السخرية في شعر أحمد مطر

sgbsfg1065.jpg

( ١٩٥٤م _ معاصر)

    هو شاعر عراقي ولد سنة 1954 في قرية التنومة، إحدى نواحي قضاء شط العرب في البصرة، وهو الابن الرابع بين عشرة أخوة من البنين والبنات، وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرته وهو في مرحلة الصبا، لتقيم بمسكن عبر النهر في محلة الأصمعي.

حياته المبكرة:

  ولد أحمد في مدينة البصرة بمنطقة التنومة، وكان لها تأثير واضح عليه، فهي -كما يصفها- تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مدينة مطرّزة بالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، وأشجار النخيل، لقد انتقلت أسرته إلى محلة الأصمعي، وهي إحدى محلات البصرة وكانت تسمى في بداية إنشائها بـمحلة «الومبي» نسبة إلى اسم الشركة البريطانية التي بنت منازلها، ولعل من طريف القول هنا أن أحمد مطر غالبا ما كان يردد: «من الومبي للومب لي» في إشارة إلى اسم المكان الذي حل به من بريطانيا.

  ولقد أكمل أحمد دراسته الابتدائية في مدرسة العدنانية، ولشدة سطوة الفقر والحرمان عليه قرر تغيير نمط حياته لعل فيه راحة له وخلاصا من ذلك الحرمان، فسارع للانتقال إلى بغداد، وبالتحديد إلى منطقة الزعفرانية ليعيش في كنف أخيه الأكبر علي.

بداية مشوار الشعر:

   في سن الرابعة عشرة بدأ أحمد مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، أما موهبته في الشعر، فبدأت تظهر في أول قصيدة كتبها حيث كان في الصف الثالث من الدراسة المتوسطة، وكانت تتألف من سبعة عشر بيتا، ومن الطبيعي ألا تخرج تلك القصيدة عن نطاق الغزل والهيام وهو أمر شائع ومألوف بين الناس لصبي أدرك منذ أدرك أن الشعر لا يعني سوى الوجد والهيام والدموع والأرق، وكان مطلع القصيدة:

مرقت كالسهم لا تلوي خطاها

ليت شعري ما الذي اليوم دهاها

  يقول بعض من قرأ القصيدة: «إذا نظرنا إلى القصيدة نجد سنًا أكبر من سنه، وهذا لا يتهيأ فنّا ورصيداً لصبي ما زال مخزونه اللغوي والفني في طور التشكيل». وقد عُرِضَتْ تلك القصيدة في حينها على أحد المختصين فلم يصدق أنها لطالب ما زال في المرحلة المتوسطة، ثم راح أحمد مطر يكتب القصائد في ذكرى مولد النبي محمد والإمام علي بن أبي طالب، ومما كتبه بهذا الخصوص وهو في المرحلة المتوسطة قصيدة مطلعها:

راحت تحاورني

وتسكب همسها

نغما رقيقا

يستفيق على الفم

وجاء فيها قوله:

ومشاعر تكبو

تخط سماحة

فتقول: (رائعة

فضربة لهذم)

.

  وأحمد مطر هنا يشير إلى قصيدة الجواهري (رسالة إلى أبي هُدى) وهي قصيدة نشرتها جريدة الثورة تحت عنوان رائعة الجواهري، ومطلعها (نبأت أنك توسع الأزياء عتا واعتسافا). وفيها يعاتب الجواهري وزير الداخلية في حينها صالح مهدي عمّاش على منعه الملابس النسائية القصيرة، وعلى إنشائه شرطة الآداب التي راحت تحاسب من يرتدين هذه الملابس.

  وبسبب قسوة الحياة والظروف القاهرة التي كان يعيشها مطر، تعثر في دراسته، ولأنه أحبط لجأ إلى الكتاب هربا من واقعه، فزوده برصيد لغوي انساب زادا لموهبته، وأضافت لزاده هذا تلك الأحداث السياسية التي كان يمر بها وطنه، وهو أمر جعله يلقي بنفسه في دائرة السياسة مرغما، بعد أن وجد أن الغزل والمواليد النبوية لا ترضي همته، فراح يتناول موضوعات تنطوي على تحريض واستنهاض لهمم الناس للخلاص من واقعهم المر، وفي هذا الصدد يقول الشاعر: «ألقيت بنفسي مبكرا في دائرة النار، عندما تكشفت لي خفايا الصراع بين السلطة والشعب، ولم تطاوعني نفسي على الصمت أولًا، وعلى ارتداء ثياب العرس في المآتم ثانيا، فجذبت عنان جوادي ناحية ميدان الغضب»، فذاع صيته بين الناس، وهو أمر جلب له ألما وسجنا، ويذكر إنه سجن في مدينة الكوت أثناء تأديته لخدمة العلم، وذلك بعد رفضه طلبا لمحافظها محمد محجوب بإلقاء قصيدة بمناسبة احتفالات ثورة تموز، فما كان من أحمد مطر إلا أن نظم قصيدة وهو في سجنه يخاطب فيها لائميه يقول مطلعها:

ويك عني لا تلمني فأنا

اللوم غريمي وغريمي بأسي

فترة السجن وفقدانه أخوته

  في هذه الفترة من حياته رزء بفقد شقيقه الأصغر (زكي) بحادث سيارة مفتعل، وسرعان ما تبعه شقيقه الآخر (خالد) الذي كان منظره وهو متدل من حبل المشنقة لا يفارق أمه الثكلي التي ابيضت عيناها من الحزن على أولادها، ولولا مشاركة الأب الذي كان هيكلا عظميا مسجى على فراش المرض لها وتقاسمه العذاب معها لما استطاعت احتمال فقد أولادها.

حياته في الكويت:

وفي الكويت عمل في جريدة القبس محرراً ثقافياً، وعمل أيضاً أستاذاً للصفوف الابتدائية في مدرسة خاصة، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدون قصائده التي أخذ نفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءت القصيدة كلّها في بيت واحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت «القبس» الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية الانتحارية، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بين القرّاء.

