألف من 14 فرداً.

الدراسة، والتكوين:

 درس في مدارس بلدته ثم دخل كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، ولكنه لم يكمل دراسته، فكان يحضر في كليتي الشريعة والآداب أكثر من كلية الهندسة.

   فاستكمل دراسته العالية في الأردن منذ 2004 حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الصيدلة من جامعة فيلادلفيا سنة 2008.

بعد تخرجه عاد إلى وطنه، وعمل في الصيدلة لمدة سنتين ونصف، ثم التحق بالقوات المسلحة السورية تحت الخدمة الإجبارية، وكان برتبة ملازم، وبدأت خدمته مطلع عام 2011.

  ثم انشق عن الجيش في الشهر العاشر من العام ذاته أثناء الأزمة السورية وعاد إلى قريته. 

  وهو رئيس الهيئة التأسيسية لنقابة صيادلة سوريا، وأحد النشطاء في الإنترنت داعمي الثورة السورية.

مهنته الأدبية:

بدأ نظم الشعر في المرحلة الثانوية من دراسته، وخاصة في أدب السياسة.

  نشر مقالاته وقصائده في العديد من المواقع العربية.

  وفي بداياته، شارك في مهرجان لقاء الأجيال الأدبي الأول للشعر والقصة القصيرة بحلب سنة 2011‌، فحصل على المركز الأول من الجيل الثالث عن قصيدته «أنس نامة».

  ثم شارك في العديد من المهرجانات الداخلية والدوليّة في البلدان العربيّة ووطنه. 

   وعمل أيضًا مسؤولًا لبعض المهرجانات الأدبية، وفي لجنة تحكيم المسابقات الشعرية. 

 وهو عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية. 

   في أغسطس 2015 جرت مساجلة شعرية بينه وبين ضاحي خلفان في تويتر.

شعره:

صدر ديوانه الأول بعنوان «حروف أمام النار» سنة 2002، ثم الثاني «المنفى» في 2017.

  صرّح بأنه تأثر بكثير من محمد إقبال، وقرأ دواوين الشعراء العرب الكبار، منهم المتنبي وأبي تمام من القدامى، ومن الشعراء الحديث محمد مهدي الجواهري، وأحمد شوقي وأبو القاسم الشابي والفيتوري والزبيري وبدوي الجبل. ويعتبر نفسه متأثرًا بالثورات.

  تأثر بالشاعر محمد إقبال في ديوانه «المنفى»، وفيه «عكس آلام لاجئو الحرب الأهلية السورية في تركيا، ومزج فيه بين الهجرة والألم». وفي ديوان المنفى دخل القضايا الإنسانية المتعلقة بالحرب الأهلية السورية، لكن قصيدته المسمى المنفى طغت على الباقي حتى أطلق عليها اسم ديوانه.

حياته الشخصية:

هو مسلم، ومتزوج وأبٌ لثلاثة أولاد، ويقيم في تركيا لاجئًا منذ 2015.

مؤلفاته:

من دواوينه الشعرية:

«حروف أمام النار»، 2002م.

«المنفى»، دار النخبة للطباعة والنشر، 2017

«الجوديّ»، دار الأصالة، 2021

ومن كتبه:

«100 لافتةٍ للحرّيّة»، دار إتقان للنشر والتوزيع، 2020

«100 لافتةٍ للحياة»، دار الأصول العلمية، 2020م.

«سكَّرٌ من الحجاز»، دار الأصالة، 2020

«المَجالِس»، دار الأصالة، 2021م.

دراسات أكاديمية عن شعره:

نال شعره اهتمام طلبة الماجستير والدكتوراه في الجامعات العربيّة ومن الرسائل التي كتبت عن شعره:

- رمزية اللون في قصيدة "خلف" للشاعر أنس الدّغيم - دراسة سيميائية، كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة الزرقاء الأهلية الخاصة بالأردن.

- تفاعل الخطابات في قصيدة المنفى للشاعر أنس الدّغيم - قراءة في الدلالة، للباحث د.بوسغادي حبيب، المركز الجامعي بلحاج بوشعيب في عين تموشنت بالجزائر.

