حتى لو تحت الأنقاض ؛ تركيا دولة متميزة ورائعة الأوصاف

دقائق معدودة على وقوع زلزال ولاية إيلازيغ شرقي تركيا مساء أمس الجمعة، حتى تحركت على الفور وبسرعة قياسية كافة مؤسسات الدولة، السياسية والإعلامية والإغاثية والأمنية، وحتى تلك الشعبية منها.

وقع الزلزال القوي الذي شعر به سكان العديد من المناطق السورية والعراقية واللبنانية والفلسطينية، متخذا من ولاية إيلازيغ مركزا له، حيث وقعت الأضرار الأكبر بسببه، فقتل العشرات وجرح المئات، وتدمرت بعض المباني.

أمام هذا المشهد المربك، لم ترتبك تركيا الدولة بكافة مؤسساتها، فعلى الفور بدأ رأس الدولة بقيادة غرفة عمليات الطوارئ، أي الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أوعز لعدد من الوزراء بالتوجه فورا لمنطقة الزلزال، وهذا ما حصل فعلا خلال سويعات قليلة، إلى جانب توجه عدد من ولاة الولايات الأخرى ورؤساء بلديات تركية مختلفة.

وبعد الوزراء، قطع أردوغان جدول أعماله المقرر اليوم، وتوجه إلى منطقة الزلزال، حيث تفقد الأضرار وجال بين الركام، وشارك الأهالي صلوات الجنازة وتشييع الضحايا، حاملا النعوش بنفسه، إلى جانب تفقده الجرحى في المستشفيات، وقطع وعد هناك، أن الدولة ستبني كل ما هدم بسرعة وبأسلوب عصري.

رئيس الشؤون الدينية البروفيسور على أرباش أيضا قطع أعماله وتوجه بعمامته إلى منطقة الزلزال ليقف إلى جانب الأهالي، فاتحا المساجد لاستقبال من يريد أن يبيت في المسجد، وكذلك العديد من قادة المعارضة حضروا إلى المنطقة مقدمين الدعم للأهالي والمنكوبين.

ليس هكذا فقط، بل وعلى الفور استنفرت كافة المؤسسات الإغاثية والطبية وتلك المعنية بحالات الطوارئ، ليتوجه إلى منطقة الزلزال ليس فقط عناصرها، بل رؤساؤها أيضا، وتبدأ عمليات إنقاذ جبارة وسريعة بأساليب متطورة، استطاعت – بفضل الله – إنقاذ العشرات من الجرحى الذين كانوا تحت الركام.

الصورة لم تكتمل بعد، فلا بد من قسم هام لتكتمل صورة تركيا الدولة، هو الشعب التركي الذي هب ليلة أمس هبة مميزة فاجأت الكثيرين، وأعادت لذاكرتنا هبته يوم صد بصدور عارية دبابات وطائرات ورصاص الانقلابيين الخونة مساء 15 تموز/يوليو 2016.

فهبة الأمس كان على قلب رجل واحد، لم يفرق فيها الشعب بين منطقة تركية أو كردية أو عربية، لنرى مشهد زحمة سير السيارات المدنية المحملة بالطعام والبطانيات والمياه والفرشات متجهة من ولاية ديار بكر إلى منطقة الزلزال، والمشهد نفسه تكرر من ولايات أخرى، كإسطنبول التي أرسلت بلديتها الكبرى سيارات المساعدات والإغاثة.

وكذا الإعلام استطاع أن يتعامل مع الحدث الجلل بموضوعية وإنسانية وأخلاق مهنية، فلم ينشر الصور المزيفة ولم ينشر الأخبار المرعبة غير الموثقة، ولم يهرول خلف “سكوب” هنا أو هناك على حساب جراح الناس وآلامهم، فكانت تغطية الإعلام مميزة ومهنية.

حتى شركات الاتصالات العاملة في تركيا، لم تقف صامتة تتفرج على الأهالي المنكوبين، بل أعلنت شركات الاتصال الثلاثة أنها ستقدم لسكان منطقة الزلزال اتصالات صوتية مجانية وباقات مجانية من الانترنت لحين انقضاء هذه المعضلة، وكذا فعلت الخطوط الجوية التركية التي زادت على الفور عدد رحلاتها الجوية إلى ولاية إيلازيغ، بل وقامت أيضا بتثبيت سعر التذكرة لتصبح ذات تكلفة رمزية فقط لا غير، وذلك ليتمكن الأهالي في الولايات الأخرى من التوجه إلى ذوييهم المنكوبين على الفور.

لقد أثبتت تركيا مجددا لنفسها وللعالم، لمحبيها وللحاقدين عليها، أنها دولة حقيقية قادرة على التحرك بسرعة عاجلة ممزوجة بالهدوء والوعي عند حدوث أي خطب.. هي دولة بمسؤوليها الذين يدركون قيمة المواطن الإنسان، دون أن يتاجروا به بانتخابات هنا أو مصلحة هناك.

هي دولة بمسؤوليها الذين يدركون حقيقة معنى المسؤولية، أنها عمل وخدمة، لا بهورات وتجارة واستعباد للعباد.

أثبتت تركيا أنها دولة تمتلك شعبا موحدا يهب هبة واحدة ليساعد بعضه بعضا وليصد بيد واحدة محاولات الآخرين بالاعتداء عليه بأدوات انقلابية داخلية أو عدوانية خارجية.

من لم يفقه بعد حقيقة تركيا، عليه أن يدرك جيدا أنه أمام دولة لا شخص، أمام كيان متين لا حزب وحيد، أمام جبهة صلبة لا فرقة وتنازع… فكما ترون تركيا قوية وقت الرخاء، هي كذلك أيضا حتى لو كانت تحت الأنقاض.

وسوم: العدد 861