أحمد مطر وناجي العلي:

وفي رحاب القبس عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلي، ليجد كلّ منهما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف -غيباً- أن الآخر يكره ما يكره ويحب ما يحب، وكثيراً ما كانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة دون اتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّة الشعور بالمأساة ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزالق الإيديولوجيا.

  وكانت لافتة أحمد مطر تفتتح الصفحة الأولى في الصحيفة، وكان ناجي العلي يختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.

موقف السلطات العربية:

ومرة أخرى تكررت مأساة الشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظة مختلف السلطات العربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلي، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بنفيهما معاً من الكويت، حيث ترافق الاثنان من منفى إلى منفى. وفي لندن فَقدَ أحمد مطر صاحبه ناجي العلي الذي اغتيل بمسدس كاتم للصوت، ليظل بعده نصف ميت، وعزاؤه أن ناجي ما زال معه نصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه.

الانتقال إلى لندن وحياته فيها:

انتقل أحمد مطر إلى لندن عام 1986 بسبب عدم نزوله عن مبادئه ومواقفه ورفضه التقليل من الحدة في أشعاره التي كان ينشرها في «القبس»، وهو أمر لا تستسيغه الكويت، وكانت المنطقة تمر بحرب طاحنة، إلا أنه بقي يعمل في مكاتب القبس الدولية، ومن لندن سافر أحمد مطر إلى تونس ليجري فيها اتصالات مع كتابها وأدبائها، فرجع قافلاً إلى لندن ليلقي فيها عصا الترحال ويستقر فيها بعيدا عن وطنه، وسرعان ما تسوء علاقته مع القبس، ولا سيما بعد (أن فتحت القبس له قوس الخيبة مع قصيدة «أعد عيني» وقصيدة «الراحلة») فصارت «الراية» القطرية متنفسه علي العالم بعد أن نحرت الرقيب على أعتاب لافتاته كما يقول أحمد مطر إكراما للحرية، وعن هذا الموضوع يكتب أحمد مطر لافتة بعنوان (حيثيات الاستقالة) جاء فيها:

((أيتها الصحيفة

الصدق عندي ثورة.

وكذبتي

إذا كذبت مرة

ليست سوي قذيفه!

فلتأكلي ما شئت، لكني أنا

مهما استبد الجوع بي

أرفض أكل الجيفة.

أيتها الصحيفة

تمسحي بذلة

وانطرحي برهبة

وانبطحي بخيفه.

أما أنا..

فهذه رجلي بأم هذه الوظيفة!)

وعن حياته في بريطانيا كتب أحمد مطر ملخصا تلك الحياة: أنا في بريطانيا دولة مستقلة، نمشي على قدمين، نشتاق إلى أوجاع احتلالها ونهفو إلى المعركة من جديد، لست سعيدا لأني بعيد عن صدى آهات المعذبين لأني أحمل آهاتهم في دمي، فالوطن الذي أخرجني منه لم يستطع أن يخرج مني ولا أحب أن أخرجه ولن أخرجه.

أما اليوم فيعيش أحمد مطر في بريطانيا مريضاً يقتات علي الذكريات والشاي والتدخين، ويعيش بين أفراد عائلته. وعائلته تتكون من أربعة أفراد وهم: علي، دكتوراه مونتاج سينما ومسرح، حسن، ماجستير مونتاج سينما ومسرح، زكي، مازال طالبا في الثانوية، وفاطمة، تدرس الأدب المقارن في إحدى الجامعات البريطانية. وكلما أفاق من سطوة المرض وجد وطنه يلعب دور البطولة التراجيدية على شاشة التلفاز، ولا سيما بعد أن لعبت بريطانيا الدور ذاته الذي كانت قد لعبته، فتتحول الضحكة التي ينتظرها أهله منه إلى نوبة نشيج مكتوم، تعلو بعدها توسلات الأبناء إليه أن يضرب عرض الحائط كل ما من شأنه إثارة الانفعال والأسى لديه، فلا يجد أحمد مطر سلوة له إلا أن يعد المرض حسنة لأنه أبعده قسرا عن الاستماع إلى نشرات الأخبار وقراءة الصحف وعن كل ما له صلة بالموت في وطنه.

أحمد مطر وقصائد الغزل:

دواوين أحمد مطر بجمعها تخلو من قصيدة غزل واحدة!!، وعندما سُئل الشاعر عن إمكانية قوله قصيدة الحب وترك الدوران حول موضوع واحد هو الموضوع السياسي أجاب: ((إن الأرض تكرر دورانها حول الشمس كل يوم، لكنها لا تكرر نفسها حتى في لحظتين متتاليتين، والشعر العربي يكرر موضوع الحب منذ الجاهلية، والقضية برمتها هي عبارة عن رجل يعشق امرأة، وامرأة تحب رجلا، فهل تستطيع القول إن الموضوع قد اختلف عن هذا يوما ما؟ إن هذا الموضوع لم ينته بالتكرار، لأن هناك دائما زاوية جديدة للنظر ونبرة جديدة للبوح وثوبا جديدا للمعنى... إني أتساءل ألا يكون الحب حبا إلا إذا قام بين رجل وامرأة؟! أليس حبا حنينك إلى مسقط رأسك؟ .. أليس حبا أن تستميت لاسترداد الوطن من اللصوص؟...أليس حبا أن تحاول هدم السجن وبناء مدرسة؟... إن البكاء على الأهل والغضب على المقاول، هما أرفع أنواع الحب في مثل هذا الموقف)).

الشعر في زمن الفعل:

يقول أحمد مطر: إن الشعر ليس نظاما عربيا يسقط بموت الحاكم، كما أنه ليس بديلا عن الفعل، بل هو قرين له، إنه نوع من أنواع الفنون من مهماته التحريض والكشف والشهادة على الواقع والنظر إلى الأبعد، وهو بذلك يسبق الفعل ويواكبه ويضيء له الطريق ويحرسه من غوائل التضليل، وقديما قال نصر بن سيار: إن الحرب أولها كلام، والواقع إن الكلام محيط بالحرب من أولها إلى آخرها، توعية وتحريضا وتمجيدا، وهذا ما مثله ابن سيار نفسه.