- استدعاء التراث في قصيدة "الغار" لأنس الدّغيم للباحث د. بوسغادي حبيب، المركز الجامعي بلحاج بوشعيب في عين تموشنت بالجزائر.

-التناص في شعر أنس الدّغيم "ديوان المنفى أنموذجاً" للباحث إبراهيم دغيم في جامعة حلب في المناطق المحررة كلية الآداب والعلوم الإنسانية.

الاتجاه الإسلامي في شعر د. أنس إبراهيم الدغيم:

  تناول الشاعر د. أنس إبراهيم الدغيم في شعره العديد من الأغراض منها السياسي، ومنها الإسلامي، ومنها الوجداني .

درويش على باب السلام:

ومن شعره الإسلامي يقول الشاعر: أنس الدغيم في قصيدة له عن درويش وقف بباب السلام: 

لكَ الفجرُ، للمُسْتهزِئينَ الهوازِعُ

ولي مِنْكَ يا بْنَ الأكْرمينَ المَطالِعُ

ولي نَقْرُ عُصفورٍ على غَيرِ مَوعِدٍ

معَ الحَبِّ، لكنْ بَيْدرُ الحُبِّ خادِعُ

على ريشِهِ الفِضّيِّ مَوّالُ حِنْطَةٍ

وحَرْفٌ كثيرُ الحُبِّ، حَرْفٌ مُبايِعُ

أنا ذلكَ العُصفورُ، طيَّرَ ريشَهُ

إلى بابِكَ العالي هَوىً لا يُدافَعُ

أتيتُكَ مِنْ تِلقاءِ أمْسيْ وحاضِري

ثَقيلَ الخُطى، فَالخَطْوُ عاصٍ وطائِعُ

حَمَلْتُ على عُكّازَةِ الشَّوقِ لَهْفَتي

وقلباً صغيراً قَدْ أبَتْهُ المراضِعُ

فَما كُلُّ مَن زارَتْ حِمانا (حَليمةٌ)

ولا كُلُّ من يُصغي لِشكوايَ سامِعُ

يَضيقُ عَلَيَّ الشِّعرُ صَوتاً وصُورةً

فآتيكَ مِنْ ضِيقيْ لأنَّكَ شاسِعُ

أُتَرْجِمُ قَلبي مَرّتَينِ وأرْبَعاً

وتَلغو فَأمْحو ثُمَّ تَلْغو الأَصابِعُ

وياما أَسَرَّ القلبُ وَجْداً وما دَرى

إذا كنتَ مَنْ يَهْواهُ فَالسِّرُّ ذائِعُ

أُحَمِّلُ ظَهْري ما أُطيقُ مِنَ الهَوى

وما لا، فَما عِنْدي وعِنْدي مَواجِعُ

لِوحدي على بابِ السَّلامِ وواحِدٌ

وأكثرُ مِنّي، إنَّنيْ بِكَ واسِعُ

أُقَدِّمَ رِجْلاً ثُمَّ أُرْجِعُ أُخْتَها

أنا يا أبا الزّهراءِ آتٍ وراجِعُ

فأمْشي ولا أمْشي، وَصَلْتُ ولم أَصِلْ

كَأنِّي وما غَيري هُنا أَتَدافَعُ

أَمامَكَ مَكْسوراً وأَحْمِلُ قَامَتي

فَلا أنا مَحْمُولٌ ولا أنا واقِعُ

وَجَدْتُ هُنا نَفْسيْ لِأنّي أَضَعْتُها

زَماناً زَماناً، بَعيداً عَنْكَ فَالكُلُّ ضائِعُ

أَجُرُّ وَرائيْ أَلْفَ مِيلٍ وخَيْبَةٍ

وعِندي ذُنوبٌ لا تَفِيها الذَّرائِعُ

ويشبه حاله بحال سيدنا كعب بن زهير رضي الله عنه الذي أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فلاذ به معتذرا، فيقول:

كَأنِّي هُنا (كَعْبٌ) وبانَتْ سُعادُهُ

وما بانَ عَنِّيْ طَيْفُكَ المُتَتابِعُ

فَيا بْنَ التي كانَ القَدِيدُ إِدامَها

وتَشْرَبُ مِنْ كَفَّيْهِ، تَرْوى طَلائِعُ

وقالوا: نَبِيٌّ ثُمّ يَخْصِفُ نَعْلَهُ!!

