أدب الطفولة العربي

يعيش الطفل سنواته الثلاث الأولى مستكشفًا لما حوله، محاولًا الحصول على المعرفة ذاتيًّا، تخمينًا أو إبداعًا. ثمّ يبدأ بالاعتماد على أبويه ومربيه، فيحاول أن يعرف عن طريق أسئلته المكرورة عن كلّ ما يحيط به، ويراه، ولكن ليس تعرّفًا ذاتيًّا، بل نتيجة المنظومة التربوية التي تحكم المجتمع البطريركي إذ يبدأ بالاعتياد على العيش وسط علاقاته، والإذعان لقيمه، والقبول بوصاية الأكبر على حياته منذ سن الثالثة تقريبًا؛ وفي غالبية أجوبة الكبار ما يكرّس لدى الطفل القيم الاتكالية والاستكانة والقبول، وفي البعض منها ما يعيده لعناية البحث والاستكشاف وتوجيه تفكيره للخروج عن المألوف سعيًّا على دروب الخلق والابتكار.

إن هدف أدب الطفولة الموجّه للأطفال بحسب سنيّ عمرهم، بصفته أحد ميادين التربية والتعليم والتثقيف والترفيه، هو توجيه الطفل وترسيخ ميوله الأصيلة بشخصيته نحو الابتكار والتقصّي، وذلك بدفعه لتنمية التفكيرالإبداعي لديه من خلال تطوير لغة العصر التواصلية المتعلقة بالنطق والنظر والسمع والعقل الباطن والحركة، التي تتيح فرصًا لإسهام الطفل بحلّ مشاكله لوحده، بتحريض عواطفه، وتحفيزه لمعرفة غرائزه وجسده، وتنمية ملكة الخيال لديه، حتّى يلج عملية التجريب والمغامرة التي تشكّل أرضيّة مناسبة لبناء ذاته الفاعلة.

أول قصص خاصة بالأطفال كانت في كتاب حكايات أمي الإوزة لـ تشارلز بيرو (1628- 1703) الذي صدر في فرنسا عام 1697، وطورت رواية روبنسون كروزو للكاتب دانيال ديفو (1660 – 1731) ورواية رحلات جلفر لجوناثان سويفت (1667 – 1745) وجاء بعد ذلك الألمانيان الأخوان جريم، ثم كان ظهور كتاب أليس في بلاد العجائب عام 1846، وفي العصر الرومانسي لمع اسم هانس كريستيان أندرسن (1805 – 1873) الذي ترجمت أقاصيصه إلى جميع لغات العالم.

تأخّر شيوع أدب الأطفال في البلدان العربية، مع تأخّر بداية عصر اليقظة العربية نسبة إلى عصر النهضة الأوروبي، إلى أن بدأ في لبنان، فكانت محاولات ناصيف اليازجي (1800 – 1871) وأحمد فارس الشدياق (1805 – 1887) ثم في مصر إثر البعثات التي أرسلها محمد علي إلى أوروبا، ولعلّ رفاعة الطهطاوي الذي ترجم قصص تشارلز بيرو للأطفال عن الفرنسيّة، وعمّم قراءتها في المدارس من موقع مسؤوليته في الحكومة، أن يكون أول من طرق أبواب أدب الطفولة العربي، ثمّ اضطرب هذا الأدب حتّى جاء أحمد شوقي وأصدر مجموعة حكايات للأطفال بأسلوب لافونتين عام 1898م[1]، بعده كتب محمد الهراوي سمير للأطفال، إلى أن جاء كامل الكيلاني الذي عدّ رائد أدب الأطفال العربيّ الحديث بإنتاجه الغزير فتمكّن من موقَعَة أدبه وقصصه ضمن الآداب العالميّة للأطفال، إذ تمّ ترجمة كتبه لعشرات اللغات الأجنبيّة[2]، كما برز اسم الكاتب يعقوب الشاروني (1931 -     ) المتخصّص بأدب الأطفال، إذ كتب أول قصة منذ عام 1959، وبلغ مجموع كتبه أكثر من أربعمائة كتاب للأطفال، ترجم كثير منها إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والماليزية والألمانية والمجرية، وحاز الشاروني على عشرات الجوائز المصرية والعربية والعالمية كان آخرها جائزة أفضل كتاب على المستوى العالمي من المجلس العالمي لكتب الأطفال بسويسرا عام 2016 عن روايته (ليلة النار)، إضافة إلى مشاركته بعشرات لجان التحكيم الأدبيّة، كما كتبت دراسات كثيرة حول أدبه، ومنها رسائل جامعيّة.