ويتابع قائلاً: لا غني للفعل عن الكلام الصادق المؤثر، لأن غيابه يعني امتلاء الفراغ بالكلام النقيض، ونحن نعلم أن هذا النقيض موجود وفاعل حتي بوجود الصدق، فما بالك إذا خلا الجو تماما؟ وما من مقاومة علي وجه الأرض استغنت بالمقاتل عن الشاعر، كل مقاومة حية تدرك أن لا غني للدم عن الضمير، وتاريخ امتنا نفسه أكبر شاهد علي أهمية دور الشاعر في الحرب، بل إن المقاتل نفسه طالما شحذ سيفه ولسانه معا، فهو يخوض غمرات الوغي (وكر مرتجزاً أو طعنه راجزاً أو هوىً صريعاً وهو يرتجز)، وإذا كان أبو تمام قد قال:

بيض الصفائح لا سود الصحائف *** في متونهن جلاء الشك والريب

فهو قد جعل رأي الشاعر أولا إذ أكد ضمنا أن سود الصحائف هي الدليل المبصر لبيض الصحائف العمياء، وما قاله أبو تمام مواربا قاله أبو الطيب من دون مواربة:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

فالشعر مهم لنا نحن العرب، ولولا ذلك لما حفيت أقدام المخابرات المركزية الأمريكية في سعيها من أجل تدميره بأيدي المغول الجدد، وعلي أية حال، فان أحمد مطر ما كان يتوقع أن يحصل التغيير بالشعر فقط، وفي هذا الصدد يقول في لافتة بعنوان (دور):

((أعلم أن القافية

لا تستطيع وحدها إسقاط عرش الطاغية.

لكنني أدبغ جلده بها

دبغ جلود الماشية!

حتي إذا ما حانت الساعة

وانقضت عليه القاضية

واستلمته من يدي أيدي الجموع الحافية

يكون جلدا جاهزا

تصنع منه الأحذية!))

سبب تجاهله لوسائل الإعلام:

   وهو يقول في ذلك: إنني لم أتجاهل وسائل الإعلام، بل تجاهلت وسائل الإعدام. تلك التي تكتب بالممحاة، وتقدم للناس فراغاً خالياً محشواً بكمية هائلة من الخواء، وللإعلاميين أقول: احذروا أن تعبثوا بالحقائق، واحذروا بلع أطراف الحروف، فالكلمة حساسة جداً، يمكن تحويلها بلمسة بسيطة غير مسؤولة، من أداة إحياء إلى أداة قتل. إن عبثاً هيناً بكلمة «إعلام» يحولها ببساطة إلى«إعدام».

ملك الشعراء:

يجد كثير من الثوريين في العالم العربي والناقمين على الأنظمة مبتغاهم في لافتات أحمد مطر حتى أن منهم من يلقبه بملك الشعراء ويقولون إن كان أحمد شوقي هو أمير الشعراء فأحمد مطر هو ملكهم.

ديوان شعره:

لأحمد مطر ديوان كبير مطبوع طبعه الشاعر في لندن على نفقته الخاصة ونشره في مكتبتي الساقي والأهرام تضم المجموعة الكاملة سبع دواوين بعنوان لافتات (لافتات 1 لافتات 2 لافتات 3 ...)، وتضم بعض الدواوين الشعرية الأخرى، مثل: (إني المشنوق أعلاه، ديوان الساعة)، فضلا عن بعض القصائد المتفرقة التي لم يجمعها عنوان محدد، مثل: (ما أصعب الكلام، العشاء الأخير، لصاحب الجلالة، إبليس الأول)، بالإضافة إلى قصائد أخرى نشرها وما زال ينشرها الشاعر على صفحات جريدة الراية القطرية.

من أشعاره:

حالات

بالتمادي . . . يصبِحُ اللّصُّ بأوربا مديراً للنوادي،

وبأمريكا، زعيماً للعصابات وأوكار الفسادِ،

وبأوطاني التي من شرعها قطع الأيادي،

.يصبح اللص . . . زعيماً للبلادِ،

إهانة

رأتِ الدّوَلُ الكُبْرى

تبديلَ الأدوارْ

فأقرَّتْ إعْفاءَ الوالي

واقْتَرحتْ تعْيينَ حِمارْ!

ولدى توْقيعِ الإقرار ْ

نهقَتْ كُلُّ حميرِ الدُّنيا باستنكارْ:

نحنُ حميرَ الدُّنيا، لا نرْفضُ أن نُتعَبْ

أو أن نُركَبْ، أو أن نُضرَبْ

أو حتى أن نُصلَبْ؛

لكن نرفضُ في إصرارْ

أنْ نَغْدو خدماً للاستعمارْ.

إنَّ حُمُورِيَّـتَنا تَأْبى

أنْ يَلْحَقَنا هذا العارْ!

عقوبات شرعية

بتَرَ الوالي لِساني

عندما غنَّيْتُ شِعْري

دونَ أن أطلُبَ ترْخيصاً بترْديدِ الأغاني

***

بتَرَ الوالي يَدي لمّا رآني

في كِتاباتِيَ أرْسَلْتُ أغانٍيَّ

إلى كُلِّ مكانِ

***

وضَعَ الوالي على رِجْلَيَّ قيداً

إذْ رآني

بينَ كُلِّ النّاسِ أمْشي

دُونَ كفِّي ولِساني

صامِتاً أشْكُو هواني

***

أمَرَ الوالي بإعْدامي

لأنِّي لم أُصفِّقْ

-عندما أمَرَ-

ولم أهتِفْ

ولم أبرَحْ مكانِي!

و من منشوراته

من طرف الداعي..