وسَيِّدُ أخلاقِ الرِّجالِ التَّواضُعُ

وقالوا: يَتيمٌ قُلْتُ: والحُسْنُ هكَذا

وقالوا: فَقيرٌ، قُلْتُ: للهِ بَائِعُ

لَقَدْ حَمَلَ الدُّنيا على كَفِّ قَلْبِهِ

وصارعَ كَيْ نَحْيا الذيْ لا يُصارَعُ

ويرفض الشاعر أي عتاب في الحب، ..فيقول:

يُعاتِبُني في الحُبِّ مَنْ لم يَبِتْ لَهُ

على أرَقٍ أوْ هَيَّجَتْهُ السَّواجِعُ

وإنَّ أَقَلَّ الحُبِّ جَفْنٌ مُسَهَّدٌ

وقَلْبٌ على جَمْرِ الغَضا ومَدامِعُ

ومَنْ كُنْتَ في عَيْنَيْهِ فَالنَّومُ عِنْدَهُ

حَرامٌ حَرامٌ، وفي شَرعِ الهَوى فَهْوَ قاطِعُ

لِأنَّكَ في قَلْبي نَبِيٌّ وجَنّةٌ

فَحَرْفِيَ مِحْرابٌ ونَصِّيَ جامِعُ

ويصور نفسه درويشا واقفاً على الباب، ويتوسل بشعره لعله يحظى بشفاعة الحبيب، ويحظى بالقبول:

أُحِبُّكَ يا خُبْزَ الدَّراويشِ إذْ أنا

على البابِ درويشٌ وإذْ أنا جائِعُ

لقَدْ قِيلَ ليْ عَنْكَ الكَثيرُ وقِيلَ ليْ

وأَرْجَى الذي قَدْ قِيلَ: أنَّكَ شافِعُ

رُزِقْتُ مِنَ الشِّعرِ الجَميلِ عَرائِساً

بِمَدْحِكَ، يا حَظِّي الذي لا يُنازَعُ

فَأَرْوَعُ شِعْرٍ قِيلَ شِعرٌ رَضِيْتَهُ

فَإِنْ تَرْضَ عَنْ شِعْري فَكَمْ أنا رائِعُ!

صواع الملك:

   وكتب الشاعر د. أنس الدغيم يقول:

