ولدي الحبيب أنس

علي صدر الدين البيانوني

بسم الله الرحمن الرحيم

ولدي الحبيب أنس، حفظه الله ورعاه، وأدام توفيقه في دينه ودنياه،آمين، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وبعد،

فإني أكتب إليك كلماتي هذه، من داخل زنزانتي الانفرادية الضيقة، بعد أن مضى عليّ فيها أكثر من عشرة أشهر، إذ قضت إرادة الله جلت حكمته، أن يُبتلى أبوك في دينه، ويمتحَن في إيمانه، وإن لم يكن أهلاً للمرتبة التي اختاره الله لها، ولكنه فضل الله ورحمته، وجوده وكرمه، وعفوه ومغفرته، اختارنا لمحبته وأعاننا على الصبر على بلائه، وثبّتنا على دعوته، نسأله عز وجل أن يتم علينا نعمته، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، ويفرّج عنا ما نحن فيه، إنه أكرم مسئول...

ولدي قرة العين، أكتب إليك هذه الكلمات على الرغم من ظروفنا الصعبة، حيث يحصون علينا حركاتنا وأنفاسنا، ويعاملوننا أسوأ معاملة، ويضايقوننا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وما نقموا منا إلا أن آمنا بالله ربنا، وامتثلنا أمره والتزمنا طريق دعوته... وأمَلي فيك كبير، أن تجد هذه الكلمات سبيلها إلى قلبك الطاهر، فتقدّرها حق قدرها وتعيَ معانيَها وعياً يناسب الظروف الصعبة التي كُتبت فيها، فما عهدتك يا أنس، إلا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..

أي بنيّ، أوصيك بتقوى الله عز وجل، في سرّك والعلن، فهي الكنز الذي يغنيك، والدرع الذي يحميك، وهي سعادتك في الدنيا، ونجاتك في الآخرة. وأعدّ نفسك لتكون جندياً من جنود الدعوة إلى الله ودينه القويم، مجاهداً في سبيله لإعلاء كلمته، ولن تكون كذلك إلا إذا التزمت بالإسلام فكراً وسلوكاً، ووعيت ما يخطط لهذا الدين من كيد الكائدين، وعرفت مكانك ودورك، وأنك على ثغرة من ثغر الإسلام، وحذرت أن يؤتى الإسلامُ من قِبَلك...

أي بنيّ، إياك أن تتهاون في دراستك، أو ترضى لنفسك فيها بمرتبة أقل مما يليق بك... وابتغ في دراستك وجه الله، واقصد فيها خدمة دعوته، فإنك إن فعلت ذلك، كنت في طاعة الله، ونلت رضاه، ولن يفوتك ما يسعى إليه غيرك من حطام الدنيا... وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا!.. وما أحراك يا أنس، أن تنكبّ على دروسك، خلال هذه الأشهر الأربعة المتبقية للامتحان، فتراجعَ ما تلقيت من الدروس، وتستوضح عما غمض عليك منها، وتبذل ما وسعك من جهد، لتكون من أوائل الناجحين، وأنت تعلم قبل غيرك، أن نجاحك بمجموع ضعيف لن تفيد منه شيئاً... والسعيد من اتعظ بغيره... واعلم أنك إن بذلت جهدك منذ الآن، وانصرفت إلى الدراسة، مستفيداً من جميع ساعات نشاطك، دون أن تضيع شيئاً من وقتك الثمين، فلسوف تقطف ثمار جهدك، وتغتبط بنتيجة امتحانك، وتنسى تعبك، وتكون محل فخر أقرانك وأحبابك... أما إذا تواكلت وأهملت، ولم تستفد من كل ساعات وقتك المتبقي لديك، فلسوف تندم حين لا ينفع الندم، وإني لأربأ بك أن تكون من النادمين...

أي بنيّ: كنت مطمئناً، عندما دخلت السجن، أني تركت في الأسرة شاباً واعياً، أصبح في عداد الرجال، وأنك ستُثبتُ في هذه المحنة أنك جديرٌ بحسن الظن بك، فتقوم بواجبك - وقد أصبحتَ ربّ البيت - خير قيام، فلا تخيّب أملي فيك، وكن عوناً لأمك، باراً بها، عطوفاً على إخوتك، عوّضهم عن حنان الأب بحنانك، ساعدهم على اجتياز هذه المحنة بسلام، واعلم أن هذه المحنة، إنما هي امتحان لك، فبرهن من خلالها أنك رجل تستحق الاحترام، وكن قرة عين لوالديك وأحبابك، وقدوة حسنة لإخوتك، وما أحسبك تكون غير ذلك يا أنس..

أي بنيّ، لقد خصصتك بهذه الرسالة لمكانتك في قلبي، فأنت ولدي الحبيب الذي أكنّى به، أنت قطعة مني عزيزة علي، فاعرف قدرك، ولا تخيّب أملي فيك، كن موضعَ تقديري وتقدير أمك وإخوتك، لتنال محبة الله ورضاه، وتسعدَ في الدنيا والآخرة. وإلى لقاء قريب، أيها الحبيب، ولا تنسني من دعواتك يا أبا البشر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يوم الجمعة 21 محرم الحرام 1396                                                    

الموافق 23 كانون الثاني 1976                                  والدك الممتحن: أبو أنس

وسوم: العدد 769