إلى حضرة حمّال القُرَح:

لك الحياة والفرح.

نحن بخير، وله الحمد، ولا يهمناشيء سوى فراقكم

نود أن نعلمكم أن أباكم قد طفح.

وأمكم توفيت من فرط شدة الرشح

وأختكم بألف خير.. إنماتبدو كأنها شبح.

تزوجت عبد العظيم جاركم

وزوجها في ليلة العرس انذبح.

ولم يزل شقيقكم في السجن.. لارتكابه أكثر من عشر جُنح.

وداركم عامرة.. أنقاضها

وكلبكم مات لطول ما نبح

وما عدا ذلك لا ينقصناسوى وجودكم هنا.

أخوكم الداعي لكم (قوس قزح)

ملحوظة: كل الذي سمعته عن مرضي بالضغط والسكرِ.. صح.

ملحوظة ثانية: دماغ عمك انفتح.

وابنة خالك اختفت.

لم ندر ماذا فعلت

لكن خالك انفضح!

ملحوظة أخيرة: لك الحياة والفرح!”

من دواوينه:

أحاديث الأبواب.

شعر الرقباء.

ولاة الأرض.

ورثة إبليس.

أعوام الخصام.

الجثة.

دمعة على جثمان الحرية.

السلطان الرجيم.

الثور والحظيرة (أنور السادات).

هون عليك (ياسر عرفات).

مقاوم بالثرثرة (بشار الأسد).

كلب الوالي.

ما قبل البداية.

ملحوظة.

مشاتمة.

كابوس.

انتفاضة مدفع.

لافتات1 - 1984م.

لافتات2 - 1987م.

لافتات3 - 1989م.

لافتات4 - 1993م.

إني مشنوق أعلاه - 1989م.

ديوان الساعة 1989م.

لافتات5 - 1994م.

لافتات6 - 1997م.

لافتات7 - 1999م.

لافتات متفرقة لم تنشر في ديوان بعد.

إشاعة وفاته:

لا تزال تخرج بين الفينة والأخرى أخبار حول وفاة أحمد مطر، ولكن حتى الآن لا تزال تلك الأخبار مجرد إشاعات، إذ يُنقل عن بعض المقربين من زوجته أنه متواجد في لندن حتى اليوم.

السخرية في شعر أحمد مطر 

ورثة إبليس:

ويفضح الشاعر الكبير الوجوه المزيفة التي تتخفى خلف القيم، وتفعل الفواحش في الكواليس، فيقول:

وجوهكم أقنعة بالغة المرونة

طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة

صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه

وقال: إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه

ودارت الأدوار فوق أوجه قاسية، تعدلها من تحتكم ليونة،

فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه،

لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه

وغاية الخشونة،

أن تندبوا: «قم يا صلاح الدين، قم»، حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة،

كم مرة في العام توقظونه،

كم مرة على جدار الجبن تجلدونه،

أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة،

دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه،

لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه.

شعر الرقباء:

ويقول الشاعر الثائر المعاصر أحمد مطر تحت عنوان شعر الرقباء ...

فكرت بأن أكتب شعراً

لا يهدر وقت الرقباء

لا يتعب قلب الخلفاء

لا تخشى من أن تنشره

كل وكالات الأنباء

ويكون بلا أدنى خوف

في حوزة كل القراء

هيأت لذلك أقلامي

ووضعت الأوراق أمامي

وحشدت جميع الآراء

ثم.. بكل رباطة جأش

أودعت الصفحة إمضائي

وتركت الصفحة بيضاء!

راجعت النص بإمعان

فبدت لي عدة أخطاء

قمت بحك بياض الصفحة..

واستغنيت عن الإمضاء!

 ولاة الأرض:

ويسخر شاعرنا من ولاة الأمر ومن عملائهم الذين أوجبوا لهم الطاعة بالرغم من أنهم جاؤوا إلى الحكم على ظهر الدبابة ..

هو من يبتدئ الخلق

وهم من يخلقون الخاتمات!

هو يعفو عن خطايانا

وهم لا يغفرون الحسنات!

هو يعطينا الحياة

دون إذلال

وهم، إن فاتنا القتل،

يمنون علينا بالوفاة!

شرط أن يكتب عزرائيل

إقراراً بقبض الروح

بالشكل الذي يشفي غليل السلطات!

****

هم يجيئون بتفويض إلهي

وإن نحن ذهبنا لنصلي

للذي فوضهم

فاضت علينا الطلقات

واستفاضت قوة الأمن

بتفتيش الرئات

عن دعاء خائن مختبئ في السكرات

وبرفع الـبصـمات

عن أمانينا

وطارت عشرات الطائرات

لاعتقال الصلوات!

****

ربنا قال

بأن الأرض ميراث ا لـتـقـاة

فاتقينا وعملنا الصالحات

والذين انغمسوا في الموبقات

سرقوا ميراثنا منا

ولم يبقوا لنا منه

سوى المعتقلات!

****

طفح الليل..

وماذا غير نور الفجر بعد الظلمات؟

حين يأتي فجرنا عما قريب

يا طغاة

يتمنى منكم خيركم

لو أنه كان حصاة

أو غبارا في الفلاة

أو بقايا بعـرة في أست شاة.

هيئوا كشف أمانيكم من الآن

فإن الفجر آت.

أظننتم، ساعة السطو على الميراث،

أن الحق مات؟!

لم يمت بل هو آت!!

الثور والحظيرة:

وعندما ترك أنور السادات جامعة الدول العربية وقرر منفردا الصلح مع إسرائيل ثم تبعه عرفات في أوسلو والملك حسبن في وادي عربة اجتمعت بقية الدول وقرر تجميد علف الثور وفي النهاية قرر الجميع اللحاق بالأشقاء والتطبيع مع اليهود ..