خبِّئينا فنحنُ خُبزُ الجِياعِ

لزمانٍ ما فيهِ غيرُ الضِّباعِ

والبَسينا يا أُمَّنا الأرضَ ريشاً

لجَناحَينِ آذَنا بالضَّياعِ

فحَرِيٌّ بآخِر الدَّمعِ أنْ لا

يكشفَ السِّرَّ عن دُنُوِّ الوداعِ

وجديرٌ إذا طمى البحرُ أنْ لا

يكسِرَ الخوفُ أُمنِياتِ الشِّراعِ

كُلَّما قيلَ يا مجانينُ صَبراً

هتفَ الصَّبرُ: ليس بالمُستَطاعِ

جُرحُنا جُرحُنا فكيف نُداري

وجَعاً لا يُقاسُ بالأوجاعِ؟

ليس في خيمةِ امرئ القيس خمرٌ

كان يكفي لرَدِّ صاعٍ بصاعِ

ما لِجسّاسٍ بنِ مُرّةَ طَوقٌ

أن يعيشَ الحياةَ عَيشَ الرَّعاعِ

نحنُ ضُقنا حتّى بِ (نحنُ) لأنّا

لم نعُدْ (نحنُ)، نحنُ سَقطُ متاعِ

إنّ بينَ الرومانِ والفُرسِ حبْلاً

يخنقُ الريحَ في رِئاتِ الضِّياعِ

يشنُقُ الحُبَّ في الخِيامِ لِكَيْلا

يتفشّى السّلامُ كالنَّعناعِ

كان لا بُدَّ مِن دَمٍ لا يُحابي

شرَهَ الذِّئبِ واحتيالَ الأفاعي

كان لا بُدَّ للحناجرِ منّي

ليموجَ الإيقاعُ في الإيقاعِ

أنتَ يا صاحبَ الفخامةِ ماضٍ

ناقصٌ، كاملٌ بألفِ قِناعِ

أنتَ لا شيءَ، ثَورتي كلُّ شيءٍ

حينَ تكفي لوقفةٍ كالقِلاعِ

لستَ أعلى ولستُ أدنى، لأنّي

أَبُ هذا الفضاءِ وابنُ ارتفاعي

لستَ جَوّا ولستُ قاعاً، أنا لي

هَيبَةُ البازِ في علوٍّ وقاعِ

أنا أَولى بثَورتي وبِناري

وغِنائي وقَفزَتي واتِّساعي

أذِّنوا كيفما تشاؤونَ إنَّ العيرَ

للهِ والصُّواعَ صُواعيْ

واحمِليني يا أُمِّيَ الأرضَ ماءً

للعَطاشى وحِنطةً للجِياعِ

حارِساً للبيوتِ مِن لِصِّ لَيلٍ

حارِساً للقُرى منَ الأطماعِ

حين تعوي الذئابُ لا شيءَ أبقى

مِن عَصاةٍ تلوحُ في كَفِّ راعِ

قاب شمسين:

   وها هو الشاعر أنس الدغيم يكتب:

وحدَه كانَ حينَ كانوا نِياما

حينَ لم يتركِ الكلامُ كلاما

وحدَه كان فوقَ طُورِ التجلّي

ينهَزُ الشّمسَ كي تشعَّ غراما

كانت الأِرضُ قابَ شمسَينِ، كانتْ

تتهجّى مِن العطورِ الخِتاما

تتقرّى ملامحَ الطُّهرِ فيها

فاصطفى الله للجمالِ إماما

ليس أعمى مَن لم يرَ النّورَ لكنْ

كان من فَرْطِ ما رأى يتعامى

بعدَ يُتْمَينِ قامَ أجملُ طفلٍ

ذاقَ فوقَ الذي يذوقُ اليتامى

يمسحُ الحزنَ عن ملايينَ كانوا

قبلَ أن يمسحَ اليتيمُ أَيامى

إنَّ من أرضعَتْه لم تَكُ تدري

أنّها تُرضِعُ النّدى والغَماما

كان أنقى مِن ماءِ زمزمَ ماءً

ولِأرقى الأخلاقِ كانَ التَّماما

وهلالاً رأتْهُ عَينا (بَحيرا)

