الأستاذ الدكتور مصطفى عراقي حسن

أحسن الله عزاءكم في أخينا الحبيب

د. محمد جمال صقر

[email protected]

يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم  وكيف بحصن والجبال جنوح

ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل نجوم السماء والأديم صحيح

فعما قليل ثم جاش نعيمه فبات نديُّ القوم وهو ينوح

"إنا لله وإنا إليه راجعون"!

مصطفى عراقي حسن يموت ونعيش نحن

غفرانك اللهم

موسيقى الوداع الأخير

لمحمود حسن إسماعيل

مع انسلال الروح من حقد التراب في لحظة احتضار حزين

إلي روح د. غنيمي هلال

-ثم إلى روح د. مصطفى عراقي حسن-

ماذا وراء النفس المقطوع من أغصانه الآفلة الثاكلة الحفيف بين الحنجرهْ

ماذا وراء الزفرة المطرودة الكيان والزمان من وجودها المخدوع حول المجمرهْ

ماذا وراء النظرة الموءودة الشعاع والوداع في أجفانها المشدوهة المسمرهْ

ماذا وراء اللحظة السارقة المسروقة الرنين من دقاتها المندحرهْ

ماذا وراء الرعشة الخرساء والفأس بكف الغيب تهوي فوق جذع الشجرهْ

والريح لا تمس طيفا فيه وهم ذرة ناظرة لأختها المنتظرهْ

تقطعت بالزورق الحبالْ

وأبلست مرافئ الزَّوالْ

وأغلست مسارب الخيال

وانسحب الضوء من السراج الضارع المهزوم

وانسرب الوجود كاللصّ إلي رماده المحتوم

وأقفرت لم يبق حتى حلم عود في رفات ثمره

ولا فتات بذرة مقاء يهوي غصنها أن يسترد زهرهْ

ولا مسار دعوة أخيرة إلي سماء

ولا مدار حيرة ضريرة إلي رجاء

ولا جؤار عتمة مقهورة إلي ضياء

ربّاه ويل ساعة أنغامها في نايها مكررهْ

تجيء ثم تختفي ثم تعود فوق سر لست أدري خبرهْ

سكنية تنفض أم سكينة تنقض أم إعصار صمت أم شظايا مقبرهْ

أم ودع العراف ينهي غيبه من دربه ما قدره

أم إنها صائدة مقهورة مسيرهْ

ترمي بما يقضيه من شدَّ عليها وتره

والسهم والقوس ونبض الدَّم في الخليهْ

أشلاء وهم في يد مشلولة عتيهْ

وطيف حلم موصد في قبضة خفيهْ

وحيرة مبصرة في حيرة ضريرهْ

تدهس ضوء الروح في السريرهْ

بدون أي رحمة أو انتظار رحمهْ

وفي ذهول لحظة ضارعة في لحظة تحيل كل ما يضيء في الحياة ظلمة مدثرهْ

رباه أهي نشوة عند اللقاء مسكرهْ

أم إنها عند الرحيل لا ألمت راحتاه مجزرهْ

من أجل هذا أكره الإيماء لاندهاشة الجنائز

وأكره الإصغاء للدموع مهما حومت غرائزي

وأكره الإفضاء بالأحزان مهما خيمت جراحها لشمسي

وأكره الرثاء والبكاء حتى لو رأيت نعشي

لكنني أشتاق أن أبوح بارتعاشة الضوء إذا رأيته نعسانْ

وأن أشد مزهري لفجره المكبل الظمآن

مهما لوى الظلام وجه عاشق عن كلّ نور فجره

ودوخ اللسان حقد كاره لضوئه أن يذكرهْ

أشتاق أن أقول كان موجة صوفية الهدير

ترش تلعة جاهلة من فيضها وفيضها الغزير

وكان شوق لجة تعشق أن تعانق الغدير

وكان وجه عاصف مزند بالموت والنشور

لحدا لكل ظلمة

سدا لكل رجعة

مدا لكل نور

وكان فأس حاطب

وكان كأس شارب

وكان لمح سارب

في توهة العبور

وكان درب سابل

وكان حرب جاهل

وكان سكب يقظة ونور

وكان في انطوائه

وكان في انتمائه

توهجا يدور

وكان فوح عشبة

نديانة في ربوة

أبية مستترهْ

مرت عليها الربح ما أفنت عبيرا بثه ونشره

واحتدمت من حوله كي تصهره

وتخفت الإشراق والإيراق في كل ضياء بذرهْ

لكنها مقهورة منتصرهْ

دست له الأشواك في كل طريق عبرهْ

فداس ثم داس حتى أوغلت في كبده لتعصرهْ

وأقبل المقدور

في مهده يدور

ينطفئ السطوع والشموع في يديه

ويخطف الصفاء والضياء من عينيه

فلم يجد فيئًا من السكون والأمان

يحميه من ضراوة الأحقاد في الإنسان

إلا العزوب عند هذه الأكفـان