الثور فر من حظيرة البقر

الثور فر

فثارت العجول في الحظيرة

تبكي فرار قائد المسيرة

وشكلت على الأثر

محكمة ومؤتمر

فقائل قال: قضاء وقدر

وقائل: لقد كفر

وقائل: إلى سقـر

وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة

لعله يعود للحظيرة

وفي ختام المؤتمر

تقاسموا مربطهُ، وجمدوا شعيره

وبعد عام وقعت حادثة مثيره

لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة

السلطان الرجيم:

وعندما ينقلب السلطان إلى شيطان رجيم، فعندها لا يكون جديرا بالاحترام ويستحق السخرية ..

شيطان شعري زارني فجن إذ رآني

أطبع في ذاكرتي ذاكرة النسيان

وأعلن الطلاق بين لهجتي ولهجتي،

وأنصح الكتمان بالكتمان،

قلت له: كفاك يا شيطاني،

فإن ما لقيته كفاني،

إياك أن تحفر لي مقبرتي بمعول الأوزان

فأطرق الشيطان ثم اندفعت في صدره حرارة الإيمان

وقبل أن يوحي لي قصيدتي،

خط على قريحتي:

أعوذ بالله من السلطان

ويقول أحمد مطر في قصيدته (هون عليك):

لا عليك

لم يضع شيء..

وأصلاً لم يكن شيء لديك

ما الذي ضاع؟

بساطٌ أحمر

أم مخفر

أم ميسر..؟

هون عليك..

عندنا منها كثير

وسنزجي كل ما فاض إليك.

****

دولةٌ..

أم رُتبة..

أم هيبة..؟

هون عليك

سوف تُعطى دولة

أرحب مما ضُيعت

فابعث إلينا بمقاسي قدميك

وستدعى مارشالاً

وتُغطى بالنياشين

من الدولة حتى أذنيك..

****

الذين استشهدوا

أم قيدوا

أم شُردوا؟

هون عليك

كلهم ليس يُساوي.. شعرة من شاربيك

بل لك العرفانُ ممن قيدوا.. حيث استراحوا..

ولك الحمدُ فمن قد شُردوا.. في الأرض ساحوا

ولك الشكر من القتلى.. على جنات خُلدٍ

دخلوها بـيديك

****

أي شيءٍ لم يضعِ

ما دام للتقبيل في الدنيا وجود

وعلى الأرض خدود

تتمنى نظرة من ناظريك

فإذا نحنُ فقدنا «القبلةَ الأولى»

فإن «القبلةَ الأولى» لديك

وإذا هم سلبونا الأرض والعرض

فيكفي

أنهم لم يقدروا.. أن يسلبونا شفتيك

بارك الله وأبقى للمعالي شفتيك

 يسقط الوطن:

مع الأسف عندما يرى الإنسان الحكيم أن كرامته داخل الوطن مهدورة وفي بلاد الغرب والغربة محفوظة يتوصل إلى نتيجة مرة هي يسقط الوطن ...

أبي الوطن

أمي الوطن

رائدنا حب الوطن

نموت كي يحيا الوطن

يا سيدي انفلقت حتى لم يعد

للفلق في رأسي وطن

ولم يعد لدى الوطن

من وطن يؤويه في هذا الوطن

أي وطن؟

الوطن المنفي..

أم الوطن؟!

أم الرهين الممتهن؟

أم سجننا المسجون خارج الزمن؟!

نموت كي يحيا الوطن

كيف يموت ميت؟

وكيف يحيا من أندفن؟!

نموت كي يحيا الوطن

كلا.. سلمت للوطن!

خذه.. وأعطني به

صوتاً أسميه الوطن

ثقباً بلا شمع أسميه الوطن

قطرة أحساس أسميها الوطن

كسرة تفكير بلا خوف أسميها الوطن

يا سيدي خذه بلا شيء

فقط

خلصني من هذا الوطن

****

أبي الوطن

أمي الوطن

أنت يتيم أبشع اليتم إذن

ابي الوطن

أمي الوطن

لا أمك احتوتك بالحضن

ولا أبوك حن!

ابي الوطن

أمي الوطن

أبوك ملعون

وملعون أبو هذا الوطن!

****

نموت كي يحيا الوطن

يحيا لمن؟

لابن زنى

يهتكه.. ثم يقاضيه الثمن؟!

لمن؟

لاثنين وعشرين وباء مزمناً

لمن؟

لاثنين وعشرين لقيطاً

يتهمون الله بالكفر وإشعال الفتن

ويختمون بيته بالشمع

حتى يرعوي عن غيه

ويطلب الغفران من عند الوثن؟!

تف على هذا الوطن!

وألف تف مرة أخرى!

على هذا الوطن

من بعدنا يبقى التراب والعفن

نحن الوطن!

من بعدنا تبقى الدواب والدمن

نحن الوطن!

إن لم يكن بنا كريماً آمناً

ولم يكن محترماً

ولم يكن حُراً

فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!

عباس:

عباس وراء المتراس

يقظ منتبه حساس

منذ سنين الفتح يلمع سيفه

ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دبه

بلع السارق ضفة

قلب عباس القرطاس

ضرب الأخماس بأسداس

«بقيت ضفة»

لملم عباس ذخيرته والمتراس

ومضى يصقل سيفه

عبر اللص إليه، وحل ببيته

«أصبح ضيفه»

قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه

صرخت زوجة عباس: «أبناؤك قتلى، عباس»

ضيفك راودني، عباس

قم أنقذني يا عباس

عباس اليقظ الحساس منتبه لم يسمع شيئا

«زوجته تغتاب الناس»

صرخت زوجته: عباس، الضيف سيسرق نعجتنا

قلب عباس القرطاس، ضرب الأخماس بأسداس

أرسل برقية تهديد

فلمن تصقل سيفك يا عباس؟؟

«لوقت الشدة»

إذاً اصقل سيفك يا عباس.