فنَوى حينما رآهُ الصِّياما

كان للّيلِ ما له وعليهِ

ولقلبٍ توسّدَ الآلاما

أنْ يَكِنَّ الغرامُ فيهِ لِماماً

ويَهيجَ الغرامُ فيهِ لِماما

في هزيعٍ من الأماني وما في

جَعبةِ الرّوحِ غيرُ نورٍ تسامى

سبقَ الفجرَ ثمّ شدّ فؤاداً

نحو غارٍ من صخرتَينِ وغاما

بين تلك التّلالِ مرّ سريعاً

كاليمامِ الذي يمرُّ يَماما

وتسلّلتُ خلفَه كان شيءٌ

ليس كالشّيءِ حوله يترامى

شفقٌ، هالةٌ، ضياءٌ وثوبٌ

تحته خاتَمٌ ومِسكُ خُزامى

إنّ غاراً بنورِهِ قد تَزَيّا

هوأعلى من السّماءِ مَقاما

ليسَ أغنى من الذي حازَ مُلكاً

ورأى الخَلَّ نعمةً وإداما

يَعْظُمُ الشِّعْبُ بالذي فيه شأناً

وبهم لا تُرى الخيامُ خِياما

إنّ مَن كان للدّراويشِ بيتاً

صارَ للطّائفينَ بيتاً حراما

قمرٌ واستدارَ لحظةَ مرّتْ

ريشةٌ من جناحِ جبريلَ قاما

لم يكنْ يحملُ البراقُ نبيّاً

حملَ الطُّهرَ كلَّه والسّلاما

بين هاءِ الهُدى وتاءِ التجلّي

لم يضِلَّ الفؤادُ إذْ هو هاما

الذي قام مِن أناهُ يتيماً

كيف صلّى بالأنبياءِ إماما؟

عيّروني بأنّني حين أهوى

أخلعُ القلبَ للحبيبِ هياما

وبأنّي أطيرُ من عُشِّ روحي

نحو روحِ الذي أحبُّ حَماما

أنتَ لستَ الذي أُحِبُّ تماماً

أنت فوقَ الذي أحبُّ تماما

وأنا من أنا وما كنتُ كَعْباً

لأصوغَ الهوى ولا الخَيّاما

غيرَ أنّي جمَّلْتُ شِعريَ فاخلَعْ

بُردةً منكَ تسترُ المستَهاما

سكر من الحجاز:

   وكتب الشاعر أنس الدغيم يقول: 

قالوا حرامٌ أنْ أحبّكَ أكثرا

هذا لأنّ قليلَ حُبّكَ أسكرا

خبّأتُ قلبي من سهامكَ قال لي

عندَ احتضاري يحمَدُ الحُبُّ السُّرى

مُذ قيل لي بانتْ سعادُ وكنتُ قد

أدمنتُها قلتُ السّلامُ على الكَرى

ما في بني النّجّارِ مثليَ عاشقٌ

فرَشَ الفؤادَ لِحَرِّ نعلِكَ بَيدرا

طرقتْه صائدةُ القلوبِ وقد نأى

مَن قال كلُّ الصّيدَ في جوفِ الفَرا؟

في الجانب القبليّ من إثنَينها

صوتٌ من الغيبِ استدار وبشّرا

في زحمةِ الآلامِ تولَدُ سُكَّرا

كأذانِ إبراهيمَ في (أمِّ القُرى)

يا كُلَّ ذي زرعٍ ولم تكُ وادياً

أنت الذي وضع النّقاطَ على الذُّرى

وأنا الذي لم يدنُ بعدُ وما دنا

من قابِ قوسِكَ مرّةً أو أكثرا

وأنا الذي في الطّلِّ يغرقُ كيف مِن

لا قطرةٍ غامتْ يداهُ فأمطرا؟

مِن رقصة الطُّور التي جرّبتها

عُلَّمْتُ معنى أن تُحِبّ ولا ترى

فاقرأ فلستُ بقارئٍ أنا طائرٌ

جبريلُ حرّكَ ريشَهُ فتبعثرا

لا ترتجفْ فالصّبرُ عند الرّعشةِ ال

أولى وهذا البردُ أقدسُ ما اعترى

زمّلْ بدايتَكَ النّبيّةَ وانطلقْ

فخديجةٌ في البابِ هيّأتِ القِرى

ما كلُّ ذي قلبٍ يظلُّ له هنا

قلبٌ هنا ما لا يباعُ ويشترى

والعالم الأرضيُّ لن يجدَ النّدى

في غير قلبٍ قال لا وادّثرا

ستعود بالطفل المباركِ مُرضعٌ

ويعود ضَرعُ الشّاة ثَرّاً أخضرا

ويشقُّ صدركَ مِبضعٌ في حدِّهِ

نورانِ لن يجِدا مكاناً أطهرا

اليُتْمُ عند الكُلِّ ضعفٌ واضحٌ

واليُتمُ عندك كان كي تتجوهرا

سيرَون في الكتف الشريفة خاتماً

وتُذيع سِرَّكَ غيمةٌ لن تُمطِرا

ستصاحبُ الطُّهرَ النبيَّ مباركٌ

مَن سار في ركب النبيّ ومَن جرى

سيمرُّ بيّاعُ العطورِ ببابنا

ويقولُ أوحيَ للنّدى أن يجهرا

سيقولُ عمّارٌ لزوجةِ ياسرٍ

قدَرُ المُحبِّ إذا اكتوى أن يصبرا

وبلالُ لن يرجو أميّةَ مرّةً

أُخرى وصوتُ أذانه لن يُكسَرا

من (نينوى) ستزورُ جُرحَكَ حبّةٌ

من سُكّرٍ عِنَبٌ، ويُطعِمُ سُكّرا

فتعالَ كُلُّ قلوبنا لكَ خزرجٌ

وعيونُنا (أوْسٌ) تُغازلُ كوثَرا

خيرُ الورى من أطعمَ الدنيا ولم

يَطعَمْ وشدَّ على الحجارة مِئزرا

قلبي هو الجِذعُ الذي غادرتَه

وذبحتَهُ لمّا صعدتَ المنبرا

قصيدة الغار:

