كأنْ لـم يعشْ

إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا لانقول إلا مايرضي ربَّنا ، وإنا على فراقك ــ عمِّي ــ يا أباحسان لمحزونون ... مات وكأنْ لم يعش ، وكان ــ يرحمه الله ــ ملءَ حياتنا ، رعاية ومودة وحماية ، ولقد فَقَد وفقدنا معه خلال هذه الفترة القصيرة  أحد أولاده وكان طبيبا ، ومات في الغربة ، وفقد الثاني شهيدا ــ إن شاء الله ــ دفاعا عن كرامة بلده ودينه ، وفقد ابنته يوم نبأ استشهاد أخيها ــ يرحمهم الله جميعا ــ ونسأل الله تبارك وتعالى أن  يجمع شملنا جميعا في جنات الخلود بعفوه ورحمته .

ولقد مات غريبا بعيدا عن بلدته وبيته وما فيه ... عصر يوم السبت الموافق 30/2/1442هـ ، وتم دفنه بعد صلاة العشاء من نفس اليوم ، وقد صلى عليه جمع غفير من المسلمين  ، وحزنوا على فراقه ، لمكانته الاجتماعية وكرمه وحُسن استقباله للضيوف ، فقد كان بيته قلما يخلو منهم . زوجته وبقية أولاده عاشوا لحظات الوفاة وعيونهم دامعة ، وأفئدتهم حزينة ، ولكنهم ــ ولله الحمد ــ هم أهل الإيمان بالله ، وهم أهل الصبر على مامرَّ بهم من خطوب ، أجل مات عميد الأسرة الكبيرة : ( خضر بن حسين الأحمد الراوي ) غاب وكأنه لم يعش ، ونسأل الله له أهلا خيرا من أهله ودارا خيرا من داره ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

 ألا إنها ساعة الموت  التي يقف عندها الإنسان مستسلما لقضاء الله سبحانه وتعالى ، يعيش ساعتها مَن يحضرها رهبةَ الموت ، وقسوة الفراق إلى يوم البعث ، حيث ينتقل هذا الذي كان ملْء العين ، وملء البيت ، وربما كان ملء حيِّه أو مدينته أو وطنه الكبير ... ولكنه غادر ، وتلك سُنَّة الله في خلقه : ( كل مَن عليها فان ) . كما جاء في كتاب الله الكريم . وإنها بداية الانتقال من دار إلى دار ، ومن حال إلى حال ، والأموات من ورائهم برزخ هم فيه إلى يوم النشور , ( والبرزخ في اللغة هو الحاجز بين شيئين, حيث أن البرزخ هو الفترة التي تمر على كل ميت ، وهي الفترة ما بين الموت والدار الآخرة ) وفي عالم البرزخ  فتنة القبر وهي سؤال المَلَكَين ، ثم إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار  . لابد من الموت ، أجل لابد من الموت ، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) ، ولا مفر  من الموت : (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) . ويقول عزَّ وجلَّ : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )، وليس لمخلوق أن يدفع الموت عن نفسه ، أو عن أحد من المخلوقين ، أو أن يفتديه بأموال الدنيا كلهـا ، يقول سبحانه : ( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) . والقرآن الكريم حافل بآيات الموت ، وما بعد الموت ، والسعيد مَن نُودي عند الموت : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) .

هكذا نعزي أنفسنا وأسرتنا بفقيدها الكريم ، ومن هذا المقام نعزي مَن مات من أهل وأرحام وجيران ، بل نعزي كل مَن وافته منيته في هذه الحقبة الأليمة التي فُجِع فيها الكثير ... الكثير من الناس ، ونسأل الله لفقيدنا ولجميع أموات المسلمين رحمة الله وعفوه . وأن يفرج عن أوطاننا وأمتنا إنه قريب  مجيب ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وسوم: العدد 899