عباس شد المخصرة

ودس فيها خنجره

واستعد للجولة المنتظرة

اللص دق بابه

اللص هدّ بابه

وعابه وانتهره

يا ثور أين البقرة؟

عباس دس كفه في المخصرة

واستل منها خنجره

وصاح في شجاعة:

في الغرفة المجاورة

اللص خط حوله دائرة

وأنذره

إياك أن تُجاز هذي الدائرة

علا خوار البقرة

خفت خوار البقرة

خار خوار البقرة

ومضى اللص بعدما قضى لديها وطره

وصوت عباس يدوي خلفه

فلتسقط المؤامرة

فلتسقط المؤامرة

عباس:

والخنجر ما حاجته؟

ينفعنا عند الظروف القاهرة

وغارة اللص؟

قطعت دابره

ألم تشاهدوني وقد غافلته

واجتزتُ خط الدائرة!

 عربي أنا..!:

ويقول الشاعر مفتخرا بالعرب على طريقته الخاصة

عــــربـــي أنــــــا أرثــيــنــي

شقي لي قبراً.. واخفيني

مـلـت مــن جـبني أوردتـي

غـصـت بـالخوف شـراييني

ما عدت كما أمسى أسداً

بـــل فـــأر مـكـسـور الـعـين

أسـلـمت قـيـادي كـخـروفٍ

أفــزعــه نــصــل الـسـكـيـن

ورضـيـت بــأن أبـقى صـفراً

أو تـحـت الـصـفرِ بـعـشرين

ألـعـالـم مـــن حــولـي حــر

من أقصى بيرو إلى الصين

شــارون يـدنـس مـعـتقدي

ويـمرغ فـي الـوحل جبيني

وأمــيـركـا تــدعـمـه جــهــراً

وتــــمـــد الـــنـــار بــبــنـزيـن

وأرانــــــا مـــثـــلُ نــعــامـات

دفـنـت أعـينها فـي الـطّين

وشــهـيـد يــتـلـوهُ شــهـيـد

مـــن يـافـا لأطــراف جـنـين

وبـيـوتٌ تـهـدم فــي صـلـفٍ

والـصمت الـمطبقُ يكويني

يــا عــرب الـخـسة دلـونـي

لــزعــيـمٍ يــأخــذ بـيـمـيـني

فـيـحرر مـسـجدنا الأقـصى

ويـعـيـد الـفـرحة لـسـنيني

 لمن نشكو مآسينا؟

     ولا يجد الانسان المسلم أمام هذا الواقع سوى الفرار إلى الله، فهو ملجأ الضعيف وهادي الحيارى ..

لمن نشكوا مآسينا؟

ومن يُصغي لشكوانا ويُجدينا؟

أنشكو موتنا ذلاً لوالينا؟

وهل موت سيحيينا؟!

قطيع نحنُ.. والجزار راعينا

ومنفيون.. نمشي في أراضينا

ونحملُ نعشنا قسرًا.. بأيدينا

ونعربُ عن تعازينا.. لنا.. فينا!

فوالينا..

أدام الله والينا

رآنا أمة وسطًا

فما أبقى لنا دنيا.. ولا أبقى لنا دينا!

****

ولاةَ الأمر.. ما خنتم.. ولا هنتم

ولا أبديتم اللينا

جزاكم ربنا خيرًا

كفيتم أرضنا بلوى أعادينا

وحققتم أمانينا

وهذي القدس تشكركم

ففي تنديدكم حينا

وفي تهديدكم حينا

سحقتم أنف أمريكا

فلم تنقل سفارتها

ولو نقلت «معاذ الله» لو نقلت

لضيعنا فلسطينا!

ولاة الأمر

هذا النصر يكفيكم ويكفينا

..تهانينا

 بلاد العرب:

   وجميع البلاد العربية في الهوا سوا، فهم شركاء في حياة الذل والهوان سواء في هذا من بشار إلى أبي منشار، مرورا بالطاغية السيسي وصولاً حفتر ...

بعد ألفي سنة تنهض فوق الكتب

نبذه عن وطن مغترب

تاه في ارض الحضارات من المشرق حتى المغرب

باحثا عن دوحة الصدق ولكن عندما كاد يراها حية مدفونة وسط بحار اللهب

قرب جثمان النبي

مات مشنوقا عليها بحبال الكذب

وطن لم يبق من آثاره غير جدار خرب

لم تزل لاصقة فيه بقايا من نفايات الشعارات وروث الخطب

عاش حزب الـ..، يسقط الخا..، عائدو..، والموت للمغتصب

وعلى الهامش سطر

أثر ليس له اسم

إنما كان اسمه يوما بلاد العرب

 أقزام طوال..!:

   وكما أن الواقع العربي متناقض فقد جاءت أشعار مطر تضج بالتناقض ففي قصيدته أقزام طوال يقول:

أيها الناس قفا نضحك على هذا المآل

رأسنا ضاع فلم نحزن..

ولكنا غرقنا في الجدال

عند فقدان النعال!

لا تلوموا

نصف شبر عن صراط الصف مال

فعلى آثاره يلهث أقزام طوال

كلهم في ساعة الشدة.. آباءُ رغال!

لا تلوموه

فما كان فدائياً.. بإحراج الإذاعات

وما باع الخيال.. في دكاكين النضال

هو منذ البدء ألقى نجمة فوق الهلال

ومن الخير استقال

هو إبليس فلا تندهشوا

لو أن إبليس تمادى في الضلال

نحن بالدهشة أولى من سوانا

فدمانا

صبغت راية فرعون

وموسى فلق البحر بأشلاء العيال

ولدى فرعون قد حط الرحال

ثم ألقى الآية الكبرى

يداً بيضاء.. من ذُلِّ السؤالْ!

أفلح السحر

فها نحن بيافا نزرع «القات»

ومن صنعاء نجني البرتقال!

****

أيها الناس

لماذا نهدر الأنفاس في قيلٍ وقال؟

نحن في أوطاننا أسرى على أية حال

يستوي الكبش لدينا والغزال

فبلاد العرب قد كانت وحتى اليوم هذا لا تزال

تحت نير الاحتلال

من حدود المسجد الأقصى.. إلى «البيت الحلال»!

