رسلة إلى الأديب فاضل السباعي

أخي الأستاذ فاضل السباعي، حياك الله وبياك أينما كنت

وسلام الله عليك، فقد لقيتك أول مرة في دمشق، ولم يكن قد مضى على مذبحة القرن في حلب غير مدة قليلة، وكنا ،  أنا وصحبي المتوجهين من باريس إلى الحج برا، من طريقنا من باب الهوا إلى دمشق، مدعوين إلى أن نمر بحلب، أو  قريبا من حلب.. ولكننا وجدنا حلب مسوّرة لا يدخلها أحد من المارين.. لم يكونوا يريدون أن يرى الناس ما صنعوه بحلب الشهباء.. آثار الرصاص على بعض الجدران لا يخفى.. وما خفي أعظم..

كانت رحلتنا تلك إلى الحج في شهر أيلول/سبتمبر 1984..

تابعنا طريقنا إلى دمشق.. كنا نمتطي سيارة ألمانية الصنع، تحمل تسعة أشخاص، من المغرب والجزائر وتونس.. انطلقنا من باريس.. كنت أقود السيارة ليلا ليخلفني صاحبها مصطفى نهارا.. عندما وصلنا دمشق نزلنا عند أبي خلدون الحلواني.. وهو الذي رفعت إليه قصيدتي: (من مكابدات أبي خلدون الدمشقي).. وأثناء تجوالنا في أسواق دمشق وقفنا عند تاجر، وراقني حديثه، فأردته على أن يحدثني عن أحوال البلد.. هنا صمت.. حاولت استدراجه مرة أخرى للحديث، فأنشدني بيتين مشهورين، ولم أكن سمعتهما من قبل حتى أنشدنيهما:

قالت الضفدع قولا          قد وعته الحكمـــاء:

في فمي ماء، وهل ينـــــــــــــــــــــــــــــطق من في فيه مـــــــــــــاءُ

وكان هذان البيتان من البلاغة بحيث أغنيا عن كل سؤال.. وقد عجبت لهذا التاجر الدمشقي، كيف يكون بهذا الثقافة، لا لأنه يحفظ الشعر فقط، ولكن لأنه يستشهد به في الوقت المناسب، وفي الحال المناسبة..  وقلت:  إن كان الشعب السوري كله بهذه الدرجة من الفهم فلا خوف عليه..

وبعدها حملت الهاتف، واتصلت بك، يا أخي العزيز، وكنت أخذت رقمك من عند أخيك نادر.. كان اللقاء عفويا ووديا، وكأننا كنا على معرفة منذ مدة طويلة..   لحظات غنية.. بالحب. .وبالأدب.. وبهموم سوريا، وهموم الأمة كلها..  وفي بيتك وجدت الشاعر نهاد رضا.. شاعر لم أكن سمعت به من قبل.. ولكنه كان قد طبع عدة دواوين، أهدانيها آنذاك.. وفهمت من ذلك أنك أخبرته بزيارتنا، فجاء مستعدا لهذا اللقاء.. ووجدته شاعرا رقيقا ومتميزا..  أين عساه يكون الآن؟ انقطعت أحباره، كما انقطعت أخبار كثير من الأصدقاء الأدباء، من أهل الشام.. نادر السباعي.. مصطفى النجار.. محمد  جبر.. وغيرهم.. وكلهم كانت لهم مشاركات معنا في مجلة "المشكاة".. وكان نادر السباعي قد نشر منذ العدد الأول قصة: "خيوط النور"، وقد ضمنّا بهذا الحضور، من سوريا والعراق ومصر، العمق العربي للمشكاة منذ عددها الأول..

وقد زودتني أنت، أنا ببيتك، ببعض من الإنتاج الأدبي، ومن قصاصات الصحف التي توثق لبعض أنشطتك، وكذلك ببعض إنتاجك الأدبي، ومنه قصة مترجمة عن الصينية عنوانها: "قاطفة الأزهار"، نشرناها في العدد الثاني..

زرتُ بعد ذلك سوريا في أكثر من مناسبة.. رسمية وغير رسمية.. وتعرفت في اتحاد الكتاب العرب على بعض الأدباء.. ولا كالأدباء السوريين الذي عرفتهم من قبل، في سوريا وفي المنفى..

وكانت قد انعقدت صداقة بيني وبين الأديب علي عقلة عرسان، رئيس الاتحاد، في بعض المؤتمرات خارج سوريا.. وعندما أهديته ديوانيّ " الزمان الجديد" و"القصائد السبع"،  نسيت أنه يمثل مؤسسة رسمية، وأن بالديوانين قصائد  تصور مأساة الشعب السوري في حلب، وفي غير حلب، وأن بعضها مهدى إلى أدباء ومناضلين من سوريا، من المغضوب عليهم من النظام.. من بين تلك القصائد قصيدة: "الأسوار" التي أهديتها إلى الأستاذ عبد الله الطنطاوي، وكان ممن تعرض للاعتقال زمنا، وقصيدة أخرى مهداة إلى: "بنان العطار"، التي استشهدت على يد المخابرات السورية في بيتها بآخن، بألمانيا. ولذلك سكت الأستاذ عرسان، ولم يشر إليهما من بعد في لقاءاتنا، لا من قريب ولا من بعيد.

أين انت يا صديقي الفاضال فاضل؟ قرأت في بعض المواقع أنك اخترت الهجرة إلى أمريكا..  لابأس، فقد يغير المرء موقعه دون أن يغير موقفه.. وقد كان موقفك دائما مع المستضعفين..

فسلام عليك

وسوم: العدد 791