عالم الثقافة الرقمي

يسري الغول

[email protected]

فوجئت ذات مساء برسالة عبر حسابي الفيسبوك من سيدة تعمل في مؤسسة تختص بتكنولوجيا المعلومات، وتهتم تحديداً بإصدار الكتب الرقمية، حيث أبدت رغبتها في تحويل أعمالي الأدبية لتكون رقمية كتطبيق للهواتف وحواسيب الأندرويد وغيرها من الصناعات الإلكترونية الحديثة، فما كان مني إلا أن أرسلت تلك الكتب، فصدر كتابي الأول _ اسم الكتاب _ ، مؤخراً رقمياً إلى جانب كونه كتاباً ورقياً.

ولعل ما دفعني للحديث عن ذلك، هو الشعور بأن الحقبة الحالية تجاوزت الكتاب الورقي مع أهميته، لتصل إلى عالم المكتبة الإلكترونية والرقمية، خصوصاً في ظل توفر الأجهزة الإلكترونية الحديثة بشكل ملفت في قطاع غزة، واستثمارها كأدوات للقراءة والتثقف خصوصاً في ظل أزمات حالت دون الحصول على الكتب الورقية أو قراءتها، كانقطاع التيار الكهربائي المتواصل، حيث حال ذلك بين الكتاب والمتلقي عند المساء، بالإضافة إلى صعوبة إدخال الكتب إلى قطاع غزة؛ وذلك بسبب ارتفاع ثمن الكتب التي تصل إليها وأشياء أخرى.

لقد بات التساؤل عن إمكانية الاستغناء عن الكتاب الورقي في ظل العولمة وتوفر الكتب الإلكترونية وارداً جداً هذه الأيام. فقد سمع الجميع كيف أن اليابان ومؤخراً تركيا قامتا بالاستغناء عن الكتب الورقية في المؤسسات التعليمية وصارت الكتب مدمجة داخل جهاز الآيباد. كذلك في غزة قامت الحكومة بتشكيل الحكومة الإلكترونية المحوسبة؛ للحد من استخدام الورق، ولتسهيل المراسلات والإسراع في تطبيقها، بحيث صارت معظم المعاملات الحكومية إلكترونية. الأمر الذي يؤكد إمكانية الاستغناء عن الكتاب الورقي خصوصاً في ظل الانتقال من الكمبيوتر الديسك توب إلى اللاب توب والآيباد وآيفون ووسائل أخرى سيكون لها تأثير حقيقي على ثقافة وسياسة وعقول المتلقين وغيرهم.

ولا يتوقف السؤال عند الكتاب الرقمي، بل يتجاوز ذلك ليصل بالتخوف من مدى اندماج المجتمع مع الثقافات الأخرى لتصبح مُطعّمة ، في ظل غياب الرقابة وغيرها على الانترنت. وهو مؤشر بأن على الجميع إدراك رسالة الثقافة التي ربما كانت قاصرة يوم أن كانت متصلة بشريحة صغيرة من المجتمع، خاصة بعد أن حوصرت من قبل سلطة ما كما هو الحال في بلادنا العربية،  حيث تم عزلها عن الناس والجماهير إلا وفق ما ترتضيه المؤسسة، ولعل هذا أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت الشباب للتوجه نحو الكتب الإلكترونية والرقمية لكسر هذا الطوق.

وكما كانت الثقافة تعيش أحياناً في قصور عاجية إلا أنه وبعد تطور العلوم وفتح القنوات عبر الشبكة العنكبوتية، جعل الانتشار الثقافي الملون والمتنوع قريباً جداً من التواصل الإنساني، حيث فتح الباب للالتقاء في الزمن الواحد بين الملايين، يؤثرون ويتأثرون بالأدب والثقافة العربية والغربية، القديمة والجديدة، الثائر والمتمترس خلف السلطة، ثم يتناقلون المعلومة والمعرفة والخبر، ليصبح الكتاب الرقمي والمواقع الاجتماعية بوابة مفتوحة للجميع كعالم متكامل.

أختم بأن الانفتاح على الثقافات الأخرى والحضارات المختلفة من خلال الكتب الإلكترونية والرقمية أدى إلى نشوء ثقافة مُهجنة لا تهتم فقط في بيئتها الحالية وإنما تتجاوزها إلى بيئات متعددة.