****

لا تنادوا رجلاً فالكل أشباه رجال

وحواةٌ أتقنوا الرقص على شتى الحبال.

ويمينيون.. أصحاب شمال

يتبارون بفن الاحتيال

كلهم سوف يقولون له: بعداً

ولكن.. بعد أن يبرد فينا الانفعال

سيقولون: تعال

وكفى الله «السلاطين» القتال!

إنني لا أعلم الغيب

ولكن.. صدقوني:

ذلك الطربوش.. من ذاك العقال!

مفقودات..!:

ولنستمع إلى الشاعر، وهو يقول:

زار الرئيسُ المؤتمن

بعض ولايات الوطن

وحين زار حينا

قال لنا:

هاتوا شكاواكم بصدقٍ في العلن

ولا تخافوا أحداً..

فقد مضى ذاك الزمن.

فقال صاحبي «حسن»:

يا سيدي

أين الرغيفُ واللبن؟

وأين تأمين السكن؟

وأين توفير المهن؟

وأين من

يُوفر الدواء للفقيرِ دونما ثمن؟

يا سـيدي

لم نر من ذلك شيئاً أبداً.

قال الرئيس في حزن:

أحرق ربي جسدي

أَكُـل هذا حاصل في بلدي؟!

شكراً على صدقك في تنبيهنا يا ولدي

سـوف ترى الخير غداً.

****

وبعد عامٍ زارنا

ومرةً ثانية قال لنا:

هاتوا شكاواكُـم بِصدق في العلن

ولا تخافوا أحداً

فقد مضى ذاك الزمن.

لم يشتك الناسُ!

فقمت معلناً:

أين الرغيف واللبن؟

وأين تأمين السكن؟

وأين توفير المهن؟

وأين من

يوفر الدواء للفقيرِ دونما ثمن؟

معذرة يا سيدي

.. وأيـن صاحبي «حسن»؟!

السكتة القلبية:

   وبين احمد مطر في قصيدته السكتة القلبية جرائم المخابرات العربية التي فاقت جرائم اليهود في فلسطين...من بشار حتى أبي منشار.، ولاتنس حفتر وقيس سعيد..

لي صاحب في الكلية الطبية

تأكد المخبر من ميوله الحزبية

وقام باعتقاله حين رآه مرة

يقرأ عن تكون الخلية

وبعد يوم واحد

افرج عن جثته بحالة أمنية

في رأسه رفسة بندقية

في صدره قبلة بندقية

في ظهره صورة بندقية

لكنني حين سألت عن أمره

حارس الرعية

اخبرني أن وفات صاحبي

قد حدثت بالسكتة القلبية.

  وكتب احمد مطر قصيدة تحت عنوان ( إنحناء السنبلة)، يقول فيها:

أنا مِـن تُرابٍ ومـاءْ

خُـذوا حِـذْرَكُمْ أيُّها السّابلةْ

خُطاكُـم على جُثّتي نازلـهْ

وصَمـتي سَخــاءْ

لأنَّ التُّرابَ صميمُ البقـاءْ

وأنَّ الخُطى زائلـةْ.

ولَكنْ إذا ما حَبَستُمْ بِصَـدري الهَـواءْ

سَـلوا الأرضَ عنْ مبدأ الزّلزلةْ !

**

سَلـوا عنْ جنونـي ضَميرَ الشّتاءْ

أنَا الغَيمَـةُ المُثقَلةْ إذا أجْهَشَتْ بالبُكاءْ

فإنَّ الصّواعقَ في دَمعِها مُرسَلَهْ!

**

أجلً إنّني أنحني

فاشهدوا ذ لّتي الباسِلَةْ

فلا تنحني الشَّمسُ

إلاّ لتبلُغَ قلبَ السماءْ

ولا تنحني السُنبلَةْ

إذا لمْ تَكُن مثقَلَهْ

ولكنّها سـاعَةَ ا لانحنـاءْ

تُواري بُذورَ البَقاءْ

فَتُخفي بِرحْـمِ الثّرى

ثورةً .. مُقْبِلَـهْ!

**

أجَلْ.. إنّني أنحني

تحتَ سَيفِ العَناءْ

ولكِنَّ صَمْتي هوَ الجَلْجَلـةْ

وَذُلُّ انحنائـي هوَ الكِبرياءْ

لأني أُبالِغُ في الانحنـاءْ

لِكَي أزرَعَ القُنبُلَـةْ!

   وكتب شاعر الشعب احمد مطر قصيدة ( عائدون)، يرد فيها على الذين نادوا بالعودة ولكنهم لم يعملوا لها شيئا سوى شرب الخمر وهز البطون والرقص ونشر الفساد والاستبداد..

هرم الناس وكانوا يرضعون،

عندما قال المغني عائدون،

يا فلسطين وما زال المغني يتغنى،

وملايين ا للـحـو ن،

في فضاء الجرح تفنى،

واليتامى من يتامى يولدون،

يا فلسطين وأرباب النضال المدمنون،

ساءهم ما يشهدون،

فمضوا يستنكرون،

ويخوضون ا لنضا لات على هز القنا ني

وعلى هز البطون، عائدون،

ولقد عاد الأسى للمرة الألف،

فلا عدنا ولاهم يحزنون!

    ويسخر الشاعر الثائر أحمد مطر من حكام العرب الذين كدسوا الأسلحة لقتل شعوبهم، فإذا جاء دور السلاح وحانت ساعة الصفر ضد العدو قالوا نتركه لليوم الأسود، وأي يوم أسود أشد عليكم من هذا .

عباس:

  ويأتي دور عباس ليدعو إلى السلمية في زمن الحرب ولا يجرؤ على مجرد الكلام بإنهاء أوسلو رمز الخيانة .

