من العالم المحقِّق الثبت د. محمد أحمد الدالي إلى تلميذه أيمن بن أحمد ذو الغنى

أيمن بن أحمد ذو الغنى

من العالم المحقِّق الثبت د. محمد أحمد الدالي

إلى تلميذه أيمن بن أحمد ذو الغنى

أيمن بن أحمد ذو الغنى

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

هذه رسالةٌ مضى عليها اثنتان وعشرون سنةً كاملة!

وإني لأعتزُّ بها وبصاحبها أستاذنا العلامة الحجَّة والمحقِّق الثبت د. محمد أحمد الدالي، أيَّ اعتزاز.  وهو من عيون أساتذتنا وجِلَّة شيوخ العربيَّة المفيدين الذين شرُفنا بالتلمذة لهم والأخذ عنهم في جامعة دمشق وخارج الجامعة.

وهي دليل بيِّن على رفعة خُلقه، وما ينبغي أن يكونَ عليه المعلِّم مع طلابه؛ من حُنوٍّ ونُصح، وتبصرة بالسبيل المستقيم لتحصيل العلم الحقِّ والفهم القويم.. مع ما فيها من وفاء لشيخه علامة العربيَّة في الدنيا أحمد راتب النفَّاخ.

وقد رأيت أن أنشرَ هذه الرسالةَ لما حوته من صادق النصح وجليل المعاني؛ رجاء أن ينتفعَ بما فيها طالبٌ يتلمَّس الجادَّة اللاحبة الموصلة إلى الغاية.

بارك الله في عمُر أستاذنا الدالي وهمَّته، ولازالت يده أبدًا مبذولةً بالنفع والإفادة... 

نصُّ الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تلميذيَّ الكريمين الأخوَين أيمن وحيدر([1])

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فقد قرأتُ رسالتكما الكريمة، وإنْ هي إلا أثرٌ من آثار الوفاء وكرم الخُلق، وأنتما عند حُسن الظنِّ بكما، بارك الله فيكما وكثَّر من أمثالكما.

ولي في جامعة دمشق - أبقاها الله موئلًا للعلم وأهله - إخوةٌ كرامٌ من الطلَّاب أعتزُّ بهم. ولو أُتيحَ لي أن أبذلَ لهم أكثرَ ممَّا بذلت لفعَلت، ولو أُتيحَ لهم أن يتفرَّغوا للدراسة على وجه مَرضيٍّ لاستطاعوا أن يحصِّلوا غيرَ ما حصَّلوا وفوق ما حصَّلوا أضعافًا مضاعفة. وتحقيق ذلك محكومٌ بأشياءَ منها ما لا يدَ لنا فيه.

إن الإجازة التي ينالها الطالبُ في علم من العلوم ليست تعني إلا أنه نجحَ في امتحانات الموادِّ المقرَّرة؛ وليست تعني البتَّةَ أنه عرَفَ وفهم وحقَّق. وأنَّى له بذلك والحالُ هي الحال؟!

فإن رغبَ فيما يدرُس وجدَّ فيه كان ذلك مما ييسِّر السبيلَ له، فإن أُتيحَ له من يأخذُ بيده - وقليلٌ ما هم - بلغَ به ذلك ما يؤمَّل منه، واتصل ما بين الأجيال واستقام أمرُه.

وقد كان شيخنا وأستاذنا العلَّامة أحمد راتب النفَّاخ - رحمه الله وطيَّب ثراه وأجزل مثوبته - مَفخَرةَ الشام وعينَ علمائها، بذل علمَه لطلابه أيَّ بذل، وكان العلَّامةَ العارف الثقة الإمام. فمن تلقَّى عنه وقد رغب في العلم اختصرَ له الأستاذُ علمَ نصف قرن، فإن جدَّ ودرس وحصَّل أمَّهات المصادر كان أهلًا لأن يكونَ من تلامذة الأستاذ الإمام. وأول ما تتعلَّمه منه - رحمه الله - أخلاقُ العلماء، ويدلُّك على مفاتيح العلوم. وأنَّى لك بمثله، ولا يُذكَر أكثر من تعرف و من لا تعرف معه