  وكتب الشاعر أنس الدغيم مبينا الفرق بين من يملك القلوب ومن يملك الرقاب يقول:

شتّانَ بينَ المالكَيْنِ نِصابا

ملكَ القلوبَ ويملكونَ رِقابا

وملكتُ من هذا الغرامِ قليلَه

فاستفتَحا بقليلهِ الأبوابا

قلبي وعقلي والقوافي منذُ أنْ

زمّلْتَها تتصيّدُ الكُتّابا

ما كانَ كلُّ الصّيدِ في جوفِ الفَرا

حتّى تمعّنَ واتِري فأصابا

هذا الفؤادُ أنا الذي خبّأْتُه

عن مقلتَيكَ فصادفَ الأهدابا

علّقتُ بينَ البُردتَينِ مدائحي

وسوايَ يعلَقُ غادةً وكَعابا

لا ناعسَ الطّرفِ الذي بايعتُه

في النّومِ كنتَ ولم أكُ السّيّابا

إنّي وما عُلِٰمْتُ منطقَ طائرٍ

أشدو بذكركَ جَيئةً وذهابا

للهِ طبْعُ الوردِ يُخفي عطرَهُ

ويُقيمُ مِن ألوانهِ حُجّابا

حاولتُهُ أو كِدتُ لولا أنْ رأى

بُرهانَه قلبي فعادَ وتابا

وصفا إناءُ الحُبِّ رقَّ زجاجُهُ

حتّى رأيتُ وما رأيتُ شرابا

لكنّ ماءً سالَ أو كالماءِ مِن

وعلى حواشيهِ فشَفَّ وطابا

صُنِعتْ على عينِ الرّحيقِ كؤوسُهُ

فكأنّما شرَحَتْ بهِ الأسبابا

أرجعْتُ فيهِ الطّرفَ واسترجعتُهُ

في كرّتَينِ فغابَ فيهِ وآبا

ما بينَ منبرهِ وموضعِ قبرِهِ

خطّ الجمالُ لقارئيهِ كِتابا

قرأتْ على يدهِ الشّعوبُ ولم يزلْ

في كلِّ سطرٍ يشرحُ الآدابا

في غارِهِ الجبليِّ لم يكُ خالياً

كان المدى يتعلّمُ الإعرابا

مِن (قُمْ فأنذرْ) لم يُدثِّرْ عينَهُ

نومٌ ودثّرَ عارياً ومُصابا

حافٍ وما مِن حبّةٍ في مكّةٍ

لم يحتمِلْ عنها دماً وعذابا

عارٍ عن الدّنيا وأوّلَ كلِّ (بسم اللهِ)