انتشر أدب الطفولة في العالم العربي في أواخر ستينيات القرن العشرين، ففي العراق أنشئت مكتبات خاصّة للأطفال، وصدر عدة مجلات منها: مجلتي ومزمار، وفي الكويت مع مجلة سعد عام 1969، وفي الأردن بدأ أدب الأطفال عام 1979 مع صدور مجلة سامر عامر، ثم في البحرين والسعودية التي ظهر فيها مجلة الجيل الجديد، والشبل عن دار عكاظ، إضافة إلى انتشار أدب الأطفال في ذات الفترة في المغرب العربي والجزائر وتونس، وفي السودان وليبيا[3]. كما كان للسوريين نصيب من هذا الانتشار، فنشطت حركة التأليف للأطفال فكتب عادل أبو شنب وسليم بركات وسليمان العيسى الذي أصدر ديوان الأطفال[4] إلى جانب زكريا تامر.

 ولعلّ توضيح المفارقة الجماليّة بين المحبة والكراهية، الخير والشرّ، الحرية والقهر، العدالة والظلم، والجمال والبشاعة، فرض اختيار موضوعات انسجمت مع تطلعات كتّاب أدب الطفولة العربي بهدف الانتصار لمعاني الخير مستلهمين القيم والمعاني من الديانات السماوية، لا سيما القرآن الكريم، موظفّين الفولوكلور والحكايات الشعبيّة الموروثة، كسيرة عنترة، وذات الهمة، والملك الظاهر بيبرس، وسيف بن ذي يزن، وعلي الزيبق، وشهرزاد، والسندباد... حتّى غدت "مصدرًا جيدًا من مصادر ثقافة الطفل، لا تقلّ أهمية ـ إن لم تكن تتفوّق ـ على هؤلاء الأبطال المعاصرين، الذين يتفوّقون بالحاسوب وغيره من الأدوات العصرية"[5] وفقًا لوجهة نظر الكاتب، وقد كانت ألف ليلة وليلة قد نشرت منذ عام 1704 على يد المستشرق جالان باللغة الفرنسية، ثم ترجمتها دار بولاق عام 1837 وأصدرتها بطبعتها المطبوعة، وظلّت منهلًا عظيمًا لكتاب قصص الأطفال إذ أخذ منها كتاب القصة الكثير ولايزال كثيرٌ منهم يأخذون منها.

عرّف سمر الفيصل قصة الأطفال بأنّها: "جنس أدبي نثري قصصي موجّه إلى الطفل، ملائم لعالمه، يضم حكاية شائقة ليس لها موضوع محدّد أو طول معين، شخصياتها واضحة الأفعال، ولغتها مستمدة من معجم الطفل، تطرح قيمة ضمنية، وتعبّر عن مغزىً ذي أساس تربوي مستمد من علم نفس الطفل"[6] والحقّ أنّه لا يكفي من الكبار أن يستذكروا طفولتهم حتى يكتبوا للأطفال بل عليهم أن يعيشوا في طفولة الجيل الذي يتلقى النصّ في زمن القراءة، عليهم ان يدركوا المتغيرات التي تطرأ على المجتمع وعلى الفرد، لا سيما التغيرات التي تطرأ على الطفولة في أثناء فترة نموّه.

وعلى الرغم من عدم الاتفاق على تعريف مفهوم أدب الطفل إلّا أن كتّاب قصص الطفولة انطلقوا باختيارهم الحكايات المرويّة شفهيًّا والمستمدة من البيئة التي يعيشها الأطفال، وبلغة محبّبة وقريبة من اللغة التي ولد الطفل في حضنها، لإكسابه مهارات عقلية متعددة لتعينه على بناء شخصيته، وقد كثر إنتاج أدب الأطفال وتنوعت موضوعاته فمنها الاجتماعية والتاريخية والسياسية والعلمية، وذلك بهدف ترسيخ معاني البطولة والمغامرة والفكاهة والخيال العلمي.

[1] - أحمد شوقي، مقدمة الشوقيات (دار الكاتب العربي: القاهرة) ص11

[2] - هيفاء شرايحة، أدب الأطفال ومكتباتهم (المطبعة الوطنية: عمان، ط2،) ص29

[3] - علي عبد الله خليفة، كتابات (دار الغد: البحرين، 1976) ص173

[4] - سليمان العيسى، ديوان غنوا يا أطفال (دار العودة: بيروت، 1978) ص4- 5

[5] - محمد قرانيا، قصائد الأطفال في سورية (اتحاد الكتاب العرب: دمشق، 2003) ص 96 وما بعد.

[6] - سمر روحي الفيصل، الشكل الفني لقصة الطفل في سورية (مجلة الموقف الأدبي: دمشق، 1988، عدد 208 ـ 209 ـ 210) ص102

وسوم: العدد 745