ألم ترَ أنَّ السيفَ حقًّا يَشينُه   =   إذا قيلَ: هذا السيفُ خيرٌ أم العَصا؟

ينبغي أن تكونَ عندك مصادرُ العلم الذي ترغبُ فيه أو أن تكونَ بين يديك، واقرأ الموضوعَ الواحد من موضوعات العلم في غير مصدرٍ من المصادر قراءةَ فهم وتدبُّر تعرِفْ ما بين هذه المصادر من اتِّفاق وافتراق، وينتهِ بك ذلك إلى نظرةٍ ناقدة فيها. والسبيلُ إلى ذلك شاقَّة بلا ريب.

وإن كان لكم سؤالٌ أيُّ سؤال فاكتبوا إليَّ فإني مجيبكم عمَّا أعلم إن شاء الله.

جامعة دمشق خيرُ جامعة، وطلابها خيرُ طلاب، حقًّا لا يُماري فيه مُمارٍ.

على أن بين ما نحن فيه وما نحبُّ بَونًا بعيدًا بعيدًا.

وطلاب الجامعة هنا جامعة قطر مهذَّبون، منهم راغبٌ في العلم، وهم مُعجَبون بطريقة التدريس التي أتبعها، متعلِّقون بي. على أنهم لم يُعَدُّوا الإعدادَ الكافيَ لِتلقِّّي العلم في الجامعة. وإذا كان ما يحصِّله الطالب عندنا في سورية في العربيَّة هزيلًا ليس بشيء، فما ظنُّك بغيره؟!

يضيع وقتٌ كثير مأسوفٌ عليه لا يدَ لي فيه. وأعمل فيما يُتاح لي من وقت فيما كنت أخذتُ فيه من كتبٍ أحقِّقها، أعان الله على إتمامها، ومن مقالاتٍ في بعض قضايا اللغة والنحو ومقالات نقدية وغير ذلك. ولي مجموعةٌ من المقالات ستُنشَر في أعداد مجلَّة المجمَع القادمة.

أسأل الله تعالى أن تكونَ والأخ حيدر في أحسن حال، وأن يوفِّقكما إلى ما فيه الخير. ولكما ولجميع من ذكرتُما ومن لم تذكر أطيبُ التحيَّة والسلام وكلُّ عام وأنتم بخير.

             وكتب

الدكتور محمد أحمد الدالي

الدوحة 7 آذار 1993م

        14 رمضان 1413هـ

صورة الرسالة بخطِّ د. محمد الدالي:

 

مع أساتذتنا في كلية الآداب بجامعة دمشق

من اليمين: ضياء الدين القالش، أستاذنا العالم اللغوي د. محمد حسان الطيان،

أيمن بن أحمد ذوالغنى، د. أيمن الشوا، أستاذنا الكبير النحوي المربي عاصم بن محمد بهجة البَيطار، هاشم الشاطر، أستاذنا الكبير العالم اللغوي محمد علي حمد الله، أستاذنا العالم النحوي المحقق الثبت د. محمد أحمد الدالي، محمد بونجة، خليل عبد الله.

المكان: مدرج شفيق جبري بكلية الآداب جامعة دمشق.

الزمان: عام 2000م

               

([1]) كنت كتبت وزميلي البصير حيدر راجح وفقه الله رسالةً مشتركة إلى أستاذنا د. محمد الدالي، بعد أن غادرَنا إلى الدوحة ليدرِّس في جامعة قطر، نبثُّه فيها شوقنا إليه، وتقديرنا لجهده في تعليمنا في أولى سني دراستنا الجامعيَّة، ونتحسَّس أخباره في الغربة... ولم يُبطئ في الردِّ فكانت هذه الرسالة.