عباس وراء المتراس ،

يقظ منتبه حساس ،

منذ سنين الفتح يلمع سيفه ،

ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دبه ،

بلع السارق ضفة ،

قلب عباس القرطاس ،

ضرب الأخماس بأسداس ،

(بقيت ضفة)

لملم عباس ذخيرته والمتراس ،

ومضى يصقل سيفه ،

عبر اللص إليه، وحل ببيته ، (أصبح ضيفه)

قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه ،

صرخت زوجة عباس: " أبناؤك قتلى، عباس ،

ضيفك راودني، عباس ،

قم أنقذني يا عباس" ،

عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا ،

(زوجته تغتاب الناس)

صرخت زوجته : "عباس، الضيف سيسرق نعجتنا" ،

قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس ،

أرسل برقية تهديد ،

فلمن تصقل سيفك يا عباس" ؟"

( لوقت الشدة)

إذا ، اصقل سيفك يا عباس

   وكتب احمد مطر قصيدة تحت عنوان ( أنا إرهابي ..!) ساخراً من دعاة الديمقراطية التي تصف كل من يجاهد ضد الاحتلال بأنه ارهابي، وتبرئ من يستخدم ضد المدنيين الأسلحة الكيميائية المحرمة من فوسفور وسارين وخردل وغاز الأعصاب:

الغربُ يبكي خيفـةً

إذا صَنعتُ لُعبـةً

مِـن عُلبـةِ الثُقابِ .

وَهْـوَ الّذي يصنـعُ لي

مِـن جَسَـدي مِشنَقَـةً

حِبالُها أعصابـي !

والغَـربُ يرتاعُ إذا

إذعتُ ، يومـاً ، أَنّـهُ

مَـزّقَ لي جلبابـي .

وهـوَ الّذي يهيبُ بي

أنْ أستَحي مِنْ أدبـي وأنْ أُذيـعَ فرحـتي

ومُنتهى إعجابـي ..

إنْ مارسَ اغتصـابي !

والغربُ يلتـاعُ إذا

عَبـدتُ ربّـاً واحِـداً

في هـدأةِ المِحـرابِ .

وَهْـوَ الذي يعجِـنُ لي

مِـنْ شَعَـراتِ ذيلِـهِ

ومِـنْ تُرابِ نَعلِـهِ

ألفـاً مِـنَ الأربابِ

ينصُبُهـمْ فـوقَ ذُرا

مَزابِـلِ الألقابِ

لِكي أكـونَ عَبـدَهُـمْ

وَكَـيْ أؤدّي عِنـدَهُـمْ

شعائرَ الذُبابِ !

وَهْـوَ .. وَهُـمْ

سيَضرِبونني إذا

أعلنتُ عن إضـرابي .

وإنْ ذَكَـرتُ عِنـدَهُـمْ

رائِحـةَ الأزهـارِ والأعشـابِ

سيصلبونني علـى

لائحـةِ الإرهـابِ !

**

رائعـةٌ كُلُّ فعـالِ الغربِ والأذنابِ

أمّـا أنا، فإنّني

مادامَ للحُريّـةِ انتسابي

فكُلُّ ما أفعَلُـهُ

نـوعٌ مِـنَ الإرهـابِ !

**

هُـمْ خَرّبـوا لي عالَمـي

فليحصـدوا ما زَرَعـوا

إنْ أثمَـرَتْ فـوقَ فَمـي

وفي كُريّـاتِ دمـي

عَـولَمـةُ الخَـرابِ

هـا أنَـذا أقولُهـا .

أكتُبُهـا .. أرسُمُهـا ..

أَطبعُهـا على جبينِ الغـرْبِ

بالقُبقـابِ :

نَعَـمْ .. أنا إرهابـي !

زلزَلـةُ الأرضِ لهـا أسبابُها

إنْ تُدرِكوهـا تُدرِكـوا أسبابي .

لـنْ أحمِـلَ الأقـلامَ

بلْ مخالِبـي !

لَنْ أشحَـذَ الأفكـارَ

بـلْ أنيابـي !

وَلـنْ أعـودَ طيّباً

حـتّى أرى

شـريعـةَ الغابِ بِكُلِّ أهلِها

عائـدةً للغابِ .

**

نَعَـمْ .. أنا إرهابـي .

أنصَـحُ كُلّ مُخْبـرٍ

ينبـحُ، بعـدَ اليـومِ، في أعقابـي

أن يرتـدي دَبّـابـةً

لأنّني .. سـوفَ أدقُّ رأسَـهُ

إنْ دَقَّ ، يومـاً، بابـي !

أمس اتصلتُ بالأمل ....

   والشاعر العراقي أحمد مطر كان دائما شديداً ضد الطواغيت، ولاسيما العرب منهم، فهم قوم يعيشون الحياة بلا حياء ولا خجل ..

أمس اتصلتُ بالأمل:

قلتُ له: هل ممكن أن يخرجَ العطرُ لنا من الفسيخ ِوالبصل؟

قال: أجلْ

قلت: وهل يمكن أن تُشعَلَ نارٌ بالبلل؟

قال: بَلى

قلت: وهل من حَنظلٍ يمكنُ تقطيرُ العسلْ؟

قال: نعمْ

قلت: وهل يمكن وضع الأرضِ في جيبِ زحلْ؟

قال: نعمْ.. بلى.. أجلْ فكل شيء محتملْ

قلت: إذنْ حكامنا سيشعرونَ يوما بالخجلْ

قال: تعال ابصق على وجهي إذا هذا حَصَلْ

وأخيراً نرى أن الشاعر العراقي أحمد مطر قد أبدع وابتكر في الأساليب وجدد في الصور والتراكيب حتى أدهش الأذواق والأفهام .

ولقد كتب الدارسون عنه الكتب والأبحاث رغم الحظر والتضييق عليه .

وكان أحمد مطر صداحا يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم...

تحية وتقدير لك وللقلوب الصافية أيها الشاعر المناضل.

مصادر الدراسة:

١_ ديوان أحمد مطر الأعمال الشعرية الكاملة .

٢_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٣_ موقع الجزيرة نت .

٤_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1065