يفتحُ في المعارجِ بابا

الأسودانِ على خريطةِ فقرهِ

يتوزّعانِ مآذناً وقِبابا

نِعمَ الإدامُ الخَلُّ حينَ مُحاصَرٌ

في الشِّعْبِ يفتحُ للجياعِ شِعابا

ما كانَ عَدّاسٌ لِيؤمنَ قلبُهُ

لو لم يجدَهُ السُّكَّرَ العنّابا

سبحانَ مَن أسرى به ليلاً ومَن

أدناهُ مِن قوسِ الجلالةِ قابا

وارتَدَّ مِن أعلى ليخصِفَ نعلَهُ

ويُطاعِمَ الفقراءَ والأصحابا

خُلُقٌ كأنّ الوَدْقَ من أعطافِهِ

وخِلالِهِ يُهدي الوجودَ سَحابا

خُلُقٌ هو القرآنُ هذّبَ حُسنُهُ

عرباً وزكّى يُمْنُهُ أعرابا

والحبُّ يبدأ بالقلوبِ فكلّما

(بانتْ سعادُ) وجدتَ قلبكَ ذابا

كان الطريقُ مُطوَّقاً بحمامةٍ

لم تبنِ عُشّاً بل بنَتْ محرابا

لا حُزنَ فيهِ معيّةُ المولى هنا

بدمِ الرّضا تتحسّسُ الأعصابا

يا (مِن ثنيّاتِ الوداعِ) ويومَها

يا راكباً لا يُشبهُ الرُّكّابا

مَن صاغَ مِن تَمْرٍ سُواعاً لا كمَن

بالحُبِّ والإيمانِ صاغَ شبابا

فكأنّ كلّ مهاجرٍ في أوْسِهِ

(سعدٌ) و(يثربَ) أصبحتْ خَبّابا

تتفاوتُ الأقدارُ بالتّقوى ولا

يتفاوتونَ نُهىً ولا أنسابا

والنّفسُ لا ترقى إذا لم تقترفْ

بقُباءَ مِن أثَرِ السُّجودِ تُرابا

يومَ التقى الجمعانِ ضجّ رِداؤهُ

بدعائهِ ودعا الخصومُ سَرابا

بالعُدوةِ الدّنيا أقامَ عريشَهُ

والرّكبُ أسفلَ منهُ خارَ وخابا

والمجدُ لا يُؤتى لمَنْ لم يأتِهِ

قَدَرُ المعالي أن تُقادَ غِلابا

ما كان للطّلقاءِ أنْ يستقسِموا

مِن بعدِه الأزلامَ والأنصابا

لمّا عفا وهو المُقَدِّرُ رحمةً

وبكى لهم وهو العزيزُ جَنابا

يا أيها الرّيمُ الذي لم يستترْ

عن طالبٍ لا يُشبهُ الطُّلّابا

ما حلّ أزرارَ البنفسجِ زائرٌ

إلا وشقّ على الأريجِ ثيابا

يا سيّداً ومحمّداً يا رحمةً

للعالمينَ ونِعمةً وثَوابا

ما كانَ صدرٌ مثلَ صدركَ عامراً

بالحُبِّ هم مَن صدّروا الإرهابا

كوثَرْتَ آيَ اللهِ في أرواحنا

وتخندقوا مِن حولنا أحزابا

أحييتَ بالقرآنِ إنسانيّةً

وتقاسموا دُنيا الورى أقطابا

لو أنّهم عرفوكَ لاعتاضوا عن ال

دّمِ ياسميناً والحرابِ حُبابا

ولأسّسوا للخيرِ أعظمَ دولةٍ

ولَصالحَ السيفُ الصّقيلُ قِرابا

جمّلتُ شِعري حينَ لم أختَرْ له

من غيرِ كأسِكَ سُكّراً ورُضابا

يا ليتني أُحُدٌ أوَ انّي فوقَهُ

حجرٌ يُحَبُّ وحبّةٌ تتصابى

بالغتُ في هذا الدُّنُوِّ ولم ولا

كعْباً بلغتُ ولا بلغتُ كِلابا

ما كان ربّي أن يُعذّبَ شيبةً

شابتْ بهِ ودمي بحُبّكَ شابا

وشّيتُها ذهباً وراقَ الماءُ

في كأسها فتسابقَ النّدماءُ

رقّتْ محاسنُها فلا هي أحرفٌ

تُتلى ولا هي غادةٌ صهباءُ

القاصراتُ الطّرفِ من خَفَرٍ لها

دِيَمٌ وأنت لمائهنّ إناءُ

يوشينَ بالمعنى ويمسكُ بعضها

خجلاً فلا ألفٌ يُرى أو باءُ

يا ماءَ بدرٍ لو لمستَ قصائدي

سُقيا لزهر قصائدي يا ماءُ

آنستُ نارَكَ فالتمسْ لخواطري

قبساً يضيءُ القلبَ يا سيناءُ

