وداعٌ.. وعزاءٌ

 (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي).

حبيبنا أبا نزار، سلام عليك في الخالدين.. في الفردوس الأعلى، مع الأنبياء والصّديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.

تركت في القلب غُصّةً، لن يفضها تعاقب الأيام، وتركت في الروح ذكرى مضمخة بالحزن الذي ضيع أيام المساجد في حمص وفي عمّان.

أخي الحبيب الأريب.. هل تُرانا يسكننا النسيان بعدك، يا من كنت صنو القلب والروح؟

أيرضيك أن تتركنا وحدنا وتمضي؟

لا أملك إلا الدمعة والذكرى، والوشوشات كاشفة سر الغصة، سر اللعبة، التي نسجتها يد الشياطين، وقالت: أنتم مشردون، وجعلت مسجدك في حمص يتيماً، ينتظر عودة المغادرين.

لكنك أخي المقدام كنت رحباً، كنت على العهد دوماً تقول: لا وقت للهزل.. لا وقت لبرق خُلّب، الوقت كله لسحابة مزن، لأمانة الحنين، لربع هو نصل الحق الناصع القاطع حبل الشياطين.

شعرك كرسته لبناء الحنين العائد مع صهيل الخيل المسومة، والسيوف اللامعة، والأيدي النظيفة.

ونثرك المقدام، سافر إلى أرض كنت تمزج ترابها بأمل رياحك المسكونة بحب ذلك التراب، الذي ساكنته شاباً مؤمناً مجتهداً في أمر ربك الكبير المتعال، وأمر رسولك صلى الله عليه وسلم، هكذا كنت، وهكذا اكتشفتك يوم عرفتك وساكنتك، وعاملتك بالدرهم والدينار، ورافقتك سفرك.

كنت الذهب الذي لا يصدأ أبداً؛ عقلاً حصيفاً، وطبعاً رفيقاً، وصاحباً وفياً، وروحاً شفيفة، تراقب ربها في كل حركةٍ أو سكنةٍ، وقلماً فصيحاً، ولساناً عفيفاً ناصحاً، وسيرة غير متطلعة، تحب الخفاء، ترى ولا تفضح، تؤدي النصح بطريقته التي طلبها النقل.

وكنت الألم الذي يبني الأمل، والروح الوثابة المسافرة بعيداً عن كل المراء والجدل. تشهد على أيامٍ كلها خَطلٌ، لكنك لا تيأس، ولا تتجرع سراباً ينسجه خيالٌ ضالعٌ في سحر ذوي الأغراض المجنحة.

فسلام عليك يا حبيبنا الراحل إلى رب كريم غفور رحيم، سلام أودعناه حبنا والحنين إلى سنين كنا نهجس فيها بطعم رضا الرحمن، ونصر يقوم بزنود متوضئة، لا تقيل ولا تستقيل، لم تفت بعضدها غربة، ولم تَنُؤْ أكتافها بحمل واجب التحرير.

فإلى الفردوس الأعلى أيها الحبيب، الذي غادر وروحه تهجس باستعادة مسجد حمص ولثم المنبر الحزين.

لنا ولذويك؛ ولدكِ وزوجك وأخيك الحبيب أبي جابر كل العزاء المسكون بلقاء في جنات النعيم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

وسوم: العدد 745