تَرِبتْ يداي إذا حُرِمتُك شافعاً

ومُنعتُ حوضَكَ أيّها السّقّاءُ

يا أيّها المكتوبُ في أعماقنا

أنت الكتابُ وكلّنا قُرّاءُ

إي يا بن عبدالله ما بلغَ الهوى

منك الذي يرجو ولا الشّعراءُ

كم غادر الشّعراءُ من نظمٍ وكم

راحوا على طُرقِ البيانِ وجاؤوا

وتظلُّ في كلّ القلوبِ محمّداً

الصّمتُ فيكم والكلامُ سَواءُ

صِلْني فَوافقري إذا لم ترضَ عن

وصلي وترضَ القبّةُ الخضراءُ

وإذا قريشٌ لم تسَعْكَ بيوتُها

فالشِّعبُ قلبي والفِدا الأحشاءُ

يا أمَّ معبدَ ليتَ قلبي خيمةٌ

لتدوسَه بنعالها النّزلاءُ

يا سيّداً ومحمّداً يا فوقَ أنْ

ترقى إليك الأعينُ العمياءُ

هم حاولوكَ فلم ينالوا وانتهوا

وسموتَ حتّى لا تُرى فاستاؤوا

لم يعرفوا قدرَ النّبوّةِ فارتقوْا

عبثاً لكي يصلوا إليك فباؤوا

وتسلّقوا سورَ الجمال فأُتبِعوا

بشهابِ صدقٍ من يديك فساؤوا

لتظلّ في خَلدِ الزّمان محمّداً

مهما جنتْهُ رسومُهم، وأساؤوا

هم حاربوكَ فأنت أوّلُ ضوئنا

ليموتَ في أُفقِ الشّعوبِ ضياءُ

هم حاربونا فاستفاقتْ غزَّةٌ

في كلّ قلبٍ واستجدّ لواءُ

ولكي يظلّ الدّينُ هانتْ أنفسٌ

وتوسّدتْ هذا التّرابَ دماءُ

فنموتُ ألفاً كي تعيشَ عقيدةٌ

ونُهدُّ ألفاً كي يتمّ بناءُ

فلْيحبسوا صوتاً سيوقظُ ليلَهم

من صبحِ أرضِ الرّافدينِ قُباءُ

ولْيشعلوا ناراً سيطفئُ نارَها

" حم " والأنفالُ والإسراءُ

وستعلنُ الدّنيا خلافتَنا فلا

نامتْ عيونٌ أهلُها جبناءُ

إن شئتَ سلْ عنّا تجبْكَ الصّينُ عن

أخبارنا وتردّدُ الحمراءُ

سلْ أيُّ بحرٍ ما لهُ من رَوحنا

موجٌ ونجمٍ ما له لألاءُ؟!

نسقي الورودَ الظّامئاتِ بطيبنا

ومن العيونِ الباكياتِ الماءُ

فإذا لبسنا للحروبِ دروعَنا

فمن الدّماء المسكُ والعرفاءُ

طافتْ على وجه الثّرى حملاتُنا

فلهديها في العالمين رُخاءُ

فسيوفُنا حمراءُ من وهجِ الهدى

وقلوبُنا من وهجهِ بيضاءُ

في بيعةِ الرّضوان كانَ لقاؤنا

وعلى تخومِ الرّومِ كان لقاءُ

فرجالُنا عند المعارك عامرٌ

ونساؤنا عندّ اللّقا خنساءُ

وقوافلُ الخيلِ الأصائلِ حُوّمٌ

عمْروٌ على صهواتها وبراءُ

فسطاطُ عمْروٍ في صحائفِ حسننا

ويمامُ مِصرٍ كلّه شهداءُ

غنّى لنا رملُ الحجازِ وأزهرتْ

جرّاءَ خيلِ محمّدٍ سيناءُ

إنْ يحمدِ القومُ السُّرى في صبحهم

فلخالدٍ عندَ الصّباحِ بلاءُ

من كان في هذا الوجودِ محمّداً

أو منه فالدّنيا له دهماءُ

مولاي ذكرُ الخالدين مفازةٌ

تُرجى ووصلُكَ للقلوبِ رجاءُ

الباقياتُ الصّالحاتُ وما حوتْ

من غير حبّكَ ما لهنّ بقاءُ

فعليك من ديم الصّلاةِ هواطلٌ

مُزنٌ ومن دِيَم السّلام رواءُ

    وهكذا نرى أن الشاعر د. أنس الدغيم قد أبدع في فن المديح النبوي الشريف، وكتب عدة قصائد امتازت برقة الألفاظ، وسلاسة التراكيب، ومتانة الأسلوب، وقوة الخيال، وروعة التصوير .

وسوم: العدد 1057